ليس دفاعاً عن تفيدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لئيمة هذه الـ"نينا"، وما حُسنيّة سوى باكثر لؤما منها.و حُسنيّة هي الجارة البيضاء الممتلئة، التي تلبس الفساتين الضيّقة فيفيض جسمها عن بعض قطع النقانق الزائدة. حُسنية هذه، تجمع بين اللؤم الخبث والمكر.تطل دائماً من الشباك المقابل لتلقي التحية على سي حسين محاولة اغوائها على مرأى من تفيدة أحياناً... يا للوقاحة، (دي ناس ما تستحيش).
وهنا تطل الفترة الإعلانية لتقطع أحداث الفيلم لدقائق ويطل معها صوت سخيف لامرأة يبدو أنها توجه رسالة إعلانية تروّج فيها للمحطة لي ، الرسالة سخيفة هي الأخرى تدعّي أنه "مش حَ تقدر تغمّض عينيك". مذيعة السخافة هذه تستخفّ بعقلي!؟ هه، ها أنا أغمض عيناي ثم أفتحهما، ثم أغمضهما من جديد وأعيد فتحهما. أشير للمذيعة غير المرئية بإشارة غير بريئة بإصبعي وأنصرف عنها لتعاودني كل تلك الاحداث التي لجأت لمشاهدة تفيدة وحسين كي لا تؤرقني .ما زالت مقابلة وليد جنبلاط والتي جاءت رداً على مقابلة السيد نصرالله قبلها بيومين تستحوذ على تفكيري.
هذا الرجل جنبلاط "لعب بعقلي". قبله السيد نصرالله استمال جزءاً من مخّي أيضاً. الآن من أصدّق؟ أيّ منهما المصيب وأيهما المخطىء؟ ترتد الأسئلة عليّ بنظرة بلهاء شاخصة في سقف الغرفة. أعود وأفكر... ليس من الضروري أن تكون المقاربة بهذا الشكل، في النهاية لست مضطراً إلى تصديق أحد، واضح أنّ كلاً منهما يخفي نوايا ومعطيات لا يريد أن يصرّح بها، وها هما يتلطيان خلف "الأعراض". أول مرة أسمع أن هناك أعراضاً في السياسة، السيد جعل السلاح "عرضه" ورد عليه جنبلاط بأن جعل اغتيال محازبيه "عرضه". بصراحة هذه أعراض وبائية على مرمى حجر من إنفلوانزا الطيور... تنتهي الفترة الإعلانية ويعود عرض الفيلم.
المخرج يريدنا أن نتعاطف مع تفيدة، هذه الحرمة تلعب دور المرأة المغلوب على أمرها، تعطف على زوجها، تفعل المستحيل كي تجعله سعيداً، توقظه صباحاً على على أنغام الموسيقى الكلاسيكية، وتتركه لممارسة رياضته الصباحية بينما تنشغل هي في إعدادا الفطور .
وبعد عودته من المدرسة تستقبله بحنانها الكبير وتغمره بحبّها. هذا الاستقرار العاطفي لا بدّ أن ينعكس على مناحي حياة سي حْسين، فعلى الصعيد المهني هو مدرّس نشيط ومضرب مثل من قبل الناظر بسبب تفانيه وانضباطه، لكنه بدأ منذ فترة يشعر بالفأر يلعب في عبّه. زملاؤه في العمل يلمّحون له برجولته الناقصة، ويشيرون إليه بضرورة وجود أولاد يملؤون حياته بصخبهم، ويمدونه بأسرة وبمعنى جديد للحياة. أمه الـ"نينا" لا ترأف به، فهي ما فتئت "تزنّ" فوق رأسه للزواج من امرأة خصبة، وحُسنية من جهتها لا ترحم، فهي بدأت منذ فترة تتقصد الوقوف عند الباب لملاقاته لدى خروجه من المنزل وعند عودته من العمل، بفستانها الضيّق الذي يسيل له اللعاب ويجعل سي حْسين يبلع ريقه كلما رآها... وها هي الإعلانات توقف الأحداث من جديد، ويعود الفيلم اللبناني.
يتمتّع السيد نصرالله بكاريزما كفيلة بجذبك إليه، سواء كان في حالة الانفعال والغضب أو في حالة الهدوء والتسامح. تشدّك إليه قبضته كما تشّدك ابتسامته، وهو فوق ذلك يتمتع بمصداقية يفتقدها معظم السياسيين، الرجل لم يقف أما رغبة ولده البكر في الاستشهاد كما لم يُعرف عن حزبه مشاركته في أعمال النهب والفساد التي فتكت في البلد طوال عهد الجمهورية الثانية، بعكس وليد جنبلاط الذي عُرف عنه تقلّبه في المواقف، وسكوته عن أعمال النهب خلال الحقبة السورية، واستفادته من مغانم السلطة بطريقة غير مشروعة، أسوة بجميع الذين شاركوا في السلطة. أنا الآن أفكر في النقاط التي تُحسب لكل منهما في إطار المناظرتين الإعلاميتين. أنا أصدّق السيّد عندما يقول إن سلاح حزبه لا يمكن أن يُوجه إلى طرف داخلي بعدما وُجه إلى إسرائيل، وأعتقد أن حزب الله أذكى من أن يفرّط بإنجاز تاريخي، مقابل الفوز مرحلياً في حرب لن تنتهِ لصالح أحد في حال بدأت. يُحسب لحزب الله تصرّفه الحضاري تجاه عملاء إسرائيل في المنطقة المحررة بعد الانسحاب، وفي ذلك دليل على حكمته ووعيه وترفّعه عن الروح الثأرية والانفعال مقابل الحفاظ على "الإنجاز". لا أصدّق وليد جنبلاط في تلميحه إلى علم حزب الله المسبق أو اشتراكه في اغتيال الحريري، سواء مرّت السيارة في الضاحية أو لم تمرّ. يُسجل على وليد بِيك اعتباره العملاء اللبنانيين الذين قُتلوا مع إسرائيل شهداء، وأنحاز في الرأي إلى السيد عندما يقول إن جنبلاط يريد أن يحدث انقلاباً على النظام السوري وأنه يريد من حزب الله الانجرار إلى ذلك، وإن كنت أعارضه عندما يعتبر ذلك نقطة الخلاف بينه وبين جنبلاط. يُسجل للسيد أن أميركا تتدخّل بشكل فاضح في الشؤون اللبنانية، ويُسجل له دعوته إلى الحوار منذ البداية، حتى في موضوع سلاح المقاومة، كما أنه لا دليل على اتهام جنبلاط له بالغدر والتحذير من سلاحه بعدما كان يدافع عن ذلك السلاح. أورد ذلك في عقلي خلال الفترة الإعلانية ليس دفاعاً عن السيد، بل بدافع المنطق والعقلانية، وها هو الفيلم المصري يعود من جديد...
ما زال المخرج يريدنا ان نتعاطف مع تفيدة، وكل ما تفعله حُسنية التي يعرفها كل رجال الحي، هو محاولة سرقة سي حْسين. تفكر أن مفتاحها هو الـ"نينا" التي لا يرفض لها سي حْسين أمراً، لذلك تحاول استمالتها وإقناعها بأنها الزوجة التي بإمكانها أن تهب سي حْسين طفله المنتظر. تنجح في ذلك، وسي حْسين بدأ يقتنع بفكرة الزواج.
من الناحية الإنسانية لا يمكن إلا أن تنحاز إلى تفيدة، المخلصة، الودودة، الجميلة، والعاقلة، والتي لم يهبها الله ما تصبو إليه، ما ذنبها إذاً في ذلك؟ لكن من منطلق إسلامي، من حق سي حْسين أن يتزوج من امرأة أخرى، حتى ولو كانت حُسنية، للحصول على زينة الحياة الدنيا. المسألة هنا هي مسألة نظر. أن تنظر إلى الموضوع من زاوية إنسانية، هو خلاف النظر إلى الموضوع من زاوية الشريعة الإسلامية.
يعود الإعلان، ويعود معه الفيلم اللبناني الذي يدور في رأسي...
لدى حزب الله مبادىء لم يزيح عنها حتى عندما اختلفت الظروف. من حقه في السياسة أن يدافع عن قناعاته وعلى الشعب أن يحكم في النهاية. لكن هل جنبلاط مخطأ في كل شيء؟
لم يتخذ الحزب منحى حيادياً منذ بداية الأزمة. أعلن نصرالله أن النظام السوري حليفه حتى تثبت إدانته. لكن متى تثبت إدانته وكيف، إذا كان النظام السوري لا يتعاون منذ البداية مع التحقيق؟! لا يمكن لنصرالله أن ينكر بأن النظام السوري مشتبه به على الأقل في اغتيال الحريري، مع أن جزءاً كبيراً من اللبنانيين يؤمن أنه الفاعل وليس مشتبهاً به فحسب. فرضاً أنه ثبت ذلك في النهاية، فهل يصحّ لحزب الله الدفاع عن ذلك النظام؟ لماذا لا يحترم مشاعر ذلك الجزء من اللبنانيين الذي يعتقد ويؤمن بأن من اغتال الحريري ليس سوى النظام السوري. لماذا نزل إلى ساحة 8 آذار للوقوف إلى جانب "المشتبه بهم" منذ البداية؟ هل كان مضطراً إلى ذلك؟ لماذا انسحب وزراؤه من الحكومة عندما أرادت الرد على إهانة بشار الأسد لرئيس وزرائها؟ هل كانوا مضطرين إلى ذلك؟ ولماذا يدافع عن السلاح خارج المخيمات، وهو السلاح المعروف بأنه سلاح سوريا في لبنان؟ هل هو مضطر إلى ذلك؟ ولماذا يريد الحزب دليلاً ملموساً على ضلوع النظام السوري في جميع جرائم الاغتيالات التي وقعت على الأراضي اللبنانية ولا يقدم لنا دليلاً ملموساً على ضلوع إسرائيل في الاغتيالات التي طالت كوادره؟ لماذا لا ينظر بمنطق وعقلانية على كيفية تصرف "النظام" تجاه التحقيق منذ بدايته وحتى اليوم، وإلى تصرّف السعودية وتصريحاتها التي فيها أكثر من إيحاء إلى تورّط السوريين؟ لماذا لا يجد في كل ذلك أية مؤشرات؟
يسجل لجنبلاط هنا عروبته ودفاعه عن المقاومة حتى في المحافل الدولية. فلماذا نحيل أي شيء في هذا الوطن العربي إلى إطار النزاع مع إسرائيل؟ يُسجل لجنبلاط قوله "ليتني أستطيع القول إن إسرائيل قتلت والدي"، فهل لدى السيد نصرالله أي شك في أن النظام السوري متورط في اغتيال كمال جنبلاط؟ حزب الله قاتَلَ في مرحلة تاريخية حركة أمل وكانت إسرائيل لا تزال موجودة، فهل من حق جنبلاط سؤال السيد لماذا تركتم إسرائيل وقتها وقاتلتم ضد "أمل"؟
في حال ثبت تورط سوريا بالإغتيال بالدليل القطعي، يكون حزب الله قد ارتكب خطاً بالدفاع عن القاتل على امتداد عام. إن لم لكن الحزب متأكداً من براءة القاتل، ألا يجدر به الوقوف على الحياد إلى أن ينتهي التحقيق والمحاكمة في ما بعد، أم أنه يعد العدة للتشكيك في المحاكمة الدولية منذ الآن، كما شكّك في نزاهة التحقيق وفي نزاهة ميليس؟
تلف الأسئلة في الغرفة وتبقى معلقة في السقف. يعود الفيلم المصري بعد انتهاء فترة الإعلان...
تزوج سي حْسين من حُسنية في النهاية. لكن المفاجأة أنه فيما كانت تتوحّم على المانجو، كانت تفيدة تعلن له أنها حامل وأنها سوف تنجب له. دار رأس سي حْسين بعدما علم أنه ارتكب الخطيئة. لعن الساعة التي سمع بها كلام الـ"نينا".
بعد أشهر عدة تنجب له تفيدة "دستة" أولاد، وكذلك تفعل حُسنية. في نهاية الفيلم يقضي سي حْسين منتحراً من فوق "الكوبري". تنشغل تفيدة في تربية أولادها، وتبدأ حُسنية بالتململ من الأطفال.
ليس دفاعاً عن تفيدة... ففي النهاية لم يربح أحد. الجميع خسروا، بما فيهم الأولاد.