مجموعة إنسان الشعرية للأطفال والإبداع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جميل السلحوت: صدر في أواخر العام 2006 مجموعة " إنسان " الشعرية للأطفال للشاعر فاضل جمال علي ورسومات ميمي سليمان الجبالي وتقديم الدكتور محمود العطشان عن منشورات مركز ثقافة الطفل في دار الأسوار في عكا. وتقع المجموعة في 48 صفحة من الحجم الكبير. أول ما يلفت انتباه القارئ لهذه المجموعة الموجهة للأطفال هو اسم المجموعة "إنسان " والذي هو عنوان قصيدة جاءت في الصفحة 12 من المجموعة، ويتساءل القارئ النبيه عن هذا الإنسان، من هو؟؟ وماذا يريد الشاعر من هذا العنوان؟؟ وما أن يبدأ القارئ المتمكن من قراءة المجموعة حتى يتكشف أن الشاعر فاضل جمال علي مثقف واسع الاطلاع في نفسية الأطفال، فهو لا يكتب لهم أناشيد حماسية، بل يغوص في نفسياتهم ويتكلم باسمهم وهنا يكمن ابداعه. وهو يرسل رسائل باسمهم للكبار كي يعرفوا كيف يتعاملون مع الأطفال دون أن يلقي عليهم محاضرة أو خطبة عصماء حول تربية الأطفال. وهو يقول للكبار ما يشعره الأطفال وربما لا يستطيعون التعبير عنه، ومن هنا جاءت قصيدته " أنسان " التي يقول فيها: أنا أنا انسان أحب أن أعيش في أمان وقد يتساءل البعض: وهل هناك أطفال ليسوا في أمان؟؟ والواقع أن الجواب نعم، فأطفال فلسطين والعراق على سبيل المثال لا يعيشون في أمان، بل يتعرضون للقتل اليومي بدون سبب، أي لا أمان على حياتهم، ولا أمن لهم في بيوتهم أو في مدارسهم أو ملاعبهم. ولا أمن اقتصادي أو اجتماعي أو غذائي لهم. وفقدان الأمن ليس مقصورا على النواحي السياسية والحروب فقط، بل يتعداه إلى التخلف الاجتماعي بدءا من الأسرة ومرورا بالمدرسة وانتهاء بالمجتمع، لذا فإن الطفل يصرخ: اذا غلطـت مرة لا تجرحوا شعوري لا تصرخوا لا تضربوا فالطفل ليس علاّمة ولا حكيم العصر، بل هو إنسان لطيف ضعيف وصفحة بيضاء، يتعلم ويخطئ، ويجب أن لا يقابل خطؤه بالإهانة والتجريح اللفظي أو بالصراخ أو الضرب. إذن ماذا يريد الطفل؟؟ فتجيب القصيدة: تكلمـــــــــوا بلطف يزول عني الخوف وهكا فإنه يريد الحنان حتى يستوعب الأمور، وهنا يناشد الكبار أن يحترموا جهله في بعض الأمور فيخاطبهم قائلا: بعض الأمور صعبة لديّ احترموا صعوبتي... وحافظوا عليّ وفي ذلك نداء لمن يريد من الكبار أن يتعامل مع الأطفال وكأنهم راشدون. وفي قصيدة " انكسر الشرّ " فإن الشاعر يعاتب الكبار على تسامحهم مع الكبار مثلهم، في حين لا يتسامحون مع الأطفال حتى لو تساووا في الخطأ مع الكبار، وأول غير المتسامحين هن الأمهات مع أنهن الأقرب إلى الطفل، فحينما يكسر الأب كأسا زجاجيا فإنه يضحك ويقول: " انكسر الشر " بينما اذا كسر الطفل كأسا فإن: أمّي تصرخ غاضبة مــــــــا هذا الأمـــــر لا تعرف أنت الصبر
وفي قصيدة " لينار " فإن الشاعر وعلى لسان الأطفال يعالج تناقض معاملة الأمهات والآباء مع أطفالهم، بحيث يصعب على الطفل فهم هذا التناقض، لأنه مهما فعل لا يرضي والديه فجاء في القصيدة: أمّي قالت: يا لينار اخرج لا تلعب في الدار بعد قليل قالت: ادخل
لا تلعب تحت الأمطار أنا محتار أنا محتار ومع ذلك فإن الطفل يدرك أن الأمّ لا تقسو على أبنائها فيقول: نظرت لي قالت: لا تزعل ما رأيك أو ماذا تختار
