ملحق شباب ألاسبوعي

صبيحة عيد خفيف

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

علي فواز: أركن السيارة في الساحة الفسيحة أمام المبنى الذي أقطنه. فجأة يتسع المكان الذي كان منذ يومين يضيق بسيارتي. أترجل، لا شيء سواي وبضع قطط. أعبّ هواءً طرياً، أتلمّس الهدوء، أصاب بالانتشاء وبشيء من الصحراء. يكفيني هذا النزر. أمد رئتيّ النضرتين للشمس، الشمس لها ظلُّ هذا الصباح، لا داعي للعجلة... لا شيء ينتظرني اليوم، لا أحد.
الشارع يخلو، إلا منّي وبضع قطط تمارس كسلها الصباحي. أتلمس الطريق إلى الشقة 25، تلك شقتي، ما زال بإمكاني التعرف إليها رغم ما يسري في عروقي من دم القنينة، ذلك الدم من فئة "بلاك +"، وأنا دمي صار خليطاً من "البلاك +" و"o+". هذا "الكوكتيل" يبقيني على تماس مع الأشياء البسيطة... كم أحتاج إلى البساطة هذا الصباح، كما في صباحات كثيرة.
أدسّ المفتاح في ثقب الباب، أنساب بخفة هواء طريّ، كقطة هي الآن تحرس سيارتي. كم هو ثمين هذا الكحول في الرياض، رغم أنه غالي الثمن أيضاً. يذكّرني هذا الهدوء بنيسان، وتحديداً نيسان عام 1996. لا أعرف كيف أسقطت ذاكرتي هذا الهدوء على ذاك اليوم. كنت وقتئذ في قريتي التي هجرها معظم أهلها إلى بيروت، وكانت القرية مهددة بالقصف الإسرائيلي. البيان الذي أذيع صباحاً بصوت أنثوي جميل، تضمّن اسم قريتي بشكل واضح لا لبس فيه إلى جانب مجموعة من القرى القريبة منّا. كان على الأهالي أن يحموا أبناهم ويحملوهم إلى بيروت. لكنني رفضت الانصياع إلى تهديد المذيعة في ذلك الصباح، رغم أنه كان ممهوراً بتوقيع "وقد أُعذر من أُنذر"، الذي كان الصوت الجميل يختم به بياناته العسكرية. كان على أهلي أن يبقوا معي، أن يلازموا عنادي ابن السبعة عشر ربيعاً. القذيفة لم تبتعد كثيراً، أصابت زاوية البيت من جهة غرفة نوم أهلي، وسلمْنا نحن حيث كنا نحتمي في الدور الأرضي، في "بيت جدّي". أذكر كيف خرقت القذيفة الهدوء، وانقطع التيار الكهربائي وتطاير الزجاج، وكيف بكت مروى بنت الأربعة عشر يوماً. اليوم مروى في العاشرة من عمرها وأنا في الرياض التي لم أكن أعرف عنها سوى أنها عاصمة السعودية.


بعد عشرة أعوام على استباحة القذيفة سطح منزلي، أنا هنا الآن، أدلف إلى شقتي في يوم العيد، النهار مشمس وأنا شبه سكران، والشوارع خالية. أهالي الرياض هجروا مدينتهم، إلا قليلاً.
أسحب جسدي إلى غرفة النوم، أخلع ثيابي، ما زالت النشوة تطوقني، والصحراء تبث فيّ روحاً غامضاً ولذيذاًَ. هل أنام؟ أحتاج فعلاً إلى قليل من الراحة، لكن نسيم الصباح لا يبارح روحي، يتشبثّ بها كطفل صغير ويشير ببنانه إلى الصحراء. يستبد بي ذاك الصراع، جسدي المتعب وروحي المنتشية، وأنا بينهما خدر لذيذ. يغالبني النعاس بعد دقائق، أكون خلالها توصّلت إلى تسوية مع نفسي... أرتاح بضع ساعات، أتوجه بعدها إلى الصحراء.
يوقظني رنين الهاتف، عباس على الخط. أقول إنني الآن بحاجة إلى كوب من القهوة وأغنية لفيروز، نتوجه بعدها إلى الصحراء، وعندما نرجع نفكر بالطعام.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف