خليج إيلاف

المرأة السعودية: أي تطور تريد؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مرام عبدالرحمن مكاوي

عرضتُ في مقال الأسبوع الفائت ترجمة للتحقيق الذي أعده الصحفي أندرو لي بترز عن أوضاع المرأة في السعودية والذي تصدّر غلاف مجلة التايم في طبعتها الأوروبية. والذي خلص إلى أن هناك تطورات إيجابية ملموسة فيما يتعلق بتحسين أوضاعها ولكنها تسير ببطء مراعاة لأحوال هذا البلد المحافظ الذي يقوم على الإسلام.
وكما ذكرت في خاتمة مقالي السابق، فإن مصدر إعجابي بالتحقيق، هو أنني أجده أكثر شمولية وواقعية حين أقارنه بتقارير إعلامية أخرى أجنبية (وعربية أحياناً) تقوم بتسطيح قضايا المرأة السعودية، وذلك تطور مرحب به في الإعلام الغربي الذي كثيراً ما قزم مشكلاتنا وحصرها في إجبار المرأة على لبس العباءة وحرمانها من قيادة السيارة، وتصوير الأمر وكأن المجتمع السعودي بمجمله يريد الحرية على الطريقة الغربية. في حين أن بترز اعترف بأنه ليس الكل بالضرورة يريد سلوك هذا الطريق، وقضية الاختلاط واحدة من الأمثلة على ذلك.
فمن قراءة واقعية للمجتمع فإن الكثير من النساء السعوديات لا يردن الاختلاط لا في العمل ولا في التعليم، لكن في المقابل هن لا يردن أن يستخدم الفصل ذريعة للتمييز والتهميش. فلأن جامعاتنا منفصلة فإن معامل كليات العلوم في أقسام الطالبات لا ترتقي تجهيزاتها إلى تجهيزات قسم البنين. ولأن أقسام السيدات في بعض البنوك ضيقة والتعامل فيها سيئ غالباً والمعاملات تأخذ وقتاً أطول، فالبعض منهن تختصر الطريق وتذهب إلى فرع الرجال. وبالتالي تكون المطالبة النسائية بالاختلاط هنا هي في الحقيقة مطالبة بالمساواة في المعاملة والحقوق.
والأمر الذي أستغربه من الإعلام الغربي هو تركيزه على قضية الاختلاط وكأنها بدعة سعودية! مع أن الفصل بين الجنسين في التعليم خاصة هو أمر له أنصاره حتى في المجتمعات الغربية. فصديقتي الإيرلندية (إيرين) والمنحدرة من عائلة كاثوليكية محافظة قد درست كل المراحل الدراسية قبل الجامعة في مدارس راهبات خاصة بالبنات. وزميلتي (كاثرين) الأمريكية من ولاية تكساس لم تقبل عائلتها البروتستانتية المحافظة أن تدرسهم ابنتهم حتى في المرحلة الجامعية إلا في كلية للبنات فقط. وحتى زميلتي اللبنانية المارونية درست في مدارس الراهبات في لبنان. فالكثير من الأهالي حول العالم لا يعتقدون بأنه من المناسب أن تتربى الفتاة مع صبي، ولا أن تختلط به بشكل مطلق وهي في سن صغيرة أو وهي مراهقة. وبالتالي لا داعي برأيي لاعتبار اختلاط الرجال بالنساء فتحاً يستحق الاحتفاء به إن كان مطلوباً لذاته.
وقد أعجبني تعليق الزميلة إيمان العقيل (من مجلة حياة) حول كون الاختلاط قد يشكل لبعض البنات قيداً لا مزيداً من الحرية. لأنها ستصبح تحت مراقبة الرجل طوال الوقت، وهو نفسه الرجل الذي تربى ودرس في مجتمع علمه بأن المرأة التي تقبل الاختلاط به هي امرأة غير حسنة السمعة! وقد خبرت الكثير من المبتعثات هذا الأمر في الأندية السعودية في الخارج. وسأضيف ملاحظة - نسائية- هنا بأنه حتى للفتاة غير المحجبة فقد يشكل هذا الأمر بالنسبة لها هاجساً مقلقاً. مازلت أذكر أنه ذات يوم خريفي جميل ونحن مجموعة من الطالبات نتمشى في ساحة جامعتنا فإذا بزميلة تتساءل: " يابنات تخيلن لو أن الشباب معنا هنا!" فردت زميلة أخرى قائلة: " الله لا يقول!" وأشارت إلى الطالبات الجميلات على رصيف خمسة (المقابل لكلية الآداب) قائلة: "بصراحة أنا ما حأقدر أنافس!"، وغرقنا جميعاً في الضحك على مخاوف صاحبتنا البائسة. وهذا المشهد يعكس الضغط النفسي من القرينات (Peer Pressure) الذي قد تتعرض له الفتاة حين تكون في بيئة مختلطة.
ولفت نظري أيضاً في هذا التقرير الفرق الشاسع بين شركة إعلامية وبين مكتب للمحاماة وردت المقارنة بينهما في التقرير، ففي حين أن الأولى تمارس عملها في بيئة مختلطة ومنذ سنوات دون خوف، إلا أن الثانية تحجم عن ذلك خوفاً، فهل للأولى حصانة لا تتوفر للثانية؟
وفي الشركة الإعلامية أيضاً يصبح الحجاب "حرية شخصية"، ولكنني أتساءل ألا يتعارض ذلك مع التنظيمات الإدارية للدولة والتي تنص على وجوب ارتداء الحجاب؟ هل تخضع الشركات والمؤسسات والمجمعات والكليات الخاصة والسفارات لقوانين البلاد أم لتنظيماتها الخاصة؟
كما ذكرت آنفاً أعجبني في التحقيق تطرقه إلى زوايا أخرى سياسية وفكرية، وإلى مدى قدرة المرأة على أن يكون لها مشاركة حقيقية ورأي فعال مؤثر. فالتغييرات المأمولة هي تلك التي تمس القضايا الجوهرية، والتي لن تتحقق إلا بالاعتراف بها أولاً كفرد كامل الأهلية بعد بلوغها السن القانونية، فإذا استطعنا فعل ذلك فقد حللنا 90% من مشكلاتها.
فلو أننا نعترف بها كإنسان مستقل الإرادة لما كانت هناك فتيات يُبعن بثمنٍ بخس لشيخ خارج الصلاحية، أو لأموات محكوم عليهم بالإعدام، أو لمرضى بالإيدز، أو لابن العم الذي لا تريده. ولما كنا نبارك زواج طفلة بالكاد تدرك ما الفرق بين المرأة والرجل!
ولما شرعنا واحدا من أبشع القوانين العنصرية والذي يتيح للأقارب بأن يهدموا أسرة قائمة البنيان عبر طلاق النسب الكريه. وكأني بفاطمة (طليقة النسب الشهيرة) تطالع هذا التحقيق، وتهز رأسها قائلة: "تطور في أوضاع المرأة؟ عما تتحدث يا هذا؟! ليتك عرّجت علي في تقريرك.. وكانت قصتي وحدها ستجعل كل إصلاح يبدو وكأنه بلا معنى!".
الأصل في عملية الإصلاح أن نبدأ من الجوهر قبل المظهر، لكن ذلك لن يحصل ما لم نرد الإصلاح حقاً ونؤمن به ونعمل على تحقيقه. عندها لن يهمنا أن تطرونا أو تهجونا التايم أو الإنديبندنت لأننا سنكون سائرين على الطريق الصحيح.. يكفي أن نعرف نحن ذلك.. وليثرثر العالم بعدها عنا كما يشاء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف