موت على أبواب المستشفيات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ربيع ديركي
أن يعيش الواحد منا في بلد قامت فيه حركة لتصحح ما كان يعانيه شعبه من ظلم وقمع وعدم استقرار يعني أنه يعيش ليرى كل ما هو مناقض لأسس تلك الحركة التي أسست مبادئها التصحيحية على حق المواطن بالعيش الكريم . يعيش ليرى ما مارسته، وما زالت تمارسه، تلك الحركة منذ عقود من تحويل المواطن إلى مجرد ساع وراء رزقه ... مواطن لا قيمة له عليه من الواجبات ما لا يعد ولا يحصى وله في الوقت نفسه من الحقوق ما يملأ مجلدات ومجلدات من الشعارات ... شعارات يعيش الواحد منا ليرى كل ما هو مناقض لها على أرض الواقع، يعيش ليرى كيف تمارس اللامساواة
بأبشع صورها ، كيف يهان المواطن بشعارات ترفع من قيمته ولكنها بالممارسة اليومية تجعله في مرتبة دون مرتبة الحيوان .
هل ما نقوله تجن... هل هو ضرب من الخيال لنحبر به بياض الأوراق ؟ . على العكس من ذلك ، انه حقيقة معاشة يوميا. ففي بلد قامت الحركة فيه على مبادئ تصحيح ما كان قائما فيه ، ومن جملة تلك المبادئ حق أي مواطن بالطبابة مجانا ، حيث شيدت فيه مستشفيات عامة تستقبل المرضى وتعالجهم مجانا هذا ما نسمعه وما يروج له ، أما القائم فعلى العكس من ذلك حيث يذهب المريض المستشفى العام فيجدها تشبه كل شئ إلا المستشفى: المرضى في الممرات ... وغرف محشوة بالمرضى .... الخ والمستشفيات العامة تستقبل المرضى الذين لا يحتاجون إلى عناية خاصة ، أما من هم بحاجة إلى عناية خاصة وحالتهم خطرة فهنا الكارثة حيث الجواب عذرا لا توجد أماكن لاستقبال هكذا حالات والمستشفى - أي المستشفى العامة - غير مجهزة لهكذا حالات .
تخيلوا مريض بحالة مخطرة لا تستطيع المستشفيات العامة استقباله بالرغم من كل ما نسمعه من تخصيص موازنات لتطوير قطاع الاستشفاء العام . فأي عاقل يصدق هكذا أمر ؟ ولكن الأمر ليس بحاجة إلى دليل لأنه حقيقة .
وبالتالي ليس أمام المواطن الذي ظن أنه يستطيع أخذ العلاج الذي يريده في المستشفيات العامة سوى الذهاب إلى المستشفيات الخاصة ، هنا ، وهنا يحس الإنسان ان لا قيمة له ... لا يحق له العيش ... لأن المستشفيات الخاصة لم تقسم اليمين لإنقاذ حياة الإنسان بل أقسمت اليمين على جمع المال على حساب حياة الإنسان .... نعم فقبل ان تتم الموافقة على استقبال المريض في المستشفى الخاص ، وان كان بينه وبين الموت "رمشة عين" ، عليه أن يعرض ما يملكه من قدرات مالية لأن تكلفة إنقاذ الحياة في المستشفيات الخاصة تتجاوز الأعراف والقيم الإنسانية ، فالمستشفيات الخاصة ليست مستشفيات بل هي شركات تجارية تتوخى الربح على حساب حياة الإنسان فان كنت تملك مالا فأهلا وسهلا بك وان كنت لا تملك مالا فلا بأس ان مت على باب المستشفى .
والحال ، ان يمرض الفقير في بلد التغني بحقوق المواطن ، ومن ضمنها حقه بالطبابة ، يعني أن مصيره الموت فالمستشفيات العامة التي تصرف عليها موازنات وموازنات غير مجهزة لاستقبال المرضى الذين هم بحاجة إلى عناية خاصة ، والمستشفيات الخاصة لا تستقبل الفقراء لأنها مستشفيات للأغنياء فقط هم وحدهم من يجب إنقاذ حياتهم أما الفقراء فالموت من أمامهم ومن خلفهم وما عليهم سوى انتظار الأجل .
كل ذلك ، وأكثر ، يجري تحت شعار حقوق المواطن ... وواجبه بالدفاع عن وطنه ... ولكن كلمة المواطن ببساطة شديدة ، وتحديدا الفقير ، يموت على أبواب المستشفيات العامة والخاصة... انه الوطن .... وطن حقوق الأغنياء بالعيش على حساب الفقراء .