جبران يتألّق بين نجوم مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وكانت نجمة العرض تللك الليلة، المتألّقة دائماً المطربة أصالة نصري، صديقة نيكولا جبران الصدوقة، التي حضرت بكامل أناقتها التي وقّعها نيكولا، فشدّت أنظار الحاضرين جميعاً بفستانها الذي ميّزه الطابع العربيّ، وكانت المفاجأة التي حضّرها لها نيكولا بأن أهداها مجموعته الجديدة تقديراً لصداقتها وإعتزازاً بها، فإستدعيت إلى المسرح الجميل الذي نال إعجاب الحاضرين، وألقت كلمة عبّرت فيها عن مفاجأتها، وتمنّت كلّ الخير والنجاح لصديقها نيكولا جبران، وبعد إنتهاء العرض الرائع فوجئ نيكولا بأصدقائه وعلى رأسهم أصالة بقالب كبير من الحلوى أمامه في الكوكتيل الذي تلا العرض إحتفالاً بعيد ميلاده الذي صادف في ليلة العرض نفسه، فغنّت له أصالة وكلّ الأصدقاء : سنة حلوة يا جميل.
ومن أمّ الدنيا، ومن عاصمتها العربيّة الهويّة القاهرة.. من على ضفاف النيل، وتحديداً من قاعة "بلازا بولروم" في فندق "الفورسينز ـ نايل بلازا" الراقي يدهش ساحر القماش واللون نيكولا جبران العالم بأكمله بتصاميم رائعة من قلب عالمنا العربيّ، تسلب الألباب، وتسحر العيون بجمال الأزياء التي تحمل أروع الرموز التي تمثّل الحضارة والثقافة والهويّة التي ينتمي إليها المصمّم نيكولا جبران: حضارة العرب.
ومن عصر الجاهلية، حتّى عصرنا التكنولوجي المتطوّر لا يمكن ذكر الثقافة العربية وتاريخها، من دون أن يكون للشعر الحيّز الأبرز في رسم ملامح وأحداث تلك الحقبات الزمنية المتتالية، فلكلّ حقبة عربية شعراؤها الذين يروون بشعرهم أحداث هامّة، أو وقائع عظيمة، ويصفون بأبياتهم الشعرية البليغة مجتمعهم، وبلادهم، وطبيعتهم أكانت صحراء ساحرة، أو جبال خضراء، أو حدائق أندلسيّة غنّاء... وكالشاعر المرهف الأحاسيس يتنقّل المصمّم نيكولا جبران على بساطه الشعريّ المسحور ليحلّق ويحطّ ويحلّق من جديد في بلاد لغة الضاد، مبدعاً في مغامرته الشيّقة فستاناً بعد آخر كشاعر رحّالة ينظم قصيدة تلو الأخرى في وصف مكامن الجمال والإبداع في كلّ المحطّات التي مرّ بها، فإذا بكلّ فستان في هذه المجموعة يشكّل قصيدة عربيّة منظومة بعناية في وصف الملهمة الأزليّة: المرأة، ومن هنا كانت الفكرة في إطلاق إسم "قصائد عربيّة" على هذه المجموعة.
تضمّن هذا العرض مجموعتين: الأولى قدّم فيها المصمّم فساتين رائعة مستوحاة من الأزياء العربيّة والشرقيّة الأصيلة بأفكارها، ورموزها، وتطريزاتها، وزينتها، وأكسسواراتها.
أمّا الثانية فتترجم رؤية نيكولا جبران العصريّة، والمستقبليّة للأزياء العربيّة، ويميّز تلك التصاميم عامل البساطة حيث إستعملت فيها قماشة واحدة هي الساتان الحريري، وميّزها أسلوب نيكولا جبران: أي الغرابة في التفريغ والتصميم.
تنوّعت التصاميم، بين فساتين السهرة، والفساتين التي تقترب في تصميمها من العباءة العربيّة، وأيضاً فساتين الزفاف.
وتتطلّب العرض بحثاً عميقاً في كتب التاريخ، والتراث، والأزياء، والعمران، والهندسة العربيّة ليحيط المصمّم قدر الإمكان برموز الحضارة العربيّة ليعكسها من خلال تصاميمه الجديدة، فطوّع الأشكال الهندسيّة، والنقوش الحجريّة، والزخرفات الرائعة، والفسيفساء المدهشة التي تزيّن جدران القصور والآثار، وتطبع الهندسة المعمارية العربيّة ليستخدمها على شكل تطريزات بديعة تزيد الفساتين تألّقاً وبريقاً، وإستعمل نيكولا جبران الشكّ والبرق بشكلٍ ملحوظ في هذا العرض بعدما إبتعد عنه في العروض السابقة، علماً أنّه إستعمل البرق والقطع المعدنية الكامدة لتمنح الفساتين الطابع المعتّق، مقدّماً إيّاها في قالب عصريّ يماشي الموضة.
