رعاة قصيدة النثر الأمريكية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد أن قدمنا نموذجا وتنظيرا قصيدة النثر الفرنسية،نشرع بنشر ملف موسع عن قصيدة النثر الأمريكية لأن أهميتها اليوم تضاهي أهميتها الفرنسية... ناهيك أن عددا من الانطولوجيات المخصصة لقصيدة النثر صدرت خلال السنوات الأخيرة في أمريكا، وأهمها التي ظهرت عام 2003، تحت عنوان "أعظم قصائد النثر الأمريكية من ادغار الن بو وحتى يومنا الحاضر"، أشرف على اعدادها الشاعر المعروف دافيد ليهمان.. وسننشر خلال أيام ترجمة لمعظم ما جاء في مقدمته. وفضلنا قبل فتح هذا الملف بنماذج موسعة لكل شاعر وحوارات مع أهم شعراء قصيدة النثر الأمريكية، وبعض التنظيرات التي وضعوها، أن نقدم للقارئ العربي
أولا: مدخلا سريعا لتطور قصيدة النثر العالمية بعد ظهورها في فرنسا،
وثانيا: ترجمة لثلاث قصائد نثر حول مفهوم قصيدة النثر كتبها شعراء أمريكيون، كمدخل شعري يعطي النبرة التي تتميز بها قصيدة النثر الأمريكية عن قصيدة النثر الفرنسية مثلا.
عرض سريع لقصيدة النثر العالمية
يعتبر الروائي الروسي العظيم إيفان تورغينييف أول كاتب غير فرنسي، كان قلّد قصائد بودلير النثرية. إذ بعد أن فشلت روايته الأخيرة "أراض عذراء" سنة 1877 قرر أن يكف عن الكتابة ويخصص معظم وقته للترجمة. غير أنه كان يكتب، في السر، قصائد نثرية تتشابه وقصائد بودلير التي لابد أن يكون قد أطّلع عليها. قصائد لمتعته الخاصة به يرفض نشرها، غير أنه كان يفتخر بقراءتها أمام الناس في جمعية الفنانين الروس في باريس ليلة رأس السنة الروسية 1883. المقلّد الثاني لهذا الجنس الأدبي الفرنسي هو أوسكار وايلد الذي كتب عدداً من قصائد نثرية وقد كتب ذات مرة بأن "تغريدة البلبل هي قصيدة موزونة، لكن أغنية البجع هي قصيدة نثر". وعلى الرغم من أن أول أنطولوجيا لقصيدة النثر الفرنسية صدرت بالانكليزية في أوائل 1890، قام بها الشاعر الأميركي الأصل والفرنسي اللسان ستوارت ميريل، فإن محاولات بداية القرن العشرين في بريطانيا لكتابة قصائد نثر مع ريشارد الينغتون أُجهضَت لأن ت. س. اليوت - على رغم أنه كتب أربع قصائد نثر، ونشر واحدة منها "هستيريا" في "الأنطولوجيا الكاثوليكية" التي أشرف عليها باوند - وقف ضدها بضراوة، بل مقالته الأولى "حدود النثر" التي كتبها سنة 1917 كانت أول مقالة تكتب ضد قصيدة النثر. لعل تأثير اليوت على الشعر الأنكليزي سبب رئيسي في تأخر هذا الشعر مقارنة مع الشعر الأميركي الحامل راية التجديد نموذجاً وتنظيراً.
إلا أن الانتشار العالمي الحقيقي لقصيدة النثر تم بعد الحرب العالمية الثانية في لغات عدة منها البولندية، العربية، اليوغسلافية، أما العالم "الهيسباني" فقد عرف قصيدة النثر منذ ثمانينات القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين، مع الشاعر الكوبي خوليان ديل كاسال الذي نشر ترجمة أسبانية لعدد من قصائد بودلير النثرية ما بين 1888 و 1890 في مجلة "كوبا الأنيقة". إلا أن الشاعر التشيلي روبين داريو يعتبر أول من قام بمحاولات واعية وجدية في كتابة قصائد تكشف عن تأثير قوي ومباشر لبودلير، خصوصاً في مجموعته الأولى "أزرق" (1890) وفي "نثر دنيوي" (1896). كما أن حركة المودرنيست التي شهدتها دول أميركا اللاتينية أواخر القرن التاسع عشر، أشاعت وتبنت كتابة قصيدة النثر ونشرها إلى جانب الشعر الموزون. سيلعب الشاعر الأسباني خوان رامون خيمينيث فيما بعد دوراً طليعياً في التأثر على شعراء بلده وشعراء أميركا اللاتينية خصوصاً عبر كتابه "يوميات شاعر تزوّج لتوّه" (1917) الذي ضم عدة قصائد نثر أصيلة. غير أن فنثنت هويدوبرو سيحرر قصيدة النثر الهيسبانية من رمزية داريو والمودرنزم اللاتيني ليضعها في قلب التكعيبية - الدادائية وفي الحركة التي أسسها "الابداعية" وفيما بعد في مجرى الأشكال السوريالية التي أنتشرت في كل بلدان أميركا اللاتينية في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين. وها هي قصيدة النثر تحقق انتصارات شعرية فذة بفضل بابلو نيرودا، سيزار فييخو، اوكتافيو باث، خورخي لويس بورخِس، خوليو كورتزار والخ...
في الولايات المتحدة، دخلت قصيدة النثر تحت التأثير السوريالي بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصاً بعد تأسيس دار النشر الطليعية "اتجاهات جديدة" New Directions التي لعبت دوراً كبيراً في نشر ترجمات أميركية كاملة للأعمال الشعرية النثرية لبودلير، رامبو، لوتريامون، شار، ميشو، والكتابات الأوروبية الطليعية، بل خصصت العدد الرابع عشر من دوريتها السنوية (1953) لموضوع قصيدة النثر عالمياً. وفي مطلع الستينات تبنى عدد من الشعراء الذين سيصبحون من كبار الشعر الأميركي اليوم، قصيدة النثر: جون أشبري، ألن تيت، كارل أشبيرو، روبرت دنكان، دنيس لفيرتوف، و. س. ميروين، ادوارد روديتي، وبالأخص مايكل بنيدكت، روبرت بلاي، رسل ايدسن وجارلس سيميك. وقد أسس معظم هؤلاء مجلات صغيرة لإشاعة قصيدة النثر التي أصبح لها اليوم مركز جد كبير في الأوساط الشعرية والأكاديمية بحيث أن جائزة البوليتزر المتحفظة تعطى للمرة الأولى لقصائد نثر الشاعر اليوغسلافي الأصل جارلس سيميك في أواخر الثمانينات. ليست مبالغة القول إن بروز قصيدة النثر في مقدمة الشعر الأميركي اليوم، دفع عدة فرنسيين إلى إعادة النظر في مفهوم قصيدة النثر الفرنسية حد أن ثلاثة كتب نقدية جامعية صدرت خلال السنوات الأخيرة في تحاليل نقدية جديدة تتعارض وطروحات سوزان برنار، إذ كتابها، الغارق بدراسات إيقاعية حد تشويه حقيقة قصيدة النثر، كان له أهمية واحدة في فرنسا هي تذكير الجامعة بقصيدة النثر كجنس أدبي يجب أن يُدرس. لقد كتب الشاعر الأميركي بروك هورفث مقالة وضح فيها بعض الأسباب الوجيهة التي دعت شعراء من خارج اللغة الفرنسية إلى أخذ قصيدة النثر: "إنّ النثر (إيقاعاته، استعماله لفضاء الصفحة الخ) يقدّم إمكانات ينبغي للشعر أن يمتلكها إذا كان له أن يحتفظ بمكانته كاستخدام للغة يستغلّ أقصى إمكاناتها. كما أن قصيدة النثر تقدّم نفسها كشكل حر نسبياً من التقاليد والعادات السائدة، مُثريةً بهذا حرية الإبداع والتحرر من الجدية والقيود المقبولة والوعي الذاتي بأدب مُنتَج. وكأداة اكتشاف جمالي وغيره، قد تكون فعّالة في تقصّي الشعر عن طريق "نَحوٍ" مختلف عما هو عليه في كتابة الشعر المنظوم. إنّ قصيدة النثر تتيح لنا أن نتخلّص من الفخ الإيديولوجي المرتبط بشعر التفعيلة. كما أنها تتيح للشعريّ أن ينتعش وسط نثر موجود." (فراديس العدد 6/7).
وتجدر الإشارة هنا إلى أني خصصت عدداً من "فراديس" للمرة الأولى بالعربية عن قصيدة النثر بالمعنى الأوروبي للكلمة. وهو العدد 6/7 (1993) حيث مختارات من قصيدة النثر الفرنسية ومن قصيدة النثر العالمية ومن قصيدة النثر العربية القريبة على الأقل شكلاً من النموذج الأوروبي، زودتها بشروح وتقديمات وملاحظات نقدية لإفهام القارئ.
هل يوجد حقاً تأثير فرنسي واع على شعراء قصيدة النثر العالمية؟ سؤال يحتاج إلى بحث عميق، بل إلى دراسة ميدانية داخل تاريخ نثر كل لغة وشعرها حتى يمكننا البت بجواب شاف. يعرف الجميع أن للترجمة دور مهم في تزويد الشاعر بإمكانيات تعبيرية جديدة، لكن هناك أيضاً تاريخ شعر ونثر (وطبيعة الصراع بينهما) اللغة المنقول إليها هذا الجنس الجديد. جميع اللغات كانت تعاني من وطأة الوزن، وكانت الترجمة هي التي توقظ هذه اللغات من سباتها العميق في سرير النظم، لتطلقها في نشوة التمرد على القيود. من هنا يمكن لنا القول إن التأثير الفرنسي، بالأخص السوريالي منه، واضح إلى حد ما في كل بلد أنتج شعراؤه قصائد نثر أصيلة ومميزة، كأوربا الشرقية، اليونان، السويد، البرتغال. فقط اللغة الألمانية كانت مكتفية بتراثها النثري الرومانتيكي. وهنا يمكن لنا العثور على قطع نثرية لدى النمساوي بيتر التنبرغ مثلاً، أو على أمثولات كما لدى فرانز كافكا، يمكن اعتبارها قصائد نثر. أما عندنا، فإن قصيدة النثر العربية، المشطّرة، كلّها مدينةٌ إلى مجلة يوسف الخال "شعر" التي نشرت ترجمات للتراث السوريالي وللطليعة الشعرية الفرنسية.
ثلاث شعراء أمريكيين يعرّفون قصيدة النثر
لويس جنكينز: قصيدة النثر
طبعا، أن قصيدة النثر ليست قصيدة حقيقية. ويعود احد الاختلافات الأساسية بينهما إلى أن الشاعر لايقطّع القصيدة إلى أبيات، إما لأنه جد كسول أو جد مغفّل. على أن كل كتابة، حتى قصيدة النثر، تتطلب مقدارا معينا من المهارة، مثلما يتطلب رمي رزمةِ أوراقٍ في سلة مهملات عن بعد عشرين قدم، مهارةً معينة، مهارةً قد تحسّن تناسق العين واليد، لكنها لا تؤدي بالضرورة إلى القدرة على لعب كرة السلة. مع هذا، تحتاج الى ممارسة وتعطي المرء إحساسا بقضاء الوقت، رمي ورقةٍ اثر ورقة في السلة، بينما يطنطن المعلم عن شعر وليام تنيسون.
رسُـل ايدسن: قصيدة النثر كحيوان جميل
كان يكتب قصيدة نثر، وقد نجح في تزويج زرافة مع فيل. جاء العلماء من كل أنحاء الأرض لرؤية المنتوج. الجسد كان يشبه جسد الفيل لكن له عنق زرافة ورأس فيل صغير وخرطوم صغير يتلوى مثل مغفّل مبلل.
إنك اخترعت حيوانا جديدا وجميلا، قال أحد العلماء.
أتحبه حقا؟
أحبه؟ صرخ العالِم، إني أعبده، وأود أن أضاجعه لعلي أبتدع حيوانا جميلا آخر...
توم والين: لماذا اكره قصيدة النثر
دخل رجل غاضب المطبخ حيث زوجته كانت منهمكة في إعداد العشاء، وانفجر.
كانت أمي تروي لي، كلَّ يوم من حياتها، هذه القصة، حتى اليوم الذي انفجرت فيه.
لكنها كانت دائما تنبّه إلى أن هذه ليست قصة. إنّها قصيدة نثر.
رأيتُ ذات يومٍ رجلا يُطعم كلبًا سندويتشه مقانق. بدت السندويتشه وكأنّها إصبع ديناميت.
كثيرا ما يجعلني مرأى قصيدة نثر أتقيأ.
لستُ متزوجًا وأعيشُ في بيتٍ صغير.
في وقتِ الفراغ احرث حديقةً ليلية.