هيا نلعب نرسم بسمة نصنع تيجانا من أزهار قلت لها: نذهب للجده وفي قصيدة "أفكار" فإن الشاعر يعبر عن نفسية الأطفال وثقتهم بالكبار، وفي هذا دعوة للكبار بأن لا يخيبوا ظن الأطفال وذلك بالاستماع لما يقوله الأطفال، وأن يفوا بما يعدونهم به فيقول:..... ولا يغضبون إذا قلت رأيي بشكل صريح...................... وأن الكبار إذا وعدوني بشيء فهم دائما يذكرون الوعود. وفي قصيدة " تغير في لحظة رأيها " يبدو واضحا أن الأطفال يفهمون نفسية الكبار، وإذا ما رفضوا لهم طلبا، فإن الأطفال يعبرون عن رفضهم بالبكاء، فلا تلبث الأمهات أن يستجبن لطلبهم: سئمت الجلوس وحيدا طلبت الخروج مع الأصدقاء ولكن أمّي أنّت غاضبة:
لا تخرجوا في المساء غضبت حزنت كثيرا وحين رأتني بدأت البكاء تغير في لحظة رأيها.... وأما أنا ففرحت كثيرا لأني حصلت سريعا على ما أشاء وفي قصيدة " في غرفتي " هناك خصوصية للأطفال يجب احترامها، كما أن فيها تعليما للأطفال: في غرفتي وحدي انا أو مع الأصحاب لا تدخلوها فجأة من غير طرق الباب وفي قصيدة " لا ولا " احتجاج من الأطفال على كثرة الممنوعات التي يفرضها عليهم الكبار، لذا فإن الطفلة تقول: عندما أكبر سوف أبني منزلا أكتب فوق باب كل شيء عندنا مسموح وبما أن الكبار خصوصا الوالدين قدوة للأطفال، فإنه يجب عليهم أن لا يطالبوا الصغار بما لا يطبقونه على أنفسهم، ففي قصيدة " مثل كلام أبي " يقول الطفل: حين أخاطب أختي وأخي
بكلام مثل كلام أبي فأبي يصرخ ! أنت قليل أدب وفي قصيدة " ما يشاء " فإن الشاعر يدرك اختلاف الأهواء والهوايات ليس عند الكبار فقط، بل عند الأطفال أيضا، ويجب احترام ذلك. مها تحب الصيف رشا تحب الشتاء سامي يحب أن يسير حافيا.......... وكل واحد يحب ما يريده وكل واحد يختار ما يشاء ومع أن القصائد جميعها تربوية تعليمية إلا أنه في قصيدة " قطة الجيران " تعليم وإرشاد خاص للرفق بالحيوان: لقطة الجيران خمسة أولاد وبنت واحدة وعمرهم يومان اليوم لم آكل فطوري كله
أكلت نصفه وقدمت لهم قسما من الحليب والأجبان وفي قصيدة " يا بطل " درس تربوي للكبار الذين يسلبون الأطفال طفولتهم، عندما يحاولون مخاطبتهم وكأنهم بالغون، فكثير من الآباء يعتبرون أطفالهم رجالا أو أبطالا مع أنهم ليسوا كذلك. أبي يقول يا بطل لكنني طفل أنا صغير أخاف لو سمعت حولي نحلة تطير أما القصيدة اللافتة للانتباه، والتي ربما يعتبرها من يعيش خارج فلسطين تحصيل حاصل، إلا أن الواقع المعاش للفلسطينيين داخل الخط الأخضر وما يتعرضون له من قهر قومي وطبقي، بعد ان تحولوا بجبروت الغزو الصهيوني إلى أقلية في وطنهم، إن هذا الواقع يفرض أن يتمسكوا بلغتهم، وهويتهم القومية، ومن هنا جاءت قصيدة لغتي العربية: أقرأ باللغة العربية أكتب باللغة العبرية أحلى كلماتي أكتبها شمس أزهار برية
بحر أقمار حرية أكتب مكتوبا لصديقي اقرأ لافتة بطريقي. يبقى ان نقول ان القصائد العشرين التي احتوتها المجموعة قصائد جميلة وتحمل قيما تربوية وتعليمية، وتستحق النشر والتعميم على الأطفال ليس في فلسطين، وانما في العالم العربي، كما انها تستحق الترجمة إلى لغات أخرى كنموذج للقصائد العربية الموجهة للأطفال
الاخراج والرسومات: في الواقع أن اخراج هذا الكتاب على درجة عالية من الفنية والجمال، فالغلاف مقوى، والورق صقيل، ومقابل كل قصيدة رسومات مفروزة الألوان على صفحة منفردة، لكن هذه الرسومات في غالبيتها لم تكن موفقة بما في ذلك لوحة الغلاف، حيث أن الرسومات لم تعبر عن براءة الأطفال وجمالهم، بل إن رسم بعض الأطفال جاء مثل المومياء المحنطة، وفي الرسمة ص19 على سبيل المثال رسمة المرأة العجوز في وجهها طفولة أكثر مما في وجه رسمة الطفل. وهذا يقودنا إلى القول أن ليس كل فنان تشكيلي قادر على الرسم في الكتب الموجهة للأطفال، بل هناك مختصون يعبرون عن روح النص المرافق،وهذا ما يجب ان تنتبه له دور النشر.