المدينة المنورة... تجارة قديمة وعلم حديث
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المدينة المنورة
اشتهرت المدينة المنورة قديماً بأهميتها التجارية في الجزيرة العربية، فهي مركز لطرق التجارة القديمة وطريق الحج والسكة الحديد، فالتجار عبر العصور كانوا يرتبطون بالشام واليمن تجارياً، وكانت المدينة المنورة (يثرب) قبل الإسلام أحد أهم المراكز التي تلتقي فيها طرق التجارة، نظراً لوفرة الموارد المائية وخصوبة الأرض في هذا الموضع، وتميزها بالحصانة الطبيعية التي جذبت أصحاب رؤوس الأموال والتجارة إليها في ذلك الوقت، ما ساعد على نموها وتطورها على هذا الطريق ووسع دائرة نفوذها واتصالها بالعالم الخارجي، حيث الطرق هي التي تصنع المدن، ونتيجة للأهمية الاستراتيجية التي استحوذ عليها هذا الطريق في عالم التجارة في عصور ما قبل الإسلام، أصبحت المدينة المنورة مركزاً اقتصادياً مهماً تتوافر فيه وسائل الراحة والأمان التي كان ينشدها تجار ذلك الزمان. وطرق التجارة القديمة إلى الشام كثيرة وكان منها الطريق الذي يمر بالعلا والحجر "مدائن صالح"، وطريق آخر يمر بمحاذاة الساحل يتجه إلى سيناء وغزة ومصر، كما تتصل المدينة المنورة قبل الإسلام وبعده بطريق تجاري يربطها بالعراق والخليج العربي، إضافة إلى الطريق الذي يربطها بمكة المكرمة عبر السهول الساحلية أو المناطق الجبلية والحرار، وهناك طريق يربطها باليمامة وعلى هذه الطرق نجد حتى اليوم آثاراً قديمة من كتابات ونقوش ورسوم صخرية ورسوم للبادية، إضافة إلى المنشآت القديمة من مبان ومدن أطلالها لا تزال مشاهدة.
وفي العصر الإسلامي تحولت أهمية موقعها من محطة تجارية على الطريق القديم إلى عاصمة سياسية ودينية لدولة مترامية الأطراف تمتد من بلاد فارس شرقاً حتى مصر غرباً، واستمر ذلك حتى نهاية العهد الراشدي، ثم أخذت بالانحسار والعزلة عندما أخذت المدينة المنورة تفقد وظائفها السياسية والعسكرية والاقتصادية نتيجة انتقال العاصمة منها إلى الكوفة أولاً ثم دمشق وبغداد ثانياً.
وعادت طيبة الطيبة تمارس وظيفتها القديمة "محطة تجارية" إلى جانب الوظيفة الدينية الأزلية، لكونها البقعة المقدسة التي تشد لها الرحال من المسلمين لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وتم تطوير الطرق القديمة وازدادت شهرتها كما ظهرت طرق جديدة أكثر تطوراً، مثل طريق الحج القادم من البصرة والطريق القادم من الكوفة الذي اشتهر باسم "درب زبيدة" نسبة إلى زبيدة بنت جعفر زوج الخليفة هارون الرشيد وآثار طرق الحج باقية ومشاهدة للعيان حتى وقتنا الحاضر. وتتمثل في الآبار والبرك والسدود والمحطات والأعلام والأميال، إضافة إلى آثار رصف الطرق وتمهيدها في المناطق الصحراوية والسهلية والحرار والجبال، وتنتشر على امتداد هذه الطرق الكتابات الإسلامية المنقورة على الصخور، إذ توضح أكبر دليل على نهضة المسلمين في هندسة الطرق وإقامة المنشآت عليها وبهذه الشبكة من الطرق ربطت المدينة المنورة جنوب الجزيرة العربية بشمالها وشرقها وغربها.
وأبرز تقرير رصدته وكالة الأنباء السعودية عن المدينة المنورة كمركز محوري للتجارة قديماً حيث كان أبرزها خط السكة الحديد - الحجاز - المدينة المنورة - الذي أنشئ تقريباً على درب الحج القديم نفسه وبدأ العمل فيه عام (1317هـ - 1899) وتم افتتاحه عام (1326هـ - 1908) وتوقف الخط في نهاية الحرب العالمية الأولى عام (1336هـ - 1918) ويوضح خط سكة حديد الحجاز محطات درب الحج ومحطات خط السكة الحديد من العصر الإسلامي والحديث، وذلك من أقصى الحدود الشمالية للمنطقة حتى المحطة النهائية للسكة الحديد بالمدينة المنورة. وتميز خط سكة حديد الحجاز بالمرور على بعض المواقع الأثرية، من أبرزها: موقع "البريكة" الذي يقع على درب الحج بوادي وصول شمال مدينة العلا بنحو100 كيلومتر، حيث يشمل الموقع على بركة قديمة هدم جزء منها، إضافة إلى جدار تحويل الماء للبركة وقلعة صغيرة هُدم جزء منها أيضاً، كما عثر على بعض قطع الفخار الإسلامي وكذلك محطة (الدار الحمراء) التي تقع بمحاذاة البريكة وتحتوي على مبنى استراحة السكة الحديد التي بنيت بالحجر في عام 1326هـ ويحيط به ثلاثة مبانٍ وبعض الجدران.
كما يوجد بعض المباني على مسافة 5 كيلومترات جنوب شرق المحطة، إضافة إلى محطات المطلع وأبو طاقة ومبرك الناقة ومدائن صالح والعذيب وقويع الترك والعلا الذي يحتوي على مدينة كبيرة قديمة محاطة بجدار شمال المدينة عبر الوادي ويوجد بها قنوات عدة تمتد إلى عكمة حيث عيون الماء، كما توجد قلعة وبها قبر موسى بن نصير فوق جبل مرتفع يتوسط البلدة القديمة (حي الديرة بالعلا) ومحطة (البدائع) وتقع جنوب شرق العلا بنحو 16 كيلومتراً، وتشتمل على أطلال مدينة إسلامية، وبها بعض البقايا المعمارية وتنتشر بها بعض قطع الفخار الإسلامي المبكر والتي ترجع إلى القرنين الثالث والرابع الهجري، إضافة إلى بعض القطع الإسلامية الفخارية والزجاجية المتأخرة، كما يقع بالجنوب الشرقي منها محطتا مشهد وسهل مطران.
العهد السعودي عصر النمو والازدهار
بدأت المدينة المنورة في العهد السعودي عصراً من النمو والازدهار والتطور، إلا أن هذا لا يمكن رده إلى تطور أهمية الموقع الجغرافي، بقدر ما يردُّ إلى التوظيفات المالية الضخمة لمشاريع تنمية المدينة، وذلك بسبب تطور إنتاج النفط الذي انعكست إيراداته المالية على خطط التنمية في جميع أنحاء المملكة.
ويُعنَى مجمع طيبة للتقنية والاقتصاد المعرفي (حديقة للتقنية) بتطوير التقنيات الحديثة مستمدة تميزها من موقعها في المدينة المنورة وتركز على تلبية الحاجات التقنية للعالم الإسلامي حيث يتكون المجمع من منظومة من المباني الذكية والخدمات المساندة التي تتكامل مع بقية الكليات والمعاهد التقنية في المشروع لتوفّر بيئة تقنية محفزة لعدد من الأنشطة، ومنها برامج تعليمية تفاعلية للتعريف بحضارة الإسلام، وإسهامات المسلمين، وإيجاد حلول إسلامية للتعامل مع مستجدات الأوضاع المعاصرة، مثل: الجامعة المفتوحة وفتاوى عبر الإنترنت ومنتجات مصرفية إسلامية، إضافة إلى برامج تثقيفية إذاعية وتلفزيونية موجهة إلى مختلف الأعمار وبلغات حية مختارة ودراسات متخصصة موجّهة للثقافات الأخرى بأسلوب خطابي متوافق مع تلك المجتمعات ومراكز تفكير استراتيجي تقوم بتطوير دراسات ورؤى مستقبلية لإحياء وتطوير الفكر والحضارة الإسلامية.
وتركز حديقة التقنية على عدد من المجالات الحكومة الإلكترونية وتقنيات المعرفة الرقمية وتقنيات التعليم عن بعد وتقنيات اللغة العربية وتقنيات السياحة الدينية (الحج والعمرة والزيارة).