التعري المتقوقع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هناك محطة، رسمية، خاصة ومتخصصة بعرض اشهر التصاميم العالمية وكشف بعض جوانب حياة هؤلاء العارضين والعارضات والمصممين والمصممات.
وكون هذه المحطة عالمية ،فبإمكانك مشاهدتها على شاشة التلفزيون أو الكومبيوتر وحاليا يمكنك مشاهدتها على شاشة الجهاز الخلوي الخاص. وبهذا فهي تلعب دورا رئيسيا في تشكيل الذوق العام لدى شعوب العالم في عملية اختيار ملابسهم ومحاولة توحيد هذا الذوق.
وما يمكن ملاحظته عند مشاهدة هذه المحطة هو موضة التعري. فالجميع يتجه نحو التعري المغري _اي ستر الجزء الذي يحوي الاعضاء التناسلية لدى المذكر أو المؤنث مع محاولة للستر المغري للصدر الانثوي والذي يمثل المصدر الاول لغذاء الانسان.
يتبعها المشاهد _مهما كان جنسه_ ويتابعها في محاولة لتشكيل ذوقه من خلال ارتداء التصاميم المعروضة وبالتالي الاختيار وفق ذوق هذا المصمم او ذاك .
هذا التعري والذي يمكن النظر اليه كنوع من تحرير الجسد من عقده الموروثة والقابعة في مكنونات عقله الباطني المنعكسة في شكلها الثقافي بصيغة الحرية من القيود ان كانت سياسية ام ثقافية ان اجتماعية.
الكسر لهذه القيود بتعرية الجسد وتحريره من الموروثات، بغض النظر ان كانت ايجابية ام سلبية، ومن المفترض لها ان تنعكس في طبيعة التعامل مع الانسان الآخر وتحطيم عنجهية "الانا" القابعة في داخل هذا الجسد والذي كان متسترا بطبقات من الثياب تخفي جميع تفاصيله.
فهذا التعري الكاشف لمعظم اجزاء الجسد يعني بأن ما كان مستورا ومتقوقعا في الداخل أصبح ظاهرا وغير خفي عمن يمكن ان يراه. اي ظهور حقيقة الانسان المتمثلة في الجسد أصبحت اكثر وضوحا وانفتاحا على الانسان الآخر ان كان مماثل له في الجنس أم لا.
المثير للدهشة أنه رغم هذا الكشف عن الجسد فإن "الانا" القابعة داخله أصبحت اكثر تقوقعا على الذات وارتفع مستوى عنجهيتها لدرجة انها اصبحت هي "الانا" المتقوقعة الحاكمة والمتسترة لدرجة الاحتجاب داخل هذا الجسد المتعري!
فقد بنى هذا الجسد المتعري المغري جداره الفاصل للـ"الانا" المتعنجهة بداخله، ليفصله عن كل ما هو محيط به ومختلف عنه بدل أن يكون صيغة كشف وانكشاف للمختلف في سبيل تعرف الانسان على الانسان للوصول الى المعنى الحقيقي للانسانية المتخلية عن "الانا".
كل من هو مختلف، والمختلف هنا لا يعني الاختلاف الشكلي بل الاختلاف في "الانا" المتقوقعة داخل الجسد، يجب ان يفصل عن "الانا" من خلال جدار لا يمكن خرقه ان كان جسد أو مصنع من اسمنت مسلّح لمنع وصد هذا الانسان المختلف من خرق "الانا" التي تحمي ذاتها في الجسد الظاهر كما هو الجدار الظاهر بفارق واحد وبسيط الا وهو ان الجسد محكوم بقوانين "الانا" والجدار الاسمنتي الفاصل محكوم بقوانتن دولية هي ايضا من صنع " الانا".
بني جدار الفصل الاسمنتي في فلسطين المحتلة ليفصل "الانا" الاسرائيلية عن الشعب الفلسطيني رغم اعتراض المحكمة الدولية واعتباره جدار فصل عنصري وكذلك الامر رغم اعتراض العديد من المنظمات الانسانية.
كل هذه الاعتراضات لم تأت بأية نتيجة ومازالت عملية البناء مستمرة لعزل هذا المختلف عن "الانا" المتقوقعة داخل الجسد.
يبدو بأن هذه "الانا" مرض معد لكل من يملك "الانا" المتعنجهة والمتقوقعة. وما دامت العلاقة وطيدة ما بين الجسد الحكومي الاسرائيلي والجسد الحكومي الاميركي فمن الظاهر بان هذه العدوة قد انتقلت الى تلك "الانا" المتقوقعة في الجسد الاميركي.
وفي محاولة منها لحماية تقوقعها فعلت كما فعلت "الانا" الاسرائيلية وباشرت في بناء جدارها الاسمنتي الفاصل ما بينها وبين المكسيك في سبيل منع وصد دخول جسد العامل / العاملة المكسيكي الى ارضها والعمل فيها. وبما ان "الانا" الاميركية حديثة الخبرة في هذا المجال فقد التصقت بـ"الانا" الاسرائيلية اكثر لتكون العدوة كاملة وذلك من خلال طلب الاستعانة بخبراء منها لمساعدتها في هندسة وبناء هذا الجدار الاسمنتي الفاصل.
جسد انساني يعرّي كيانه لمن يرغب باكتشافه في سبيل تحطيم عنجهية "الانا" المتقوقعة داخله يقابله جسد سياسي يعرّي كيانه في سبيل حماية عنجهية "الانا" المتقوقعة داخله.
لمن سوف تكون الغلبة؟! سؤال مطروح على كل من يشاهد كلا الجسدين.