ملحق شباب ألاسبوعي

شباب مدينة جنوبية وحيدة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


مدينة جنوبية في وحدتها القاتلة
التسكّع... خيار شباب النبطية الأخير

رامي الامين : يهبط الملل مع الشمس في النبطية. عندما يأتي الليل في المدينة الجنوبية، عاصمة المحافظة السادسة، يتبدل مزاجها. يصبح اكثر ميلاً الى الإكتئاب. فهي لا تتعدى ليلاً كونها مدينة نائمة، على عكس معظم المدن الجنوبية التي راحت حياة الليل تأخذ حيزاً كبيراً من أوقات ابنائها. في الشوارع لا تجد الا بعض الكلاب التي تعوي في وجه قمر غير مكتمل. من هنا لا يجد ابناء هذه المدينة الا ان يقضوا لياليهم في التسكع في أمكنة خاصة، في منازل أصدقائهم، او في بعض مقاهي الإنترنت والألعاب المعزولة، والتي تفتح ابوابها حتى ساعات الصباح الأولى. فالنبطية لا تمتلك معالم المدينة، وهي لا تعدو كونها قرية كبيرة، نظراً لنمط الحياة القروية السائد فيها. فلا محال تجارية تفتح في الليل، ولا "مولات" او مقاهي ومطاعم، وطبعاً وجود الحانات امر ممنوع، نظراً للطابع الديني للمدينة. واللافت في تعاطي شباب النبطية مع حال مدينتهم، انهم يحاولون إبتكار وسائل لقضاء الليل، كي يهربوا من الفراغ النفسي والملل الذي يتصاحب مع البطالة وقلة فرص العمل، والدخول في مصادمات مع الأهل على خلفية بقائهم في البيت، بلا شغل او عمل.


في المنزل

بعض الشباب يرتب سهرات يومية في المنازل. يهيؤون العدة، وينطلقون مجتمعين الى منزل احدهم. هناك تبدأ السهرة عند الحادية عشر والنصف. هم نفسهم، بضعة أشخاص، لا يتغيرون، لا ينقصون ولا يزيدون. هم "شلة"، لا يتعرفون بأحد جديد. يتحادثون في المواضيع ذاتها كل يوم. يكررون انفسهم، في روتين يومي، يبدأ مع الشاي والنراجيل، وينتهي بالطعام. كل يوم على ذات المنوال. يلعبون الورق، ويتكلمون عن النساء، والأوضاع السياسية والإقتصادية الخانقة. يتناقشون في مشاكلهم، ويخففون عن بعضهم البعض. يقول عباس إنه ما عاد يحتمل هذا الوضع، خصوصاً انه لم يجد عملاً حتى الآن، ويشعر بالذنب لأنه يسهر يومياً الى الرابعة فجراً، وينام حتى بعد ظهر اليوم التالي، فيما يفترض بالشباب من جيله ان يناموا باكراً ويستيقظوا باكراً ليذهبوا الى العمل. لكنه إن لم يفعل ذلك "فسأصاب حتماً بالإحباط، وسيقتلني الفراع لا شك" على حد تعبيره.
يوسف يضع اللوم على ابناء المدينة الذين لم يعرفوا كيف ينقلوا مدينتهم، لتجاري الحركة الثقافية والفكرية في المدن الكبرى أمثالها. كما يعزو يوسف ذهابه الى هذا النوع الممل من السهرات، الى عدم وجود نوادي رياضية، او نوادي ليلية، ومراكز للشباب في المدينة، هذه الأمكنة التي تؤمن تنوعاً في خيارات الشباب لتمضية اوقات الفراغ القاتلة. والطريف في الموضوع، ان هؤلاء الشباب، بعد استيقاظهم، يقضون نهاراتهم في مشاهدة قنوات الأغاني والفيديو كليب على التلفزيون، في إنتظار الليل.

على الرصيف

وبدأت مؤخراً تبرز ظاهرة التسكع على الطرقات بين شباب النبطية، خصوصاً بعد افتتاح مقهى على احد ارصفة المدينة، حيث وجد بعض هؤلاء الشباب ظالتهم، وصاروا يجلسون هناك، مراقبين السيارات، ومناقشين في مواضيع تهمهم. هذا المقهى الذي يفتح ابوابه ليلاً ايضاً على عكس باقي مقاهي المدينة، صار ملجأً للمتسكعين، ومنفذاً لكسر روتين الحياة المنمطة. لا شيء جديد في المقهى، فقط يتبدل المكان، فالأشخاص ذاتهم يجتمعون هناك بدل الإجتماع في المنازل، وإزعاج الأهل في الليل. الطقوس ذاتها: نراجيل، وشاي، وقهوة وطعام، ولعب ورق. الذهاب الى هناك يأتي من باب التغيير لا أكثر كما يشير باسل، الذي بدأ يعتاد فكرة المداومة على إرتياد المقهى كسبيل للدخول الى عمق المجتمع والإنخراط فيه وتغييره.
علي، في المقابل، لا يجد أملاً في تغيير المجتمع النبطاني، "فهو مجتمع محافظ، لا يتخلى عن التقاليد والعادات الموروثة، ولا يستطيع استيعاب التطور الحاصل في العالم". علي يمضي اوقات فراغه في أحد مقاهي الإنترنت الذي افتتحه احد الشبان الجامعيين، كوسيلة لكسب بعض المال، وهو يفتح ابوابه طوال الليل للمتسكعين، الذين يستعملون الإنترنت، ويلعبون الألعاب الجماعية كالـdelta force، وغيرها من العاب الكومبيوتر الممتعة بنظرهم. يستمعون الى الأغاني، ويدخنون ويشربون البيرة، ويتفوهون بكلام بذيء، وبقصص نساء عاهرات. يمارسون "مراهقتهم" الى آخرها، ولا يأبهون بالمدينة التي قاءتهم من أمعائها لانهم فقط مختلفون.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف