ثقافات

جديد ظاعن شاهين: ما لم تقله الريح

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بيروت من جورج جحا: مجموعة الاماراتي ظاعن شاهين الشعرية التي جاءت تحت عنوان "ما لم تقله الريح " تعكس امرين.. ومضات شعرية واجواء دافئة احيانا وحيرة وتردد وعدم استقرار في الاسلوب يحاول ان يبدو تنقلا بين انماط تعبير. وهذا التردد والتنقل من حال تعبيرية الى اخرى قد يكون ذا وقع حسن في بعض الحالات لكنه في احيان اخرى يجعل الشاعر يدفع ثمنا باهظا قد يسيء الى حسنات عنده تتمثل في حرارة تجربة هنا وقدرة تصويرية هناك واجواء حالمة هنالك وذلك لوقوعه -خاصة من الناحية الموسيقية- في ما قد تصح تسميته انتهاكك لما اسمته العرب قديما "حسن التخلص" في الانتقال من موضوع الى اخر بلباقة. الشاعر هنا يواجه حالات من عدم توفر "حسن التخلص الموسيقي" في الانتقال بين وزن واخر وقافية واخرى بل بين ما هو شبه نثري حينا وبين ما يفترض ان يكون تعددا في الاوزان والقوافي أو حتى من نوع قصيدة النثر الحديثة.
وفقدان الرابط العضوي او الوحدة العضوية وحتى حسن التخلص في التنقل بين ايقاع واخر يظلم الشاعر وشعره اذ تتحول بعض النماذج احيانا الى ما يشبه عمليات اللصق او "الكولاج" الشعري. وتتردد نماذج من هذا النوع فتبدو ظالمة لحالات وصور واجواء تكون قد احدثت شيئا من الهزة الفنية الحلوة قبل ان ياتي التغيير المبتسر أو القسري ليبدو كالقاء ماء بارد على جو شعري دافيء.
وقد نجد قصيدة للشاعر فيها دفء وانسياب موسيقي لكننا سرعان ما نجد انه انتقل الى نمط اخر من التعبير والامر المألوف في شعرنا الحديث الان. لكن ما يؤخذ عليه فيه وقوعه في كثير من "الكسر" او الاضطراب الموسيقي غير المبرر بمعنى انه يبدو كمن يذهب اليه طوعا. مجموعة ظاعن شاهين الشاعر والصحافي الاماراتي وهي كتابه السابع بين شعر ومقالات ونصوص مختلفة وردت في 73 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار "رياض الريس للكتب والنشر". وذلك الانتقال الدائم بين كثير من الموضوعات يحمل في طياته أيضا مشابه تذكر بنتاج عدد من الشعراء الاخرين. الا ان شاهين اجمالا يقول ما في نفسه بطرق فيها قدر واضح من الجمالي. اما حيث يتبع نمطا تعبيريا واحدا سواء في قصيدة تفعيلة او غيرها كما في القصيدة الاولى وهي قصيدة نثر عنوانها "وجوه" فقد يشعر القارىء بان شاهين يجد نفسه اكثر مما يجدها في الانتقال جيئة وذهابا.
يقول "هي وحدها/ تجوب رصيف الشارع/ تتكيء على عكازها/ تعدل ظهرها الذي رافقته السنون/ ثم تمضي دون هداية/ اربعون عاما/ تتساقط من خريف/ العمر/ ولا يعرف احد اسمها/ تتلصص خلسة/ تتامل الوجوه الحاضرة/ تكاد تفتك بتفاصيلها/ وكأنها تبحث عن/ وجه يشبهها..."
وكذلك هو الامر جميل وموح في قصيدة "ما لم يقله الانتظار" حيث يقول "كنت في انتظارك/ عندما سقطت الوردة/ وانتحرت الاوراق.../ لم تبال الريح/ بانين العصافير الخائفة/ سقط القلب/ وسقطت جميع الاقنعة.../ هدأت العاصفة/ سكنت جميع/ الاشياء المهملة/ وانتفض قلبي/ انا في انتظارك/ اين انت/ ما زلت اراود الاسئلة..."
وفي قصيدة "ما لم تقله الريح" وهي قصيدة "متعددة" مما يسمى قصيدة التفعيلة يبدأ بمطلع لا يعرف القارىء تماما اذا كان قد قصد فيه ايقاعا متعددا ام انه بدا صدفة كذلك. والافضل كما يبدو للقارىء ان يكون " نثريا" لان قراءته قراءة ايقاعية منتظمة ستظهر فيه ضعفا ليس في صالح القصيدة التي لا ينقصها التوتر الشعري.
يقول "ان طواني البعد عنك/ وتأججت في داخلي/ نار الغواية/ تستبيح مدائن الطهر/ فلن يبقى سواك.../ لابد من نبع/ زلال/ ارتوي منه../ لابد من نور/ اجدّل من حبائله/ ارتعاشات الفؤاد/ لابد من درب/ خلاص/ استجير به/ واتبعه../ لقد تعب الهوى مني/ لقد كسرت مسافات/ وضاعت في فصول/ الصمت/ اسرار الغياب..."
ويبدأ الاضطراب الموسيقي جليا بعد ذلك مسيئا الى متعة جمالية توفرها الابيات. يتابع قائلا "لو كان صوتك خنجرا/ يأتي اليّ/ سأطعن خاصرة/ الرؤى/ حتى تفر طيورها عني/ وترحل نحو غربتها/ فلن يدمي تراتيل الهوى/ جرح البعاد ../ لو صار وجهك/ خريطة/ تمد جراحها نحوي..."
في قصيدة جميلة بدفئها المنكسر على رغم نثريتها هي "سيدتي" جو شعري يحفل باحزان تذكر باحزان الشاعر العراقي الراحل بلند الحيدري. يقول "لم يفتنا القطار بعد/ هناك محطة اخرى/ قبل قليل.. عدت منك اليّ.../ المحطة ما زالت تنتظرنا/ والناس زرافات/ يدلفون/ هل هناك مكان لنا../ نعم ومكان للاخرين/ حسنا القطار لم يفتنا../ والمحطة تنتظرنا.../ بعد قليل ساعود مني اليك." (رويترز)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف