مشعوذون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ربيع ديركي
في الألفية الثالثة وبعد أن أصبح العالم، كما يقال ، قرية كونية صغيرة ، وبعد التقدم العلمي في المجالات كافة ، وما نشهده من اكتشافات علمية تظهر مدى عظمة العقل البشري وتكسيره للقيود التي تحد من قدرته ، مازلنا نسمع حكايات وروايات عن معجزات يقوم بها البعض في مجال علاج وشفاء المرضى ، ومنها حكاية فتاة قيل أنها تشفي المرضى الذين عجز الطب عن شفائهم .
بعد سماع حكاية الفتاة ال " دكتورة " قصدناها ليس للعلاج بل لمعرفة أمرها عن قرب ، وهكذا انطلقت بنا السيارة في صباح ذات يوم نحو بلدة ال " دكتورة " وهي بلدة " يائية " تبعد عن عاصمة عربية قديمة حوالي نصف ساعة بالسيارة طريقها معبد ب " فيلات " تشبه التي نراها في الأفلام تظهر مدى الثراء الفاحش لأصحابها ، وقبل الوصول الى الشارع الذي تسكن فيه ال " دكتورة " رأينا حشود المرضى الذين قصدوها من جميع الجهات بهدف العلاج ...
بعد جهد جهيد استطعنا اختراق الحشود ووصلنا الى مدخل " فيلة " ال " دكتورة " التي ما زالت قيد الانشاء حيث اكتظ مدخلها بالمرضى الذين يسألون عن ال " دكتورة " ... الجواب نائمة ...
فجأة ، بعد حوالي ساعة من الزمن البشري فتح باب الصالون وأطل رجل بشر باستيقاظ ال " دكتورة " ... وبدأ التدافع لأخذ موعد ،ولحسن الحظ استطعنا الدخول الى الصالون الداخلي ل " فيلة " ال " دكتورة " ...
صالون فيه تلفزيون مبرمج على قناة فضائية تبث القرآن الكريم ... وعلى جدرانه لوحات منها مكتوب عليها آيات من القرآن ومنها لوحات لمناظر طبيعية ، وفي القسم الداخلي من الصالون توجد " صوبيا " وطبعا تليفون... وال " دكتورة " تجلس في وسطه ومن حولها أهلها....
تناولت ال " دكتورة " وجبة الفطور ومن ثم دخلت الى غرفة تبين في ما بعد أنها غرفة العمليات . وبقينا في الصالون مع بقية المرضى وسط صمت ثقيل تكسره أصوات المرضى في الخارج الذين يحاولون الحصول على موعد من رجل تولى مهمة تنظيم المواعيد ، وبعد السؤال عنه تبين أنه خال ال " دكتورة " ...
وبما أن كل شئ يحل بالمال يمكن بال " مصاري " الحصول على موعد أو تقديمه . استمر الصراخ الآتي من الخارج لساعة من الزمن البشري ومن ثم استتب الأمر وعاد الصمت الثقيل ... ولكن الصمت يكسر بين حين وآخر عندما تحضر والدة ال " دكتورة " لتعلن لمرضى الصالون عن تذمرها مما يجري ..." لا نستطيع النوم..."...." الأولاد لم يأكلوا منذ مدة طويلة طبخة من يد والدتهم ..." الخ وجواب مرضى الصالون " الله يعطيكم العافية ... ويقويكم على عمل الخير ... واجركم عند الله كبير ..." بعد ذلك تذهب والدة ال " دكتورة " الى مكان ما ويعود الصمت ... يفتح باب غرفة العمليات وتخرج ال " دكتورة " مسرعة فترتسم على وجوه مرضى الصالون علامات الاستفهام وعلامات الأمل بقرب الموعد المنتظر، ولكن ال " دكتورة " خرجت لجلب مستحضراتها الطبية ومن ثم تعود الى غرفةالعمليات لأتمام عملها ويعود الانتظار ...
بعد فترة من الوقت تخرج ال " دكتورة " من غرفة العمليات وتطلب من شقيقها الذي يبلغ من العمر حوالي 14 سنة ان " يغير على جرح" مريض... بين عملية ومراجعة يبقى الحال على ما هو عليه لساعات متأخرة جدا من الليل . ولكن ما هي حكاية ال " دكتورة "؟!.
هذا ما حاولنا معرفته فهناك من يقول ان ليلة القدر ظهرت عليها وطلبت من الله أن تصبح دكتورة ، وهناك من يقول ان زوجها كان يضربها ويعذبها وكان يسجنها في غرفة مظلمة وفي ليلة ظلماء استطاعت الهروب من زوجها وجلست قرب " ساقية " ماء فنزل عليها ثلاثة رجال واعطوها قوة خارقة ... وال " دكتورة " في منتصف العشرينات تقريبا .
أما حكاية علاج المرضى واجراء العمليات الجراحية فحكاية ، حيث يتم الأمر ، بحسب المرضى ، على مرحلتين في المرحلة الأولى تأخذ ال " دكتورة " اسم المريض واسم والدته وتستفسر عن حالته وما يعاني منه وتطلب من المريض مراجعتها بعد اسبوع وذلك " لتبييت استخارة " وعلى موجبها تحدد ال " دكتورة " طريقة العلاج إما بالدواء وإما باجراء عملية جراحية أو أن الحالة مستعصية وغير قابلة للعلاج وفي هذه الحالة تطلب ال " دكتورة " من المريض مراجعة طبيب مختص .
هنا سألنا والدة وشقيقة ال" دكتورة " لماذا هناك حالات لا تستطيع ال " دكتورة " معالجتها ؟ ! فكان الجواب ان "الدكاترة الذين مع ال" دكتورة " - والحديث يأتي بصيغة المجهول - اختصاصهم طب عام وجراحة فقط"... أي أنهم اصحاب اختصاصات محددة ولا يتعدون على اختصاصات زملائهم ال" دكاترة " ، وهذا الجواب يعني ان ال " دكتورة " ، كما يقال في العامية ، " ملبوسة من الجن " ، أما العملية الجراحية فلها حكايتها ، حيث ، بحسب رواية المرضى ، يوجد في غرفة العمليات سرير وحقيبة سوداء فيها مقصات ومباضع وصيدلية صغيرة معلقة على الحائط ومكتب خاص لل " دكتورة " ، وعند السؤال عن كيفية اجراء العملية أجمع من خضعوا لعملية جراحية على يد ال " دكتورة " انها تجري بدون دم... وفي بعض الحالات بدون أي اثر لأي جرح ...
وال " دكتورة " ، بحسب الرواية ، تتكلم اثناء العملية عبر السماعة الطبية التي يعرفها الجميع او عبر الهاتف الخليوي... ولكنها تتكلم بصوت منخفض جدا وبلغة غير مفهومة... و" أتخن " عملية لا تستغرق أكثر من ربع ساعة ، حيث ترش أو تدهن ال " دكتورة " مكان العملية بمادة ما وتبدأ العملية وهي تتكلم بلغتها غير المفهومة وبعد الانتهاء تكتب على ورقة خاصة بها بأحرف غير معروفة ومن ثم تطلب من المريض مراجعتها بعد اسبوع وتصف في بعض الحالات بعض الأدوية الخاصة بها وفي حالات أخرى لا تصف شيئا ... وفي اثناء العملية تؤكد ال " دكتورة " للمريض ان ما تقوم به هو قدرة الهية من الله بها عليها وانها مجرد وسيلة لشفاء المرضى ، واذا سألها المريض ان العملية جرت بدون دم وبدون آثار " لقطب " فالجواب انها يد الله أو إن شئت " اسألهم " ......... " دستور دستور من خاطرهم...." من يستطيع سؤالهم .
ونظرا للاحوال المادية والمعيشية الصعبة فان أجرة ال " دكتورة " رخيصة جدا وهي مقسمة كما يلي : استخارة ما يعادل 2 دولار لكل حالة ، واسعار الأدوية تترواح بين ما يعادل 10 و 20 دولار ؛ اما العمليات الجراحية فتتراوح تسعيرتها بين ما يعادل 110 الى 120 دولار ، وطبعا التسعيرة قابلة للنقاش .
تلك هي حكاية " دكتورة " القرن الواحد والعشرين ... " دكتورة " الألفية الثالثة التي اختصرت سنوات دراسة الطب ورمت وراء ظهرها الأبحاث الطبية والأدوية ... " دكتورة " لها مفهومها الخاص عن الطب والعلاج والأدوية ... انه مفهوم الشعوذة الذي لا يعترف لا بالعلم ولا بما " يحزنون" ... وما على المريض الذي سلم حياته لل " دكتورة " سوى اتباع شعوذتها وإن وصل الى حافة الموت ... عليه ان يسمع طلاسمها وهي تجري له عملية جراحية دون ان يتفوه بكلمة . ... نعم في القرن الواحد والعشرين مازال هناك من يذهب الى المشعوذين والسحرة طلبا للشفاء ... وإن ناقشتهم فالجواب جاهز .... يوضع سره في أضعف خلقه ... على هكذا قاعدة توجد مببرات الشعوذة ... وعلى هكذا قاعدة نتفاعل مع ما يحيط بنا من تقدم علمي ونفعل به ... ولكن نتفاعل ونفعل بما لا يعد ولا يحصى من تأخر وتخلف .