ملحق شباب ألاسبوعي

شباب يختنق بسحر شرقه

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نورالهدى غولي : "أحلامي كلها في كندا.. "،" أريد الذهاب إلى روما.."، " أعمالي في باريس ولندن"، "لقد عقدت عزيمتي للذهاب الى اميركا، هناك سأوفر ما أحتاج إليه".. "عائلة زوجتي في ألمانيا وسنلتحق بها هناك في القريب العاجل ..". اسأل أيّا من معارفك، أو قبل ذلك، اسأل نفسك ، من بين كل دول العالم اي ستختار كمدينة تقطنها، طبعا مع الاخذ بعين الاعتبار المصالح الشخصية والعائلية.
من المؤكد انك ستستثني كل الدول العربية من قائمة اختيارك، وقد تحبذ وطنك على مكان عربي آخر، لأنه سيكون بالضرورة أكثر سوء مما انت عليه اساسا أضف اليه شعور الغربة الملازم للهجرة .
فيما مضى كانت أحلام الشباب لا تتعدى في كثير من الأحيان حدود عاصمة عربية اخرى . كانت القاهرة، مثلا، مدينة تتربع على عرش الطموح والشهرة، ومعها بيروت التي كانت ترسم ملامح الحرية والانطلاق المتفتح.
وان كنت ممن يبحثون عن الغرائب والكتب القديمة والنادرة ستتجه حتما نحو بغداد، لدمشق سحر الحارات العربية وطرب الموسيقى، ولدول الخليج فكرة العيش الآمن الرغيد، ولعواصم المغرب العربي الدافع نحو بساطة العيش والأحلام التي تغلي بشبابها من دون اسس ثابتة تسمح بتحقيق القليل منها.
كانت الدول الأووبية والولايات المتحدة الأميركية محطّ أنظار رجال السياسية العرب والأثرياء، ومن يعتبرون أنفسهم "شخصيات" عظيمة. فيما كانت محطات الوطن العربي قبلة الشباب. لكل منهم غاية يبحث عنها في زاوية ما من هذا العالم خصوصا في آسيا وإفريقيا بمغريات فرصها .الا ان هذه الصورة لم تبق على ما هو عليه .
ورغم الهزمات والنكسات فإنّ الطموح العربي بقي قائما. ولأنّ الأشياء التي تبدأ كبيرة يصعب التخلص منها بيسر لاحقا.. فقد بقينا ولفترات طويلة نتجرع الهزيمة قطرة قطرة، إلى أن اقتنعنا بعدم جدوى الحكاية من الأصل، وانتحرت كامل الأشواق والرغبات لاحقا، في رد فعل طبيعي لما تكبدته الشعوب والأفراد من ضربات قاسية..
كانت الأجيال السابقة أكثر حظوة من الجيل الحالي مع أنهم لحقوا بموجة الهزائم الانكسارات على جميع المستويات، إلاّ أنّهم كانوا في لحظة ما، على درجة كبيرة من الوعي، والاقتناع بالقضية التي آمنوا بها ، الأمر الذي لم يلحق به الجيل الجديد، وإنما استيقظ على رثاءات كثيرة لفشل رهان العالم العربي وتخبطه في وحول هذه الهزائم .
هم عاشوا مراحل الازدهار ومراحل نمو الحلم وافوله ، بينما اقتصرت رؤية هذا الجيل على النهايات فقط والتفرج من بعيد على تطور الدول الأخرى وديموقراطياتهم وحرياتهم.
وبعد هذا كله لم يبق اي سبب يحول دون الرحيل نحو بقع جغرافية تضمن "الخير" رغم قسوة مصطلح "الغربة"، ومع ذلك ينفيها الكثيرون قائلين.. "كنا نعيش غربة حقيقية في أوطاننا.. فأين الضرر الحقيقي..؟ نحن لم نعد نعرف أين تكمن الحقيقة؟"
22 دولة.. هو مجموع دول هذا العالم العربي، الغريب في القضية كلها، هو عدم قدرة دولة واحدة منهم على تحقيق قفزة نوعية يشهد لها ويجعلها قبلة يطمح الشباب للسفر اليها.
وعوضا عن ذلك ما زالت جميعها تقبع تحت شعار"العالم الثالث" غارقة في حسابات السياسيين والمشاكل الاجتماعية والعنف. حتى أن شبح العولمة لم يدفعهم الى "محاولة" إعادة صياغة هذا النوع من الالتحام العربي على المستوى الفكري والإيديولوجي، فيما سبقتهم كثير من الدول الأخرى إلى الاتحاد بتستر تحت صيغ متعددة.. الأمر الذي يؤكد نظرية "البقاء للأقوى".
طفرة الدولة الواحدة لن تتحقق أبدا.. لأنّ كل الدول العربية، من المحيط إلى الخليج، تشد بعضها البعض إلى الأسفل، وما من قوة فوق الأرض كفيلة بجعلها ترتفع إلى مصاف الدول المتقدمة ما دامت كل الأسس الحاكمة والمتحكمة في الوطن العربي هي ذاتها في كل الدول، رغم اختلاف بعض الأطر، إلا أنّها مجرد "شكليات" لا تستطيع تحقيق اي فرق ..لو قيد أنملة.
لم تعد لأي دولة عربية ميزة ما تجعلها "المشتهاة"، لم تستطع أن تكسر حاجز الانغلاق والتعثر بالمساوئ والخسارات، وعليه فإنّ تهمة لوم المهاجرين ستسقط تلقائيا من سجلهم، مادام الوضع العام تجاوز فكرة "عدم التبشير بالخير" إلى مرحلة العيش الصعب المتناقص، فصارت كل البقع نسخة مكررة عن بعضها، تصدر أناسا يشتعلون طموحا ولم يلقوا لها على أرض الواقع سبيلا. وصارت أسماء العواصم العربية خالية من كل سحر أو إغراء كان لصيقا بها ذات زمن.
أيّ دولة من الدول الأوروبية يمكنها أن تشبه دولة أوروبية أخرى، ومع ذلك تمكنت "النخبة" فيها من جمع أواصرها المشتتة تحت شعار "الاتحاد الأروبي"، زالت معه كل العراقيل الحدودية والجغرافية، وتمكنوا كقوة متحدة من منافسة أقوى دولة في العالم.. فيما عجزنا نحن رغم أنّنا درسنا كعرب منذ الصغر ونحن في أقسامنا الدراسية الأولى، قصة ذات مغزى عميق كانت بمعنى: "في الاتحاد قوة". ابتعدنا عن الاتحاد.. ورحلت عنّا القوة إلى إشعار آخر؛ وها نحن ننتظر.. نحن لسنا "محكومين بالأمل"، عذرا سعد الله ونوس رحمك الله، نحن محكومون بالانتظار البائس، الذي يغدوا بلا معنى، بعد طول زمن..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف