شباب خائف على الوطن يبحث عن الحوار المفقود
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يساريون يتوسطون 8 و 14 آذار
شباب خائف على الوطن يبحث عن الحوار "المفقود"
إن تجربة العقود الأخيرة في لبنان حافلة
بالعبر شرط أن يكون هناك من يودّ الإعتبار.
جوزف سماحة- الآن هنا
عصام سحمراني من بيروت : شباب خائف على وطن هم مجموعة من الشباب اليساري الذي اختار مبنى مدمّراً في منطقة "السوديكو" التي كانت أحد خطوط التماس أيّام الحرب الأهلية اللبنانية، للتعبير بشكل آخر عن الإنقسامات السياسية والطائفية في لبنان. يعتبر الخائفون على وطن أنفسهم مختلفين عن الآخرين ولا يبالون بعددهم الصغير نسبة إلى سكّان تظاهرات 8 آذار و14 آذار. فهو بالنهاية قرارهم الشخصي والباب مفتوح أمام الجميع للإنضمام إلى قافلة التغيير التي يقودونها بثبات نحو زوال الأسباب الموجبة للخوف على الوطن..
"منذ ألف عام حتّى الآن ما زالت المواقف كما هي.. صار لازم مواقف جديدة"، يلخّص جمال حديثه بذلك بينما يشير بيده إلى البيانات التي ألصقها "شباب خائف على وطن" على جدار المبنى المصاب بأعراض الحرب اللبنانية. جمال كان يمرّ من المكان كعادته لكنّه هذه المرّة توقّف تحت الخيمة المبتدعة الصغيرة ليتمعّن في قراءة البيانات بينما كان شباب المجموعة يوزّعون بيانهم الأخير على السيّارات والمارة عند ذلك التقاطع الذي يفصل شقّي مدينة بيروت والذي لم تخل نشرة أخبار من حصاده أيّام الحرب.
ورقة بيضاء ووردة
لا نفضح سراً حين نؤكّد على أنّ الإعتصام ذو طابع يساريّ. وهذا الأمر يظهر جليّاً عبر محورين أوّلهما البيانات التي استقت من أغاني الفنانين اليساريين مكوّناتها كذاك البيان الذي يردّد أغنية لسامي حوّاط تقول، "لا تسألني عن ديني مديون وعايف ديني" أو الآخر الذي يغنّي فيه جوزف صقر لزياد الرحباني، "قوم فوت نام وصير حلام إنّو بلدنا صارت بلد..."
. أمّا المحور الآخر فهو الشباب أنفسهم الذين وإن لم ينتم معظمهم إلى إتحاد الشباب الديمقراطي (المنظمة الطلاّبية المرتبطة بالحزب الشيوعي اللبناني) فإنّهم جميعاً لا يخفون تأييدهم وإنتماءهم الفكري إلى هذا الخطّ.
عربي العنداري بالتحديد هو المؤسّس الأبرز لهذا الإعتصام وهو في ذات الوقت قياديّ في إتحاد الشباب الديمقراطي. يتحدّث عربي بحماسة لافتة عن فكرة التأسيس ويؤكّد في الوقت عينه على أنّها شخصية ومن خارج الإطار الرسمي للإتحاد. والفكرة بدأت بإعتصام صامت من عشرة أشخاص إستمرّ خمسة أيّام في هذا المكان، "الذي اخترناه لأنّ قنّاصاً شهيراً كان يتّخذ منه مقراً أيّام الحرب فأردنا أن يتيقّن الناس أنّ هذا مصير وطننا إذا لم نتحاور" يقول عربي.
أمّا الحوار الذي يتحدّث عنه فهو نفسه، "الذي تدعو كلّ الأطراف إليه ولا تنفّذ!". وقد وجّه الإعتصام دعواته لكافة المنظّمات الشبابية في الأحزاب بالفعل لكنّ "أطرافاً مقرّبة فقط هي من لبّت الدعوة الأولى". أمّا الدعوة الثانية فقد لبّاها جميع الأطراف من فرقاء 8 آذار و14 آذار، "رغم أنّ أمل وحزب الله لم يأتيا بسبب عجقة السير كما اتصلاّ معتذرين!".
وبما أنّ الحوار يحتاج إلى جلسات عديدة فقد تخلّف مجدّداً الفرقاء عن دعوة ثالثة. أمّا الآن وبعد ما يربو على عشرين بياناً أصدرها الخائفون على وطن وبعد عدد من الدعوات للحوار فإنّ عربي يؤكّد على أنّ "الحوار سيحصل حضروا أم لم يحضروا". وسيتوّج النشاط الحاليّ بحفلة مسائية يتخلّى فيها من يريد عن طائفته التي ينتمي إليها رغم إرادته.
أمّا البيانات التي أصدرها التجمّع فقد بدأت في الأيّام الخمسة الأولى للإعتصام بورقة بيضاء بالكامل ممهورة بتوقيع "شباب خائف على وطن"، واستعاروا في البيانات الأخرى التي يعدّونها بعفوية خالصة بأغانٍ يسارية كما ذكرنا. أمّا البيان الأشدّ تعبيراً فقد كان ذلك الذي ترافق مع وردة؛ "تهدى للخصم" يقول عربي وهو يراقب سير توزيع البيانات.
كعك
الإشارة حمراء، تبدأ روان بتوزيع البيانات على الركّاب والسائقين بإبتسامة دائمة تعكس راحتها الداخلية في القيام بهذا النشاط. روان تدرس إدارة الأعمال في الجامعة الإسلامية لكنّ دراستها لم تمنعها يوماً من المشاركة في الإعتصامات التي تستفزّ شخصيتها. تنهي نوبتها وتسلّم المهمّة لشخص آخر خائف مثلها على وطن، "أدعو الجميع للإنتماء إليه لا إلى الطائفة" تقول روان التي لا تخاف من الفشل في مهمّتها هذه حيث، "يجب أن يثابر الإنسان كي يصل إلى هدفه ولو وقع بالفشل مرّات عديدة".
الهدف الذي تتحدّث عنه روان هو الذي يفسّره علي "بعدم العودة إلى الحرب الأهلية". علي يدرس إختصاص الكومبيوتر في الجامعة اللبنانية الدولية وأحسّ كما يقول بالقرف من "نشرات الأخبار والجرائد على أنواعها وفي الوقت عينه لا أستطيع ترك البلد كما هو". علي يركّز على جذب عنصر الشباب إلى التحرّك والحوار، "فالشاب حين يكرّر كلام زعيمه حرفياً يغيب تفكيره تماماً!".
مازن الذي يعمل أستاذاً مدرسياً ينطلق من "الإصطفافين الطائفيين اللذين يمثّلهما تيار 8 آذار وتيّار 14 آذار" ليبرّر مشاركته في الإعتصام. مازن يتحدّث عن فكرة التراكم للدلالة على قدرة التغيير لدى الشباب بشكل خاص. ويجد مازن أنّ الشعب اللبناني بات يعي "ثقافة الفساد بكلّ ما تمثّله من حصص للزعماء ومحسوبيات وغيرها" يقول مازن الذي يدعو الجميع للإنضمام إلى الإصطفاف الثالث الذي يمثّله تحرّكهم المختلف فهو كما يضيف، "إصطفاف لا طائفي يدعو إلى قيام الدولة العلمانية".
فرصة التغيير تلك هي التي حملت حسّان طالب الدراسات العليا في التاريخ في الجامعة اللبنانية للمشاركة "في تأسيس هذا الإعتصام". ويبرهن حسّان قدرة الشباب اللبناني على التحرّك في تظاهرتي آذار الشهيرتين بالذات، "هذا يعني أنّ الشباب يستطيع أن يتحرّك ولو أنّ تحرّكه جاء عن طريق التعبئة الطائفية والحزبية". ويسعى حسّان في هذا الإطار إلى قلب كفّة الميزان لدى الشباب اللبناني من "ألعوبة بيد الزعماء إلى قدرة تغييرية حقيقية" يضيف بنوع من الأمل.
"بدنا ناكل يا شباب" يعلن أحد المعتصمين ذلك فتتراواح الخيارات بين تلك التي لا تتجاوز الألف ليرة. "بنجيب فلافل" يقول أحدهم فلا يجد طلبه إستحساناً لتستقرّ وجبة الغداء لديهم على الكعك (وهو نوع من الخبز المغطّى بالسمسم والذي يمكن أن يمسح بالجبن من الداخل أو يرشّ بالصعتر. والطريقة الثانية هي التي قام بها الشباب). يعلّق عبد على الموضوع وهو يعطيني قطعة من حصّته، "صبح وضهروعشيّة عم ناكل كعك" يقول عبد الذي يشارك في الإعتصام لأنّه مؤيّد لليسار بشكل عام على الرغم من أنّه لم يشارك من قبل في أيّ نشاط حزبي.
"وراهن وراهن والزمن طويل" يقصد باسم دعوة الأطراف اللبنانية للحوار فيعلن ذلك بثورة ويلوّح بيديه في كلّ الإتجاهات. باسم يدرس في الجامعة العربية ويشارك في الإعتصام منذ الأسبوع الأوّل لخوفه على الوطن "من إختباء الشباب خلف اصبعهم وعدم إستعدادهم للحوار". والمميّز في باسم أنّه لا ينكر خوف الأطراف الأخرى على الوطن لكن؛ "بطريقة مغلوطة" يقول باسم الذي شارك لفترة في نشاطات قوى 14 آذار وندم أشدّ الندم على ذلك؛ "خاصة وقت الإنتخابات!".
سامر ذو العشرين عاماً والذي يعمل في مجال الكهرباء يجد أنّ الإعتصام لا لزوم له شرط "أن تتحاور الأطراف فيما بينها فهذه هي دعوتنا في الأساس!". ويؤكّد سامر على حضوره الإعتصام للحوار حتّى "لو كنت من أطراف 8 آذار و14 آذار، بالنهاية لازم نتحاور".وينطلق سامر من نفسه ليبيّن عدم قدرته على التغيير وحده؛ "فيجب أن تتضافر جهود الجميع معنا".
"أنا مرعوب مش خايف بس" يعلن حسن الموظّف في أحد الفنادق ذلك وهو يعلن فشل الدعوات إلى الحوار. ويبرّر حسن الرعب الذي يعيشه بطريقة منطقية تقول "إنّ من لا يبادر إلى الحوار هو من يريد الحرب وهذا ما يحدث حالياً". أمّا الحلّ العاجل الذي يطالب فيه فهو إقرار قانون إنتخابي على أساس النسبية "بالعراق وفلسطين وبعزّ دين الحرب أنجزوا إنتخاابات على الأساس النسبي ليش عنّا لأ!!؟".
كاترين التي تتابع دراسة الفلسفة في سنتها الأخيرة في الجامعة اللبنانية تخاف على الوطن من عودة الحرب أيضاً. وتوجّه الإتّهام في الدرجة الأولى إلى "الإعلام المسيّس الذي يتلاعب حسب خلفيته السياسية بالشباب اللبناني ويسعى إلى تهميش دوره كقوّة تغييرية فاعلة" تستفيض كاترين التي بدأت بالمناسبة بنشر محاولاتها الكتابية في عدد من الصحف والمجلاّت.
عربي، روان، علي، مازن، علاء، حسان، عبد، باسم، سامر، كاترين، حسن، ملاك وآخرون وصل عددهم إلى سبعين شخصاً يمثّلون تحرّك "شباب خائف على وطن" ويشاركون يومياً في الإعتصام. بعضهم يأتي بعد العمل وبعضهم بعد الدراسة وبعضهم كرّس نفسه للقضية هذه دون أن يطمع في دعم مادي من هنا أو توصية ما من هناك. يجمعون من بعضهم البعض ثمناً للتجهيزات البسيطة من شادر وفرش وغيرها. يأكلون الكعك ولا يهتمون فالقضية أكبر من حرقة الصعتر تصيب أحشاءهم حين يبتلعونه. القضية قضية وطن متجه إلى الهاوية كما يرون. هم شباب خائف على وطن لا أكثر. شباب يؤمن بالحوار ويكفر بالعنصرية والطائفية والتعدّدية الكاذبة والتمييز والمحاصصة والمتاجرة بالشعارات والقضايا ودماء الشهداء. شباب يدعو جمال وغيره للإنضمام إليه. يدعو الجميع للحوار من أجل الوطن ذلك الذي ما زال ينحدر منذ تأسيسه ولا من مكابح توقف انحداره.
هم شباب خائف على وطن لكنّه يتمنّى أن لا يخاف يوماً من الوطن.