ثقافات

جديدان: قصص للأنصاري وقصائد لنصر الله

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الانصاري: الواقعي والغرائبي والخرافي في تبادل للملامح

بيروت من جورج جحا: في مجموعة قصص الكاتب والصحفي السعودي عبد الواحد الانصاري أجواء تأخذ القارىء الى ما يشبه مراوحة بين الواقعي والغرائبي والخرافي في حركية كأنها دائمة و في أجواء تبدو كالحلم. وللانصاري قدرة مميزة على جعل الحاضر كأنه موغل في القدم وجعل ما نتصوره قديما يطل بوجوه حاضرنا وله قدرة مماثلة على المزج "الفني" بان يجعل أجواء الخرافي والغرائبي "تهبط" على الواقع فتضفي عليه بعض ملامح الغرائبي والخرافي حينا آخر وعلى الارتفاع بالواقعي الى أجواء هذين.
وفي قصص الانصاري القصيرة نشعر احيانا كثيرة بحالات "تواطؤ" يتبادل فيها الواقعي والخرافي الملامح خلسة فيبدو الواحد كأنه الاخر وتجتمع أحيانا ملامح الثلاثة في واحد.
لغة الانصاري في قصصه شعرية تصويرية على عراقة عربية. اشتملت مجموعة الانصاري على 17 قصة قصيرة جاءت في 125 صفحة متوسطة القطع. وصدرت عن "دار وجوه للنشر والتوزيع" في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية.
القصة الاولى التي حملت عنوانا هو "معتوقة" اختلفت عن الاخريات في أسلوبها الذي جمع سمات تبدو حوارية مسرحية وأخرى سردية تضع "الراوي" من جهة وشخصية أخرى هي "شوعي" من ناحية ثانية الا ان الشكل الحواري الفعلي ينتهي هنا فالاثنان يرويان أمورا تبدو متباعدة لكننا لا نلبث أن نجد فيها تكاملا. الاثنان يرويان قصة دون حوار مباشر فكل واحد منهما يروي أحداثا ويطلق افكارا وكأن الواحد منهما لا يرى الاخر وإن أكمل بعض ما يقوله أو ألقى عليه ضوءا او نظر إليه من اتجاه آخر. وقد يبدو للقارىء كأن كل واحد منهما يقف في طرف مسرح ويروي قصة او قسما منها. إنهما لا يتحاوران وان تداخلت كلماتهما "من بعيد" احيانا. وتبدو الاحداث كأنها اتية مما اصبح الان بعيدا عن الحاضر.
يبدأ الراوي بالكلام عن معتوقة وهي اسم على مسمى فيقول بكلمات قليلة تروي الكثير "لم يكن سيدها ممن يستمتعون بجواريهم لذلك اعتقها كفارة عن بعض ذنوبه وغيرت هي اسمها من بزة الى معتوقة وعاشت على الفتات الذي تجود به عليها نساء البيوت الى ان فطن لها (شوعي) ما خطرت معتوقة ببالي بل اعتقدت انه لايجري وراءها الا سفيه الى ان رأيت جرة العسل التي وجهتني اليها." وهنا كما في البداية ان الراوي يبدو اقرب الى فكرة الجوقة او "الكورس" اليوناني القديم وبعض مهماته ان يشرح للجمهور ما لا يستطيع الحوار المسرحي نقله الى المشاهدين بدقة.
نجد الراوي هنا يحلل ويشرح جوانب من نفسية الرجال فيقول "في هذا لم يكذب شوعي كما اننا لا نستطيع محاسبته على ما يخالف ذلك لان ذيوع اقبال الرجال على إمراة ما سيخلف اثره في كل رجل إما برغبة في التطلع او الفوز بها واما بحقد قد لا يخلو من أحدهما." وفي قصة "فوز" مثلا نقرأ عن النوازع والاحلام والطموحات البشرية في ما يشكل نسيجا من الواقعي والخرافي و"الفلسفي" الاخلاقي. كأن الانصاري يقول لقارئه "قل لي بماذا تحلم اقل لك من ستكون."
نقرأ بداية القصة حيث يقول "منذ جاء النور من ضفة النيل الابيض بالسودان على العبارة الضخمة المتجهة بعرنينها الاشم الى جدة تمخر عباب البحر الاحمر وتشاكس الامواج منذ ذلك وهو يحلم بالفوز بجائزة سباق الاحصنة الكبير. والحق انه جاء لهذا الغرض واما المهنة التي وضعت في اقامته (مدرس) فرغم استحقاقه المهني لها الا انها ليست سوى تنكر مكذوب.
"واظب على أداء واجبه التعليمي بكفاءة وكان اشد مواظبة وحرصا وتعلقا بحضور سباقات الخيل التي جرب فيها كل المحاولات واختار كل الارقام الممكنة. وتحول الى مقامر مجنون يبدد مرتبه الصغير على سيارات الاجرة ومياه الصحة وشراء مجلات وكتب الحظ. "ولم يفز بالجائزة. وسمع عن مشعوذ افريقي يجعل (اللاعبين) في السباق يقفزون فوق تيس أسود ثم يمارس طقوسا ويتنبأ لهم بالحصان الفائز. فعل (النور) ذلك خلسة ففاز بجائزة قيمة فتخلى عن التدريس لكنه اكتشف لاحقا أن ذيل حصان نبت له. في النهاية قرر العودة الى التدريس وكأنه في ذلك يسعى الى العودة الى عالم نظيف سعيا الى التخلص من (الذيل)."
من النماذج التي تعكس قدرة سردية تصويرية بنبض موسيقي هادىء وترسم شبه كابوس يمكن أن يتحول اليه عالمنا بخيوط من الواقعي والغرائبي قصة "بحر." إنها قصة "مدينة ساحلية افتراضية بحر ورمال ونخيل وصديق ولا صخر لا حجارة ولاحصباء.. والماء ماء بحرها المالح يعدني بهناء الشفاء من آلام قدمي المتورمتين. "لكن هذا البحر الذي كان يفترض ان يكون متنفسا وخلاصا تحول الى غير ذلك. قال له صديقه إن ألم رجليه سيختفي لكن لعنة (دوار الريح) الذي اقامه السكان اصابت رأسك. "لقد غضبت الريح وغيرت اتجاهها ونتج عن ذلك غضب البحر الذي غير عادته وأرسل اليهم إشارة تحذير لا يمكن التنبؤ بما سيأتي بعدها لم يعد يبتلع ما نرميه في جوفه." وفي صورة سريالية حمل صديقه حجرا بيضاويا كان قد أهداه إليه "وطوح به وقذفه صوب البحر فصرخت معترضا ...لا ... لا... ولكن صرختي جمدت في حلقي عندما رأيت الحجر يطفو على وجه الماء البارد متمايلا على صفحته التي تجر اذيالها منسحبة بثقل ومتانة نحو الجنوب."



ابراهيم نصر الله: الناي والخريف وقصائد كأنها ترسم أغنية

بيروت: مجموعة الشاعر والروائي والفنان ابراهيم نصر الله التي تحمل عنوانا هو "حجرة الناي" والممهد لها بكلمات من أغنية لفيروز تتحول في مجموعها الى أغنية متعددة الامتدادات يكتبها نصر الله حينا ويغنيها حينا اخر و" يرسمها" شعرا باستمرار. يرسم لنا نصر الله بالصورة وحتى بالنبضات الشعورية والموسيقية احيانا في قصائده عالما خريفيا هو عالمه من جهة والعالم كله منعكسا في نفسه من جهة اخرى. في هذا العالم يطل المفجع في صور "رحيل اصفر" كاوراق الخريف. يتجلى هذا الرحيل في فعل حركة الزمن في الانسان واكثر هذه التجليات تأثيرا وتعذيبا للنفس حين يتعلق الانسان بوجه حبيب عنده يختال في عالمه الربيعي ويتجه الآخر عبر خريفه إلى منحدر في العمر نعرف الى أين يفضي. إننا هنا امام ما يمكننا وصفه إلى حد ما من خلال استعارة اسم أحد كتب سعيد تقي الدين أي "ربيع الخريف".
هذا الوجه الحبيب يزرع في هذا الانسان مشاعر متضاربة. الحزن بسبب الرحيل أساسا كما هو متوقع.. وحزنا أشد كما عند الشاعر بسبب الابتعاد عن هذا الوجه الحبيب. يتحول الوجه الى سبب آخر مهم لتعلقنا بالحياة. والوجه هنا طبعا هو من قبيل المجاز المرسل. إما نقيض ذلك فشعور رائع لان وجود هذا الوجه في عالمنا يزرع ربيعا في خريفنا ولولاه لكان للامر مرارة كبرى. الشاعر يحزن من ناحية وتسعده بل تعوضه عن حاله "نعمة" هي وجود هذا الوجه الحبيب. ثم إن للخريف نفسه بعد ذلك كله ولربما قبل ذلك كله عالمه الرائع.. عالم من جمال وحزن قد يكونان حبيبين. مجموعة نصر الله الاردني الذي ولد لابوين فلسطينيين اقتلعا من أرضهما عام 1948 جاءت في ثلاث "حجرات" توزعت على 174 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر." في بداية أولى حجرات الناي هذه استشهد ابراهيم نصر الله بكلام من اغنية بصوت السيدة فيروز الرائع من كلمات والحان الفنان زياد الرحباني والكلمات هي "بعده بيعنيلك مثلي الخريف... " والاغنية المعربة هذه مأخوذة عن أغنية أجنبية أشهر ما عرفت به نصها الفرنسي "الاوراق الميتة" او اليابسة التي غناها إيف مونتان من كلمات جاك بريفير ونسختها الانجليزية " أوراق الخريف" التي غناها صاحب أحد الاصوات الخالدة الفنان الامريكي الراحل نات كينج كول." ويرى البعض إن "النسخة" العربية وان كانت بصوت فيروز الفريد لم تصل الى مستوى النسختين الاخريين.
في قصيدة بعنوان "جهات" يقول نصر الله "ظهري الى الخريف ( ظهري الى الرماد في موقدي القديم) ظهري الى الصيف الذي مضى ولن يعود( ظهري الى الرعود) ظهري لما خسرت من حياة( ظهري الى الصحراء) وأنت كل الماء." وتحت عنوان "دروس" يقول "يعلمني ان احبك اكثر هذا الخريف (ويمسك بي ويسير الى ما تبقى من الورد في.. الخريف) يذكرني بربيعك اكثر هذا الخريف (ويحملني نحو خضرة روحك هذا الخريف) ويتركني فجأة ليسير وراءك). حتى الخريف " في "حنين" يقول نصر الله في تصوير حزين مؤثر لحالة ولوضع انساني "تذكرت( ذاك الربيع) كما يتذكر ناي صباه ... لهذا بكيت." ومن الومضات النفسية والفكرية احيانا التي يرسمها الشاعر بنعومة جميلة جارحة ما يقوله في احداها تحت عنوان "اقامة" "في اوراق رسائل الحب التي اصفرت( ذات يوم) اقام ربيعي." وفي "خسارات" يقول الشاعر "أضعت الخريف ( لاني انتظرت شتائي اكثر مما يجب) أضعت الذي كنت أحببته) والذي لم أحب." القصائد لا تتبع نمطا واحدا فقط بل تراوح بين نمط قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة حينا اخر كما تجمع بين النمطين في حالات اخرى.
وفي قصيدة صغيرة ايضا بعنوان "معا" قال نصر الله "بهدوء قاتل( جنبا الى جنب) عاش الخريف والربيع فيّ دائما ولم انتبه." وفي ""خسارات 4" كتب يقول "سوف ينتهي ربيعي قالت لي باكية سوف ينتهي ولم يكتب لي شاعر قصيدة مثل واحدة من القصائد الكثيرة التي احبها." في "اعتراف 2" قال "ان لقيتك قرب البحيرة لن ادعي انها صدفة ساقول انتظرتك قرب البحيرة!! كم عمرك الآن ؟ سبع وعشرون يا للربيع !!" ويخاطب الوجه الحبيب في قصائد منها "همسات" فيقول "اسير الى جانبك كالخريف تسيرين الى جانبي كالربيع لم اعد احلم بالوصول اليك وتخشين الوصول اليّ والاشجار تتهامس.. ايهما اكثر خوفا."
وفي قصيدة "رواية" وفي اشارة منه الى رواية فلاديمير نابوكوف "لوليتا" وهي الصبية الحسناء وعلاقتها بهمبرت المتيم بها والاكبر منها سنا الذي بعد علاقة بينهما حاول ان "يحتكرها" ويحيطها بطوق جعلها تشعر بالاختناق فهربت منه يقول "لو كان ربيع لوليتا أكبر ولو كان خريف همبرت أقل لما كتب نابوكوف تلك الرواية."
في قصيدة "نهايات" يقول نصر الله "لن أحبك أكثر من قبل اتعبت روحي الاخيرة وغرّبت قلبي ما بين عنق وبين ضفيرة وأورثتني من نجوم السماء دروبي القصيرة لن احبك أكثر من قبل أتعبت روحي الاخيرة." أما قصيدة "بورتريه" فيصور فيها لاوجه حواء المتعددة كما يقال بل وجوه تلك الحبيبة والحالات المختلفة لتلك الحبيبة المراة والطفلة وحضورها وغيابها والسعادة التي يبعثها في نفسه ذلك الحضور وانعدامها في حال الغياب.
يقول "تنبسمين كامرأة وتضحكين كطفلة تقبلين كطيف وتذهبين كالحقيقة تتحدثين كجدول وتعانقين كعاصفة تندفعين كمهرة وتهدأين كذكرى." وفي "لولا" وهي قصيدة صغيرة جدا من سطرين يعبر ببلاغة تصدر عن اعماق نفسه متحدثا عن نعمة حضورها في حياته فيقول "لولا ربيعك لكان خريفي أقسى." (رويترز)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف