حلّ البطالة في المراحيض
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هدايا الحكومة الجزائرية المفخخة:
نصف مليون شاب للعمل في "المراحيض العمومية"
كان الوزير، الذي يفكر (...) بمصير آلاف الشباب العاطل عن العمل، قد توصل إلى خطة تسدّ باب البطالة المتزايدة بشكل مخيف في الجزائر ، وما كان منه إلاّ أن ينتظر من السنة الجديدة توقيتا مناسبا ليمنحهم هديتهم التي لطالما انتظروها، في إطار الوعود التي تحترفها الوزارة مرة بعد مرة .. وعليه فقد كانت مفاجأته لهذه السنة عبارة عن منح الشباب عقود عمل لتسيير المراحيض العمومية..
فلنتصور معا المسار الطويل لحياة اي شاب جزائي ..من سنوات الدراسة الابتدائية فالاعدادي ثم الثانوي فالتخصص الجامعي وما تتضمنه من سهر وتعب وايام دراسة لا تنتهي ومنح دراسية تكاد لا تسد ثمن الاحتياجات البسيطة من مأكل وملبس ..فما بالك بالكتب والملاحق العملية والمصاريف الاخرى.
لكل شاب حلم خاص به..حلم قد يكون واقعيا عن البعض وبعيد المنال عن البعض الاخر..لكن هذا هو جوهر الحلم ..مشروع واقع يرجوه كل فرد.
يتخرّج الشاب من الجامعة بعد 4 سنوات او سبع سنوات وفق للاختصاص الذي اختاره ..وطوال هذه المدة لا ينفك يمني النفس بعمل محترم كم يمكننا اضافة امال عائلته بحصول "طفلها" الذي عانت ما عانت كي تسانده في رحلته الطويلة نحو التخرج.
وأخيرا..باتت الشهادة ملكه. يعلقها على الجدار في غرفته أو يرمى بها بين أوراق أخرى لا تهمّه كثيرا، ويبدأ رحلاته الماراتونية في البحث عن العمل.
لم يخطر له يوما ان سنوات الهم والتعب كانت بانتظاره، لطالما اعتقد ان سنوات الهم كانت تلك الدراسية وان شهادته ستمكنه من الحصول على وظيفة مريحةبسهولة .
لا بد انه علق الكثير من الامل على امير الوعود في الجزائر..فشبابنا بات بضبط ساعات البحث عن العمل على تصريحات وزير الاشغال .
ووزيرنا كان بصدد الكشف عن مفاجأة الموسم، خصوصا بعد تسهيل القروض البنكية التي من المفترض ان تسهل عملية اقتناء المنازل أو مشاريع العمل التي قد تضم أكثر من شريك. لكن منحة القرض لها شروطها ،وشرطها الاول أن يكون راتب الراغب في نيل "استحقاق" القرض لا يقل عن 30 ألف دينار جزائري (ما يعادل 300 دولار) ومن أين لشاب عاطل عن العمل براتب شهري مماثل؟‼
فكرة "تشغيل" الشباب الجامعي في "المراحيض العمومية" تأتي في إطار برنامج ''الجزائر البيضاء''، وقد أبدى الجزائريون إعجابهم المبدئي بفكرة تنظيف المدينة وإعادة الوجه الجميل لأحيائها العريقة.كل هذا الحماس كان قبل كشف الوزير على اقتصار هذا التنظيم على تكليف الشباب بتنظيف وتأهيل المراحيض ! وقد كان يظن بهذا أنه يضرب عصفورين بحجر واحد: تنظيف المدينة والهاء الشباب عنه كافيا "شر نقهم "
"
15,3 في المائة، هي نسبة البطالة في الجزائر خلال السنة الماضية 2005.. وقد تمّ الإعلان في وقت سابق عن امكانية تقليص هذه النسبة من خلال وعود الانفتاح الاقتصادي، والمشاريع التنموية التي شهدت انتعاشا ملحوظا، وعليه فقد كانت هذه الفكرة المعلن عنها بمثابة الصدمة لمن كان ينتظر مشروعا ينطلق فيه مع بداية السنة.. إذ واجهوه بالمرحاض العمومي.
وما كان من نص مليون شباب وجد "الوعد الذهبي" عبارة عن مرحاض قذر الا ان يخرج بحملات احتجاج واسعة في عدد من الولايات المتضررة من البطالة والبطالة المقنّعة معتبرين ان "المشروع" برمته اهانة لهم خصوصا وان معظم الذين شاركوا في الاحتجاج قدموا طلبات للعمل في اوقات سابقة .
..معروف عن الجزائري بشكل عام انه انتقائي حين يتعلق الامر بوظيفته ..فهو لا يقبل بأي مبلغ اوعمل لا يمكنه من سد احتياجاته الاساسية..لا بل هو انتقائي "بسدة" في بلده على الاقل،اما في "بلاد الغربة" فخيارته تقل وقد يقوم بأي وظيفة يحصل عليها _مهما كانت هذه الوظيفة _طالما يمكث بين اناس لا يعرفهم ولا يعنون له شيئا.
لم يكن لسمير (27 سنة) أن يغفل اطلاّعه على التطور الاقتصادي الذي تشهده الجزائر، قال حانقا: ".. انتظر حلا منذ سنوات، وفي النهاية يأتون لنا بمثل هذا الاقتراح المهين، هل أدرس الهندسة المعمارية لأقضي أيامي المتبقية قابعا أمام مرحاض؛ أموت جوعا و لا أقدم على هذا أبدا..". يصمت ليواصل بمرارة "في الخزينة ما يفوق الـ 54 مليار دولار، ويجودون بمثل هذا المشروع لنصف مليون شاب جامعي. ترى من سيستفيد من المال المتبقي؟".
من نقطة الكبرياء كاد حديث (كمال 30سنة) أن يكون صراخا وهو يفرغ غيظه لدى قراءته برنامج الوزير في الجرائد ".. أيعقل أن نهان إلى هذه الدرجة؟ يتحدثون عن الانتعاش والمشاريع التنموية ومن ثمة يدسّون أنوفنا في التراب‼ درست ست سنوات في الجامعة، وبقيت تحت شطط البحث عن عمل لمدة خمس سنوات، ليتحفونني بمثل هذا الشغل الآن؟ ألم يجدوا برنامجا أفضل يحفظ كرامة الشباب؟‼".
موجة الاحتجاجات التي شنّها الشباب عقب تصريح الوزير كانت بالحدّة التي جعلته يعدل عن برنامج العمل الذي اقترحه، قال ".. أنا لم أكن أقصد ذلك" دون أن يوضّّح ما كان يقصده بالضبط، وقيل أنّ برنامج ''الجزائر البيضاء'' مخصص للنظافة والصيانة فقط، وقد خصص رئيس الجمهورية غلافا ماليا قدّر بمليار دينار جزائري انطلاقا من السنة الجارية. وعليه فقد يسحب هذا المشروع لصالح مشروع آخر يحفظ ماء الوجه الذي يحرص عليه الجزائريون، وقد لا يكون هناك أيّ بديل ما دام زمن "الانتقام" مفتوح على مصراعيه.