ريا وسكينة ..ونحن

نسرين عزالدين : لم تبك ريا طوال حياتها سوى مرة واحدة ..بكت حين فشلت في انجاب صبي .لم ترد فتاة لكنها ورغما عنها كانت اما لفتاة وحيدة اوصلتهم الى موتهم .هل كان من المتوقع ان اكره امرأة قتلت ودفنت وعاشت فوق قبور امواتها..
لم اكرهها .
لم تبك طوال حياتها سوى مرة واحدة .لم تنهار حين علمت ان حبل المشنقة ينتظرها ولم يرف لها جفن وهي تحدق بوجوه امهات وازواج قتلاها .
..ولم اكرهها.
هي تعلم انها وجودها اهم من وجود الاخرين ، وتعلم ان دموعها "غالية" جدا ولهذا لم تبك .
ريا لم تحب احدا طوال حياتها، ولم تنتظر ان يحبها احد .
عاشت بلا دموع بلا حزن بلا ذكريات.
تقتل وتدفن وتنسى.
هو مجرد دور ،مسلسل وانتهى .لكنها وجدت فيما مضى عاشت وقتلت وقُتلت ، ولهذا تغريني شراستها في دفاعها عن بقائها وحبها للحياة ..تغريني قوتها .
خنقت كي تحيا واستسهلت الامر فكرت السبحة.
عاشت كي تقتل .

هي ليست بغريبة عنا ، ونحن لسنا بمختلفين عنها . نحن كما هي نصارع من اجل بقائنا ، يحاصرنا الفقر الكذب والرياء والخيانة والسرقة ..
هي تقتل ونحن نترك ضحيتنا بعد تجريدها من كل ما تملك. فلتموت حين تشاء .. والدفن لا خلاف عليه فهو محتوم للاحياء والاموات .

شقيقتها مدمنة كحول ورجال..سكينة .
تبكي صديقة قتلتها وتصرف ثمن موتها على شاب تعاشره.
تحب وتنسى ثم تحب من جديد ، تخون وتعود الى حبها الاول ،ملاك لا يعكر صوف هالتها شائبة .
تكذب وتسرق وتقتل وتخون لكنها "لا تبيع شرفها"..
الا يبدو كل هذا مألوفا ..الشرف الفضفاض الذي يتسع لكل الرذائل ، والذي لا يباع ولا يشترى بالتأكيد.
ما هو الشرف اصلا وما هي الرذيلة .
صفتان للمرأة،فهي اما شريفة او رذيلة وما بينهما قابل للاجتهاد .ومعظمهن يقبعن في تلك المساحة .

الرجال الاربعة .احدهم عاطل عن العمل يستغل زوجته التي تجد نفسها مرغمة على العمل كي لا تموت جوعا ، الاخر يتزوج حبيبة صديقه المتزوجة اصلا من اخر مع الابقاء على قدرته على الاعجاب بأخريات .الثالث يسعى الى تأمين المال باي طريقة كانت _شرط الا ترغمه على العمل_يبحث عن متعته في كل مكان ، والاخير متنمر يجني رزقه من الدوس على الاخرين .
..الانانية وحب الذات والخيانة واستسهال الاذية وتنصيب انفسهم اربابا على مصائر الاخرين ..صفات ليست ببعيدة عنا وليست خارج زماننا او مكاننا .
وبيننا وبينهم وهم .. وهم اننا احياء يبرر اختلافنا الكلي عنهم .
..لم تبك ريا طوال حياتها سوى مرة واحدة .. لم تحب احدا ولم تنتظر ان يحبها احد .
اردات ان تحيا فوجدت نفسها بلا حياة ..
عاشت بؤسها من بؤس الاخرين ..قتلت كي لا يقتلها فقرها .
ولاننا نشبههم رغما عنا لن تبدأ قصتهم يوما بكان يا ما كان ..
لكنها ستنتهي دوما بها ..هي التي لم تبك سوى مرة واحدة .