خليج إيلاف

الفلسفة تؤدي إلى الإلحاد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كل من يملك قراءة جيدة للفلسفة و تاريخها لن يملك إلا أن يبتسم وهو يتصفح كتب الكلام التي ألفها رموز الفرق الإسلامية في القرون الوسطى, ولحسن الحظ أنك لا تجد هذا الخطأ في كتب الثقافة الإسلامية في العصر الحديث , تجد في تلك الكتب القديمة بعد فصل ( الرد على المعتزلة , مثلاً ) فصل ( الرد على الفلاسفة ) وكأن الفلاسفة فرقة من الفرق الضالة !! و كأن الفلاسفة مما قبل سقراط إلى عصر تلك المؤلفات هي عقيدة واحدة لا غير!! هذا بلا شك يدل على جهل مركب . لنأخذ على سبيل المثال كتاب أبي حامد الغزالي ( تهافت الفلاسفة ) الذي كافأه عليه السلاجقة بدراهم معدودة و أعطي من الدعاية ما يفوق حجمه المعرفي عندما يكون الحديث عن العلم,حتى تصور الغزالي و محبوه أنه قد محا الفلسفة من الكون بكتاب لا يتجاوز خمسين صفحة, و الحقيقة أن الغزالي لم يكن يرد على الفلاسفة اليونان ولا الفلاسفة الرومان و لا الهنود, ولا كان يعرف عن فلسفاتهم المتعددة كبير شيء, و إنما كان يرد على ابن سينا و الفارابي و على الأول بتركيز أكثر, و هكذا كان يجب أن يكون عنوان كتابه من منظور علمي صادق وما كان له أن يكبّر الأشياء فوق حجمها و لا يضع نفسه في غير منزلتها, و أن يفعل كما فعل ابن الخياط المعتزلي عندما ألف كتاباً أسماه " الرد على ابن الراوندي " لقد كان هذا الرجل علمياً في عنوانه,لأنه لم يسمّه الرد على الملاحدة و الزنادقة و الكفرة إلخ. تخطيء الذاكرة الجمعية العربية عندما تتصور أن الفلسفة ملحدة بطبعها أو أنها تقود للإلحاد ضرورة , بسبب كتاب الغزالي ذاك, هذا إذا تجاوزنا الحقيقة المحزنة أن " المساكين " الفلاسفة الإسلاميين الأربعة : الكندي و ابن سينا و الفارابي و ابن رشد لم يكونوا ملاحدة قط, بل قد نذروا حياتهم و معارفهم للجمع بين فلسفة المعلم الأول أرسطو و بين تعاليم الإسلام ولم يتخلوا عن الديانة الإسلامية أبدا,هذا الحكم على الفلسفة غير صحيح , فالفلسفة بحر متلاطم لا ساحل له أبداً, وهي فلسفات و عقائد ومناهج اجتماعية و أخلاقية و ليست فلسفة واحدة, ومن الفلسفات ما لا يتعلق بالدين و لا يبحث مبحث الكفر و الإيمان ولا يتساءل أصلا عن وجود الله, لكن من حيث الجملة يمكن أن نقسم أنواع الفلسفة إلى قسمين : ( فلسفة مثالية ) و ( فلسفة مادية ) و الفلسفة المثالية هي فلسفة مؤمنة بالله و بصحة الدين, وهذا الإيمان جاء من أسسها التي بنيت عليها, هذا ما شهد به أحد أشد خصوم الفلسفة المثالية, أعني به الفيلسوف الألماني المادي الملحد ( لودفيغ فيورباخ ) و الذي أكد على " أن الفلسفة المثالية لا تستطيع أن تنفك عن رابطتها مع الدين" و عندما تستعرض حياة و مقولات الفلاسفة المثاليين الكبار من أمثال إيمانويل كانت و فردرخ هيغل تجد أن هذا صحيح, فبالنسبة للفلاسفة المثاليين, فلسفة الدين لا يمكن أن تزول في يوم من الأيام مهما تطور العلم و تقدم, ذلك لأن المثاليين يؤمنون دوماً بمنطقة خارج " تغطية العقل" إن صح هذا التعبير,هذا هو السبب الأساس لمقولة فيورباخ حسب تصوري, كما أن الإنسان يصدم في حياته بمواقف تعلمه حدود قدرته, كعجزه عن الفرار من الموت, و هذا العجز دعا الإنسان إلى الدخول في التفلسف فيما يتعلق بمسألة الموت, ما هو الموت؟ ماذا بعد الموت؟ وهذه هي فلسفة الدين , و يشبه ذلك عجز الإنسان عن تلافي الوقوع في الخطأ , خصوصاً الأخطاء الأخلاقية التي تسبب قدراً عميقاً من العذاب و المعاناة, برغم أن الوقوع في الأخطاء يتنافي مع ما يهدف إليه العقل , كما أن الفلسفة المثالية مرتبطة بالمنطق الصوري الذي يقوم على تصور الأفكار ثم محاولة إثباتها على الأرض, بعكس الفلسفة المادية المرتبطة بالمنطق الاستقرائي القائم على البحث في الطبيعة و العالم المرئي فقط و أخذ الأفكار من استقرائه. خلاصة هذه المقالة أن المقولة التي اشتهرت في ثقافتنا و التي رددتها كتب الكلام طويلاً بأن الفلسفة تؤدي إلى الإلحاد هي مقولة متهافتة و ضعيفة ولا تصمد أمام النقد العلمي, بالإضافة إلى أنها قد حرمت الثقافة العربية من علم كانت تحتاجه ولا زالت.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف