رسل ايدسن: لا كمال لقصائدالنثر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رعاة قصيدة النثر الأمريكية (2)
15 قصيدة نثر لرسل ايدسن (1935)
رسُل ايدسن أو كما يسمي نفسه "السيد قصيدة النثر الصغير"، يعتبر سيد قصيدة النثر الأمريكية بلا منازع... فمنذ أن باشر بكتابة الشعر وحتى اليوم لم يحد عنها. وإذا أراد ناقد ما أن يتتبع نمو رسل الشعري لما وجد اختلافات كبيرة بين أعماله الأولى والأخيرة، كما لو أن الشاعر قد أنجز مبكرا النضج اللازم على صعيد الرؤيا والتقنية.
الكتاب الفارغ الصفحات
كانت صفحات الكتاب فارغة، سقطت منه كل الكلمات.
قال زوجها: الكتاب صفحاته فارغة.
قالت زوجته: شيء غريب حدث لي في الطريق إلى هذه اللحظة الراهنة، كنت انفض عن الكتاب الأغلاط المطبعية، وإذا بكل الكلمات تسقط مع الفواصل والحركات.. لعل الكتاب كان كله غلطة مطبعية.
وماذا فعلت بالكلمات، قال زوجها؟
قالت: وضعتها في طرد وأرسلته إلى عنوان خيالي.
قال: لكن ليس من أحد يعيش هناك. ألا تعرفين أنه بالكاد يعيش أحد في عنوان خيالي. بل حتى بالكاد ثمة واقع لتزويد عنوان بريدي.
قالت: لذلك أرسلتُها إلى هناك فالكلمات مختلط بعضها ببعض تتكتل فجأة إلى إشاعات وأقاويل خبيثة.
قال: لكن الا تمثل أيضا تلك الصفحات الفارغة مدعاة خطرة للإشاعات والأقوال الخبيثة. من يدري ماذا يكتب المرء في غيبوبة ذهنه.. بل من يعلم ما قد تسببه الصدفة بمدعاة خطرة كهذه.
قالت: ربما علينا أن نرسل أنفسنا نحن إلى عنوان خيالي ما.
قال: هل لأن الكلمات تستمر في السقوط من أفواهنا، كلمات يمكنها بسهولة بث الإشاعة والأقاويل الخبيثة.
قالت:بل لأننانستمر في السقوطمن أنفسنا كظلال منفصلة، نرتج كما لو أننا نريد إخراج كل الأغلاط المطبعية من حياتنا.
المهم، على الأقل، ان هذا لا يؤذي الواقعَ، في الحقيقية انه يعطي الواقع راحة يستحقها فعلا.
الجسر
إبان أسفاره يصل جسراً مبنياً من العِظام. قبل أن يعبره، يكتب رسالة إلى أمّه : أمّي العزيزة، احزري ماذا حصل؟ عض القردُ عَرَضاً إحدى يديه وهو يأكل موزة. أنا الآن أسفل جسر عظمي. سأعبره قريباً. لا أعرف إنْ سأجدَ على الجانب الآخر جبالاً وأودية مصنوعة من اللّحم، أو مجرد ليل مستمر، قرى النّوم. يوبّخني القرد لعدم تعليمه بشكل أفضل. أسمح له أن يلبس قُلَنسوتي لتطييب خاطره. يبدو الجسر وكأنه أحد تلك التركيبات الهيكليّة لديناصور ضخم كهذا الذي نراه في متحف. ينظر القرد إلى بقيّة معصمه و يوبّخني ثانيةً. أعرضُ عليه موزة أخرى فيغضب بحدّة، كما لو أنني أهنته. غداً نعبر الجسر. سوف أكتب لك من الجانب الأخر إذا استطعت، وإن لمْ، فابحثي عن علامة...
المخ
كان السيد مخ قزما ناسكاً ويحبّ أن يأكل حيوانات صَدَفيّة بعيداً عن القمر. أحب إذن أن يدلف في شجرة ليرى أبعد قليلا من ارتفاع صغير يكشف عن حجرة، حصاة... إنها غصن، فما من شيء تحت القمر يمكنك التأكد منه.
لذا فتح السيد مخ فمه وترك شعاعا من أشعة القمر يدخل رأسه.
السيّارة
رجلٌ تزوّج لتوّه سيّارة.
أقصد أنّ السيّارة، يقول الأب، ليست شخصاً، لأنّها شيء آخر.
قارنها بأمك، مثلاً. ألا ترى كيف أنّها مختلفة عن أمك؟ فهي تبدو عريضة بشكل ما، أليس كذلك؟ فضلاً عن أن أمك ترتدي بشكل مختلف.
عليك أن تجد شيئاً يشبه أمّك.
عندي أم، أليس كافياً هذا الشبيه بالأم؟ أعليّ أن أجمع أمّهات أكثر؟
كلّهن عجائز لا يثرن أيّة رغبة في الإنجاب، قال الابن.
لكن لا تستطيع الإنجاب مع سيّارة، قال الأب.
يُري الابنُ أباه مفتاح الإشعال. أنظر، هاهنا عضو خاص يفعل بالسيّارة مثلما بالمرأة؛ فتنجب مكاناً بعيداً عن المكان، تاركةً جروها أميالاً وهي تمضي.
أيجعلني هذا جَدّاً، قال الأب.
يجعلك هذا حيث أنت عندما أتناكب أنا بعيداً، قال الابن.
الافطار المجروح
حذاء ضخم يتنامى من الأفق، صارخاً متقدماً ببطء على عجلات صّغيرة، وفي اللحظة تماماً رجلٌ جالساً ليتناول إفطاره استغرقه فجأة ظلّ جسيم، حجمه حجم الليل تقريباً...
يتطلع فيرى حذاء كبيراً يطلع من الأرض بثقل وضخامة.
في الكعب المفكوك الرباط تقف عجوز عند ذراع الدفّة ما وراء لسان ضخم مُتلوّ إلى الأمام؛ القيطان السميك ينمطُّ على الأرض مثل حبل السفينة، بينما الشيء الضخم يصرخ ويتقدم ببطء؛ الأطفال في كلّ مكان، ينظرون من فتحات رباط الحذاء، متجمعين حول المرأة العجوز، و هي تطير بهذا الحذاء الضخم فوق الأرض...
وحالما يهبط الحذاء الضخم الأفقَ المقابل، كانت قوقعة جد ضخمة تصرخ و تنسحق في الأرض...
يعود الرجل إلى إفطاره، لكنه يراهُ قد جُرِحَ، صفار إحدى بيضه ينزف...
موت ذبابة
كان فيما مضى رجل تنكّر كذبابة، وذهب حول الجوار واضعا ونيمة.
حسنا، عليه أن يفعل شيئا ما، أليس كذلك؟ قال شخص ما لشخص ما.
طبعا، قال شخص آخر لشخص.
لمَ كل هذا الانهماك؟ يرد شخص على آخر.
أيّ انهماك؟ أنا فقط أقول إن لم يترك حائط البناية، ستضطر الشرطة إلى إطلاق النار عليه.
أهّا، طبعا، ليس ثمة شيء يشغل البال إلى هذا الحد كموت ذبابة.
أعشق الذباب الميت، الطريقة التي يذكرونني بها بأفراد لاقوا حتفهم...
أنت
من لا شيء، يظهر زمن أسمه طفولة، وما هو سوى طريق يفضي إلى مجاز قنطرة اسمها مراهقة. هناك مدينة صغيرة، بعد القنطرة أسمها شباب.
بعد قليل، أسفل الشارع، حيث غالبا ما يضيّع المرء الحياة المعاشة ما وراء الزهرة، يوجد كوخ سُمّي أنتَ..
وها هنا يعيش المستقبل في شتى أوضاع الذراع على عتبة النافذة، الخد متكئا، المرفق على الركبة، الوجه في اليدين، وأحيانا الرأس إلى الخلف، والعيون شاخصة في السقف... وما هذا سوى عدمٍ في مسار نهار طويل.
قصيدة النثر كحيوان جميل
كان يكتب قصيدة نثر، وقد نجح في تزويج زرافة مع فيل. جاء العلماء من كل أنحاء الأرض لرؤية المنتوج. الجسد كان يشبه جسد الفيل لكن له عنق زرافة ورأس فيل صغير وخرطوم صغير يتلوى مثل مغفّل مبلل.
إنك اخترعت حيوانا جديدا وجميلا، قال أحد العلماء.
أتحبه حقا؟
أحبه؟ صرخ العالِم، إني أعبده، وأود أن أضاجعه لعلي أبتدع حيوانا جميلا آخر....
دمى السّادة البعيدين
يحلم عازف بيانو أن شركة التحطيم أجّرته لإتلاف آلة بيانو بأصابعه...
وفي يوم حفل إتلاف البيانو، وبينما هو يرتدي ملابسه، يلاحظ فراشة تضايق زهرة في آنية الزرع خارج نافذته. يتساءل ما إذا يجب استدعاء البوليس. لكن ينته الاعتقاد به إلى أن الفراشة مجرد دمية يحركها سيدها من النافذة الأعلى.
فجأة كل شيء جميل. فيأخذ بالبكاء.
أخذت فراشةٌ أخرى تضايق الفراشة الأولى. يتساءل ثانية ما إذا يجب استدعاء البوليس.
لكنّ، لعلّهما فراشات- دمى؟ فيعتقد أنهما ينتميان لسيدين متنافسين يريدان رؤية أية فراشة تضايق الأخرى أكثر.
ويحدث هذا في آنية الزرع خارج نافذته. الخطّة الكونيّة هي: هنالك سّادة بعيدون يحرّكون سادةً أصغر الذين هم بدورهم يحركون الفراش السادة الصغار الذين هم بدورهم يحركونه... يا له من كون مشبوك بالخيوط! وفجأة كل شيء يبدو جميلاً؛ الضوء غريب... يوجد خلل في الضوء! فيأخذ بالبكاء.
أبو الضفادع
ولّد رجلٌ ضفدعاً من إبط زوجته. مسكه من ساقيه وضربه.
هل تحبّه؟ قالت زوجته.
إنّه طفلنا، أليس كذلك؟
أيعني هذا أنك لا يمكن أن تحبّه؟
من الصعب أن أحبّ ضفدعاً، لكنّ عندما يسفر الأمر عن كونه ابناً لك، فإن الاشمئزاز يصبح تحفّظاً قاسياً.
هل تعني أنك لا توّد أن تسميه جورج الابن؟
لكننا سبق أن سميّنا الضفدع الآخر بهذا الاسم.
حسناً، ربما يمكن لنا نسمّي الآخر بجورج الأب.
لكننيّ أنا جورج الأب.
طيّب، يمكنكَ أن تختبئ في العُلّية، فلا أحد يناديك بأي اسم. وعندها يكون من السهل تسمية كلاهما جورج.
نعم، إنْ لم يتكلم معي أحدٌ، فما جدوى أن يكونَ لي اسم؟
أبداً، لن يكلمك أحد طوال بقية حياتك. وعندما ندفنك سنكتب على شاهدة قبرك أبو الضفادع.
الأب الجديد
ترتدي شابة ملابس أبيها وتقول لأمها، أنا زوجك الجديد.
انتظري حتى يأتي أبوك، تعنّفها أمها.
هو الآن في البيت، تجيب الشابة.
رجاء لا تفعلي هذا بأبيك، فهو قضى حياته مضنيا نفسه بالعمل، تقول الأم.
أعرف، تقول الشابة، انه في حاجة الى الراحة.
حينما يصل الأب البيت، كان مرتديا ملابس ابنته. وما أن يدخل، حتى ينادي، هلو ماما، هلو بابا، انا في البيت.
تاكسي
ذات ليلة في الظلام اتصل تلفونيا من أجل سيارة أجرة. ومباشرة يهد تاكسي الجدار داخلا، لا عليكَ، أن هذه غرفتي في الطابق الثالث، أو أن السائق الأصفر فعلا سرب من طيور الكناري، مهيأ على شكل سائق الذي يتطاير من كل اتجاه، يتدفق من نوافذ التاكسي كنافورات صفراء...
مُدركا أنني وسط شيء باهر، اصل إلى التلفون لألغي التاكسي: يطير الكناري كله عائدا إلى التاكسي يتجمعون سربا على هيئة رجل. التاكسي يخرج من الحائط والحائط يتعدّل.
لكنني لا أستطيع إيقاف ما يحدث، أنا الآن وصلت التلفون لأطلب تاكسي الذي هو الآن يهدّ الحائط دخولا مع سائقه الأصفر الذي طفق يتطاير من كل اتجاه.
محو أميلو
يمحو أبٌ ابنتَهُ بممحاة كبيرة. وعندما ينتهي، لطخة حمراء فقط على الحائط.
تقول زوجته، أين أميلو؟
إنها غلطة، لقد محوتها.
وما الذي حل بكلّ أشيائها الجميلة؟ تسأله زوجته.
سأمحوها أيضًا.
كلَّ ملابسها الجميلة؟...
سأمحو صومعتها، خزانتها- كفى كلاماً عن أميلو! ضعي رأسك هنا وسأمحو أميلو منه...
يفرك الزوج ممحاته على جبين زوجته، وعندما يأخذها النسيان تقول: أتساءل ما الذي حدث لأميلو؟...
لم أسمع عنها أبداً، يجيبها زوجها.
وأنتَ، تقول زوجته، من أنتْ؟ إنك لست أميلو، أليس كذلك. لا أتذكّر أن تكون أنت أميلو. هل أنت أميلو، التي لم أعد أتذكرها؟...
كانت أميلو فتاة. هل أبدو كفتاة؟...
لا أعرف، لم أعد أعرف أي شيء كيف كان يبدو...
النّوم
كان هناك رجل لا يعرف كيف ينام، يُهوّم كل ليلة في شرشف، نوماً غير رسمي. النّوم الذي كان يضيق به ذرعاً.
حاول قراءة دليل النوم، لكن لم يفعل هذا الدليل سوى نوّمه فقط، ذلك النّوم القديم الذي كان يضيق به ذرعاً. كان في حاجة إلى أستاذ في النوم يدرّبُ، بكرباج وكرسيّ، الليلَ ويجعله يقفز عبر الأطواق النارية. شخص قادر على جعل نمر يجلس على قاعدة صغيرة ويتثاءب...
سائس السفينة
فوق، في نافذة وسخة في غرفة ظلماء، ثمة نجمة يمكن لرجل مسن أن يراها. ينظر إليها. يستطيع رؤيتها. انها نجمة الغرفة؛ إنها بُرشة كهربائية سقطت من رأسه والتصقت بوسخ النافذة.
يظن انه يستطيع السير بواسطة تلك النجمة. يظن انه يستطيع استخدام مسند الكرسي كدفّة سفينةٍ ليقود هذه الغرفة عبر الليل.
يقول لنفسه، أخائفٌ أنت، أيها القبطان الشجاع؟
نعم أنا خائفٌ، أنا لست شجاعًا.
كن شجاعًا، أيها القبطان
وها هو يشق بغرفته طوال الليل عباب الظلام.