ومن زينة النساء العربيّات إستوحى نيكولا جبران تطريزات بعض الفساتين من نقشات الحنّاء وطوّعها لتزيين التصاميم المدهشة، وكذلك إبتكر جبران فستاناً بديعاً صمّم بأكمله من الحبال الذهبيّة، وأدخل المصمّم تلك الحبال التي تعكس الطابع الشرقي، وإلى جانبها السلاسل الذهبية في رسم العديد من النقشات، والتطريزات التي جعلت التصاميم تتوّهج فرحاً وإشعاعاً.
أمّا الأقمشة فتنوّعت بين المخمل، والزيبيرلين، والتول، والجرسيه، والساتان، وللمرّة الأولى في عروض نيكولا جبران يحتلّ الدانتيل مساحة واسعة في هذه المجموعة، علماً أنّ جبران كان يبتعد قدر الإمكان عن هذا القماش في عروضه السابقة، ويفسّر نيكولا ذلك بأنّ الدانتيل قماش جميل بطبيعته، ولا يمكن لأيّ ناظر إليه إلاّ وأن يبهر بسحر هذه القماشة، ولذلك يتجنّبه نيكولا لأنّه يفضّل القماش الذي يحثّه على التفنّن في إبتكار تصاميم جميلة ولافتة.
وكان اللون الذهبيّ موجوداً بقوّة في هذه المجموعة، وهو ما إستوحاه المصمّم من لون أشعّة الشمس الذهبيّة المنعكسة على رمال الصحراء، وذلك إضافةً إلى الألوان الترابية الدافئة المرتبطة إرتباطاً وثيقاً بتراث العرب وتقاليدهم.
وكما في كلّ العروض التي قدّمها يحتلّ الأكسسوار مكانةً بارزة ورئيسيّة في هذا العرض، وهو ما يمنح بعض التصاميم جمالها ورونقها الخاصّ، فقد إستعمل جبران الحليّ العربيّة الشرقيّة الثمينة، المصنوعة بغالبيتها من الفضّة، والمزخرفة بالأحجار الكريمة، كالفيروز،
أمّا حقائب اليد فتميّزت بمسكاتها المنقوشة والمزخرفة بأشكال مستوحاة من أشكال الهندسة المعمارية العربيّة الرائعة.
وجاءت فساتين الزفاف قمّة في التألّق والروعة، وإستعمل فيها قماش الدانتيل، وطرّزت بحرفيّة عالية بالمعادن المعتّقة التي تعكس الطابع العربيّ، وجاء أحد الفساتين مميّزاً بتصميمه ونقوشاته، إذ يقترب من الأزياء الأندلسيّة والمغربيّة.
نيكولا جبران تفوّق على نفسه في هذا العرض الواضح جماله للعيان، ولكنّه صعب التحديد برغم وضوحه، ممّا يجعل الناظر إليه في موقف الحيرة أمام جمال يطغى عليه الإحساس به، ولا يستطيع أن يجسّده، ويصوّره بالألفاظ، وهو يدلّ أيضاً على الصراع الأبديّ بين الروح والمادّة، وبين الإحساس والإدراك، تماماً كالإنسان الذي يقف أمام جمال يعتريه بإحدى الحالات النفسية، فيحاول أن ينقل ذلك الشعور أو تلك الحالة بالكلمات واللفظ، ولكنّه يظلّ في حسرة من ذلك إذ يرى أنّ ما عبّرت عنه الكلمات ليس سوى جزء قليل وعنوان ناقص لتلك التجربة الفيّاضة العميقة.
وإمرأة نيكولا جبران في عرض "قصائد عربيّة" إمرأة ساحرة بملامحها العربيّة، مدهشة بشعرها الأسود الحريري، قاتلة بمقلتيها المكحّلتين، إكتست بذهب الصحراء، وخضرة الحقول، وألوان الزهور، وبدت كأنّها فتاة لبست ثياب العرس الزاهية، وتعطّرت وخرجت تختال عارضةً أزياءها الموشّاة المطرّزة التي إشتركت في نسجها السواري والغوادي من سحب المساء والصباح فكانت لبقة في حوكها.
التصوير بعدسة سيد عبد ربه
saidhariri@elaph.com
لقطات مع الحضور