خليج إيلاف

"الخصوصية السعودية" من زاوية "مُنفرجة"!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حليمة مظفر

تمنيت في جلسات الحوار الوطني الذي جمعني بإخوة وأخوات من مختلف المشارب، أن بعض أصحاب الخطاب الأصولي التقليدي ممن عطلوا في مداخلاتهم مفهوم "الخصوصية" بحصره في دائرة الأيديولوجية الضيقة؛ أنهم استفادوا من درس عظيم علمنا إياه أبو متعب خادم الحرمين الشريفين؛ حين قاد على مستوى دولي حوارا رائدا بين حضارات العالم، يقودنا بذلك نحو انفتاح وتسامح حضاري لا يتعارض مع سماحة الإسلام؛ بل ويدعم ذلك تميزنا بوجود الحرمين الشريفين في أرضنا المقدسة، فالإسلام أبدا لم يعطل الانفتاح والتعايش مع مختلف الحضارات والخطابات الثقافية، ولهذا انتشر في القارات الست من قبلنا بقرون عديدة، حين تداخل المسلمون الأوائل مع الآخر ليتعارفوا لا لينعزلوا؛ تصديقا بقوله تعالى في سورة الحجرات "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ".
وأتساءل: كيف يتم تعطيل انفتاح خطابنا الثقافي الحضاري وحصرنا في دائرة ثقافية أيديولوجية محدودة وقاصرة عن استيعاب الجديد المعاصر، لمجرد أن في أرضنا المباركة الحرمين الشريفين!! بينما هما بمثابة امتياز وتشريف يدعم انفتاحنا الثقافي ويلزمنا على تعايش حضاري مع الآخر المختلف معنا، فنحن نستقبل على مدار العام ضيوف الرحمن من مختلف بقاع العالم واللغات والجنسيات والمدارس الفقهية الإسلامية، وهذا بدوره يدفعنا للانفتاح على هذه الاختلافات داخل دين الإسلام الكبير بل والأديان الأخرى كوننا أرض الرسالة؛ وهذا الانفتاح يقود بذلك "السعودية" إلى أن تكون القائدة بل المصدرة للخطاب الإسلامي المتسامح إلى العالم الإسلامي الذي يتفتت بسبب الخلافات الطائفية وإلى العالم أجمع الذي نريد أن نوصل له رسالتنا البيضاء دون وصاية، وهذا ـ للأسف ـ ما يحاول تعطيله دعوة بعض الأصوليين التقليديين إلى الانغلاق في دائرة "الخصوصية" المزعومة من زاوية حادة منغلقة؛ تؤدي بنا إلى "الانعزال" وكأننا في كوكب آخر غير الأرض!! بل قد يؤدي ذلك إلى "نفور" الآخر منّا متهما إيانا بـ"التعصب الأيديولوجي" و"الازدواجية الثقافية" من كوننا نحمل وجهين أحدهما في الداخل والآخر في الخارج، ناهيك عن تهمة "التطرف الديني" الذي يتوجس منا؛ خوفا من أن يخبئ تحت ثيابه "إرهابياً" أو "انتحارياً".
وباختصار شديد، إن لكل دولة خصوصيتها الثقافية، وهو أمر لا شك فيه، من حيث موروثها الشعبي وتاريخها وجغرافيتها، فلماذا "الخصوصية" لدينا فقط في"دائرة أيديولوجية" بينما نعيش اليوم جزءا حيويا من الكرة الأرضية، وداخل دائرة إعلامية منفتحة يصعب السيطرة عليها؛ ونمتلك من المكانة الدينية والسياسية والاقتصادية ما جعلنا ننقل العالم إلينا بثقة حين افتتحت "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية" لتكون منارة العلم في منطقة الشرق الأوسط، ليس ذلك فحسب نحن اليوم نعيش نشوة السعادة بالبعثات الدراسية لآلاف من طلاب وطالبات سعوديين لأنحاء جغرافية متفرق في العالم؛ يتلقون علومهم ضمن خطاباتهم الثقافية والدينية والفكرية المتنوعة والمتناقضة، وهؤلاء سفراء لنا، ينبغي أن يتشبعوا بثقافة الانفتاح وقبول الآخر والتعايش معه دون الذوبان فيه ابتداء من نقطتهم الجغرافية "الوطن"، ولن يكون ذلك إلا إذا نظرنا بشفافية إلى "الخصوصية السعودية " من زاوية منفرجة، أليس كذلك!؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف