ملحق شباب ألاسبوعي

الهوية الضائعة لمقاهي وسط القاهرة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أحمدعبدالمنعم : علي مدى قرن من الزمن، ظلت مقاهي وسط القاهرة تزهو بين مقاهي الشرق بروادها. فمنذ نشأتها وهي قبلة للمثقفين وواحة للمبدعين، داخل جدرانها نبتت بذرة الحركات التحررية ومنها خرجت المظاهرات المطالبة برحيل الاحتلال الانكليزي وعليها جلس خيرة كتاب مصر ومثقفيها.. وعلى طاولاتها كتبت أعظم الاعمال الادبية.
فمقاهي وسط القاهرة جزء لا يتجزأ من تاريخ مدينة الالف مئذنة، تقفز الي مقدمة الصورة خلال الازمات وتتراجع الى خلفيتها لحظات الهدوء التي قلما يجود بها الزمان على الشعوب.
وبالرغم أن أعداد المقاهي التي اصطلح على تسميتها بـ"مقاهي المثقفين" في وسط القاهرة ليست كثيرة حيث لا تزيد عن أصابع اليدين، الا انها حازت على شهرة كبيرة ربما فاقت في كثير من الاحيان ما كان يحلم به أصحابها، واستندت في ذلك الى تاريخ عريق ورواد باتوا ملء السمع والبصر ويفخر كل انسان بالجلوس في مكان سبق لهم الجلوس عليه.
وحتى وقت قريب كانت تلك المقاهي مركز جذب للمثقفين من أصحاب الاتجاهات الفكرية المختلفة، اعتادوا التجمع فيها دون مواعيد مسبقة يناقشون ما استجد من قضايا ويطرحون ما يطرأ من أفكار. يتفقون حيناً ويختلفون أحياناً ولكنهم في جميع الأحوال ظلوا محافظين على الصورة العامة لهذه المقاهي والمتمثلة بأنها قبلة للمثقفين.
ومع مرور الزمان تغيرت الأجيال وتبدلت الأحوال وهجر المثقفون المقاهي وتركوها لأنصاف المثقفين والفتيات سيئات السمعة.
فالمدقق في رواد مقاهي وسط القاهرة حاليا لن يجد صعوبة في حصر روادها بين نوعين- مع الايمان بمبدأ أن لكل قاعدة شواذ- الاول لمدعي الثقافة والثاني لفتيات يبحثن عن شرعية ايديولوجية لممارسة أقدم مهنة في التاريخ.. فهن يعتبرن العلاقات الجنسية من الحقوق المشروعة للانسان ولا مانع من الحصول على المقابل المادي طالما ارتضى الطرفان.
بعض المقاهي حاولت وضع حد لحالة الانحدار التي باتت تلازمها فاختارت التوقف لبرهة تلتقط فيها الانفاس مع العودة بشكل جديد يليق بتاريخها العريق.. تلك المقاهي كانت مخلصة فيما هدفت اليه ولكن غاب عن أصحابها أن المقهى تحول الى رمزاً تاريخياً وأثراً ارتبط في أذهان الجميع بشكله التقليدي وبالتالي من العبث الحديث عن" طلة جديدة" للمقهى.


زبائن غير مرغوب بهم

بقية أصحاب المقاهي التي استسلمت للأمر الواقع لم يعد لديهم سوى القبول بما هو متاح والا يكون الافلاس مصيرهم،فهم مرغمون على استضافة زبائن غير مرغوب بهم بل مجبرون على الترحيب بهم. هم يدركون جيداً أن مقاهيهم لم تعد قبلة للمثقفين كما كان الحال في الماضي ولكنهم أيضاً سعداء لأن ارباحهم قد تضاعفت. فأغلب زبائن الوقت الحالي يعانون الفراغ ويدعون الثقافة وليس أمامهم سوى المقاهي لاستعراض قدراتهم الثقافية أمام الآخرين.. قد تعلو الأصوات خلال المناقشات حيث يتبارى كل فرد في استعراض قدراته للعرض والتحليل ومنطقة الامور، وقد يمتد الامر من مجرد مشادة كلامية الى المشاجرات والتشابك بالايدي أحياناً.. فجميعهم يؤمن بأن الخلاف في الرأي قد يفسد للود قضية
هذه الحالة المتردية التي وصلت اليها مقاهي وسط القاهرة دفعت أغلب المثقفين للهروب باحثا عن أماكن أخرى أقل صخباً وأكثر هدوءاً وان كانت لم تصل الى نفس المستوى الذي لعبته تلك المقاهي خلال حقب طويلة من تاريخ مصر.
قد يكون أصحاب تلك المقاهي قد نجحوا في الاستمرار حتى الآن،لكن البقاء على هذا الشكل كفيل بإلغاء تاريخ طويل حفر فى ذاكرة الأمة عن مقاهي وسط القاهرة .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف