ثقافات

الاخر في القرون الوسطى كما راه المسلمون

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بيروت من جورج جحا: بعد المجلد الضخم الذي حمل عنوان " موسوعة السرد العربي" يتناول الباحث الأكاديمي العراقي عبد الله ابراهيم في مجلد مماثل آخر موضوعا مهما وواسع النطاق عنوانه "عالم القرون الوسطى في اعين المسلمين". ومن خلال المواد الغزيرة التي يستند إليها الدكتور ابراهيم والتحليل العلمي المركز يلقي الكتاب اضواء على كثير من نواحي صور "الآخر" في القرون الوسطى كما بدت من خلال أعين المسلمين واذهانهم. وشدد المؤلف على أن الافكار المسبقة والصور النمطية لا يمكن أن تكون عبد الله ابراهيم منصفة بحق الاخر المختلف. وقد صدر المجلد الانيق عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في 720 صفحة صقيلة من القطع الكبير الموسوعي. ابراهيم رجل الفكر والباحث والاستاذ الجامعي قدم بشكل معمق لكتابه فبدت المقدمة كما يجب أن تكون كل ناجحة من مثيلاتها.. مزيجا من التمهيد والاستنتاجات التي توصل اليها في متن الكتاب عبر مواده الغزيرة واستشهاداته الكثيرة. وبدا ما كتبه المؤلف في مجال التقديم اقرب إلى دراسة مكثفة في حد ذاته.
وتحت عنوان "توطئة ..المرويات والتمثيل السردي للاخر" كتب ابراهيم يقول "انتجت القرون الوسطى الاسلامية مرويات كبرى رسّخت تصورات شبه ثابتة للأعراق والثقافات والعقائد. وكانت تلك التصورات تمثل معيار قيمة لرفع أو خفض أي مجتمع أو ثقافة أو عقيدة فالحكم المسبق على ظاهرة اجتماعية او ثقافية او دينية سيؤدي إلى نتيجة تضفي مكانة رفيعة عليها او تسلبها مكانتها الحقيقية." أضاف أن "الصور التخيلية المتشكلة في أذهان المجتمعات بفعل الخلافات الدينية والصراعات السياسية وتباين المنظومات القيمية والانساق الثقافية أدت خلال تلك الحقبة الطويلة إلى ترسيخ صور منقوصة لبعضها.
"وما دامت تلك المرويات توجه أفكار المؤرخين والجغرافيين والرحالة والمفكرين والفقهاء وكل من يصوغ الصور الجماعية الذهنية الخاصة بالاخر - وبخاصة المدونات الوصفية والسردية والعجائبية- فمن المنتظر الوصول إلى سلسلة متواصلة من الاحكام غير المنصفة بحق الاخر المختلف." ورأى ابراهيم أن العودة إلى مرويات الثقافة الاسلامية -والمقصود بالمرويات هنا كما اوضح "كل تعبير يقوم بوظيفة تمثيلية للمرجعيات الثقافية والعرقية والدينية بغض النظر عن صيغته الأسلوبية- تبين صورة الاخر مشوشة الأمر الذي يؤكد أن المخيال الاسلامي المعبر رمزيا وتمثيليا عن تصور المسلمين للعالم انتج صورا تبخيسية للاخر . فالعالم خارج دار الاسلام -كما قامت تلك المرويات بتمثيله- غفل ومبهم وبعيد عن الحق وبانتظار عقيدة صحيحة لانقاذه من ضلاله. ولا تخفى التحيزات الكامنة في طيات ذلك التمثيل.. فهي مكشوفة وواضحة."
وفي رأي ابراهيم أن صورة الاخر "الدونية" كانت "مثار قبول واحتفاء في كثير من الاحيان لدى المؤرخين والجغرافيين ولم يجر -في حدود علمنا- نقد معمق لها ولا كشف للتنميطات الثقافية الجاهزة للاخر." إلا أن ذلك لم يكن في نظره "خاصا بالمرويات في دار الاسلام وحدها.. فالقرون الوسطى كرّست ثبات المعايير وتكرارها.. والنظام الفكري الشائع خلالها نظر إلى الظواهر الطبيعية والبشرية والثقافية نظرة ساكنة.. والاحساس بالتغير كان محدودا جدا وثمة ثقة كاملة بضرورة اخضاع الظواهر الطبيعية البشرية والثقافية لتفسيرات مركزية مطلقة وغير خاضعة للتغيرات الزمنية. وكان النظام الفكري يستعين بطرائق تحليلية تفتقر إلى الاستنتاج والتعليل. "وترتب على ذلك أن أصبحت المعرفة الخاصة بتلك الحقبة هشة وغير متماسكة وفيها تناقضات كثيرة لم تصمد بوجه النقد لأنها قائمة على التنميط الجاهز وفصل الظواهر عن سياقاتها التاريحية..."
وقال في مكان اخر "إن الأمثلة في عالمنا المعاصر أكثر من أن تحصى في مجال اختلاق ذاكرات تاريخية وعرقية ودينية والبحث المسكون بأوهام كبرى للانتساب إلى ماض عريق كمعادل موضوعي لوهن قائم او لانتزاع شرعية في عالم محتدم بصراع الهويات والتطلعات والامال."
وأورد المؤلف فصلا بعنوان "مدخل .. مركزية دار الاسلام في القرون الوسطى" تناول فيه بداية الصعوبة التاريخية للحظة التي بدأ فيها استعمال مصطلح "دار الاسلام" لأن "قيمة هذا المصطلح الحقيقية تكمن في دلالته الثقافية فدار الاسلام لم ترتهن ابدا لمعنى جغرافي مباشر محدد لان تلك الدار كانت تتوسع وتنحسر على وفق درجة حرارة البعد الثقافي للاسلام كمنظومة ثقافية يوجهها بعد ديني لتفسير العالم..."
وتوزع المجلد القيم على فصول وعناوين عديدة أولها "عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين". تبع ذلك "كتاب ..اقاليم وبحار وبشر" وفيه نصوص في مجالات كثيرة مما تناوله الكتاب والباحثون المسلمون. ومن أسماء عديدة منها على سبيل المثال المسعودي والبيروني وابن خلدون وكثيرون غيرهم. باب اخر حمل عنوانا هو "كتب الشمال" وفي مدخل نقرأ عن صورة الشمال في اعين المسلمين وموضوعات عديدة من عناوينها مثلا "بلاد الظلام..." و"امم العشائر الضالة" و"العالم الايراني..." و"العالم التركي" و"البلاد الروسية.. ضلالة وغموض" و"الوثنية الاسكندينافية.. صخرة القطب" وغير ذلك كثير تناول مناطق العالم المعروف في تلك الايام.
وفي "كتاب الشرق" عناوين عديدة متنوعة منها مثلا "المفاجأة الهندية.. حكمة وعدالة" و"الرعاية الملكية.. الصين الساهرة" و" التبت.. هضاب سعيدة ومسك فريد" و"حرق الاجساد.. فلسفة في التهذيب والاخلاص" و"اكلة لحوم البشر ..مرويات عجائبية" وغير ذلك فضلا عن نصوص لأسماء عديدة. أما "الكتاب" الأخير قبل "كشاف المصادر والمراجع" فقد كان عنوانه "كتاب افريقيا السوداء" وفيه نصوص لما لا يقل عن 18 مؤلفا من المسلمين القدامى ابتداء بسعيد المغربي وانتهاء بابن بطوطة. (رويترز)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف