ملحق شباب ألاسبوعي

الجزائريون ينتفضون مرتين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


نورالهدى غولي : لم يشهد الشارع الجزائري منذ فترة هذا النوع من الغليان الذي يتشهده البلاد مؤخرا ..فانتفض الشباب لسببين مختلفين وان كانا يصبان في خانة واحدة. كلاهما يرتبطان بالشخصية الجزائرية الرافضة للاعتداء ولما يمكن أن يمس شعب مسلم محافظ.في البداية ثار الجزائريون على برنامج ستار أكاديمي وان كان بعضهم اخذ بعين الاعتبار امكانية دعم مواطنتهم ريم غزالي.لكن، وبعد بضع حلقات فقط ارتفعت الأصوات الرّافضة لعرض البرنامج الذي هتك "عرض" الأسرة الجزائرية التي تجتمع كل مساء حول جهاز التلفزيون.. مادامت المدينة مغلقة في الخارج.
وقبل صدور اي قرار، كانت الصحافة الجزائرية تستطلع آراء المثقفين والشخصيات العامة حول عرض مثل هذا البرنامج الذي يفيض رقصا وغناء وأجسادا هيفاء لفتيات عربيات.
من الاجحاف بمكان القول أن الآراء انقسمت بين مؤيد ومعارض وذلك لأنّ معظم المستجوَبين أبدوا تقبلهم لهكذا برامج شبابية ترفيهية . ورغم هذا الدعم "النسبي" إلاّ أنّ العامة ظلت مصرة على رفضه بالكامل، حتى ولو خسرت المرشحة ريم..
ومع انطلاق الشرارة الاولى للرفض سارع المدير العام للتلفزيون حمراوي حبيب شوقي لحسم الموقف مبشرا العامة بأن البرنامج لا يتضمن ما قد يحدث ضررا كبيرا وبالتالي فان على كل من يرفضه تغيير القناة ببساطة .حسنا قد يقوموا بتغيير القناة..لكن ما الخيار الاخر المتاح . فعلى ما يبدو فان شوقي تناسى انه قناته الارضية يتيمة وخيار "العامة" محصور بها . لعله قصد انه على كل من لا يرغب بمشاهدة البرنامج الخلود الى النوم او الاستغفار.
وما هي الا ايام قليلة حتى عاد المدير العام واعلن من بلجيكا هذه المرة قراره بمنع عرض البرنامج.لكن الاستغراب حول "مغير الاحوال " ما لبث ان تلاشى بعد ان اتضح ان قرار المنع هو رئاسي اتخذه رئيس الجمهورية عقب البلبلة والانقسامات حول البرنامج الذي رأى فيه مسا بالهوية الجزائرية.

وهكذا انتهت الحكاية وكأن شيئا لم يكن ..لكن الحال لم يستمر على ما هو عليه لفترة طويلة . فما لبث ان خرج الشعب غاضبا مهانا مدافعا عن نبيه وعن دينه مستنكرا للرسوم الدانماركية المسيئة للنبي محمد.
ارتفعت اصوات الائمة المستنكرة لذلك الفعل الشنيع هذا الذي مسّ خير الخلق لينتفض الشارع الجزائري
بكل ما اوتي من عزم وقوة .
"فداك يا رسول الله".. "بالروح بالدم نفديك يا رسول".. "خيبر خيبر يا يهود.. أمة محمد ستعود".. ارتفعت الهتافات طويلا، وانتشرت الحركات المنددة بين أوساط الطلاب الشباب والعاملين في مختلف القطاعات .
رفضوا مبدأ حرية التعبير الذي اتخذته الدانمارك كذريعة لتبرير فعلتها، كل ما يعنيهم من الموضوع هو الاعتداء على مقدساتهم ..فكانت انتفاضة الرفض .
..يعاني الجزائري بشكل عام من وضع معيشي سيء وما يتبعه من غلاء وضعف في القدرة الشرائية والبطالة والبيروقراطية، وكل هذه الامور لم تدفعه كي يحتج بل باتت وكانها واقع يتقبله بشكل طبيعي .فموضة الاحتجاجات التي كانت سائدة فيما مضى لم يعد لها وجود خصوصا مع اقتناعه بان التغيير يتطلب الكثير من الجهد وفي نهاية المطاف فان احتمالات تحققه ضئيلة جدا .
الا ان هذا الاستسلام لم يسيطر عليهم هذه المرة على الرغم من اقتناعهم بان الحركات الاحتجاجية نادرا ما تحقق اهدافها ، لكنهم اتنفضوا على بكرة أبيهم من أجل قول كلمتهم والمضي بها حتى النهاية ، لم ييأسوا من التغيير.. وإنّما صرخوا بضرورة التصحيح والتغيير.. الامر الذي كانوا قد نسوه أصلا.

في الحالة الاولى المتعلقة بستار اكاديمي اتى الرفض مضاعفا كرد فعل على الصمت والاستخفاف التي قوبلت بها انتقاداتهم للبرنامج .فكانت الغاية تبرر الوسيلة برأيهم وان طالت غير المعنيين بالموضوع. فانقطاع التيار الكهربائي خلال عرض البرنامج قوبل بـ"علي وعلى اعدائي".
اما في الحالة الثانية وان كان المقارنة لا تجوز بين الامرين وغير مطروحة اساسا، فكانت ردود الفعل اشبه بثورة ..تظاهرات واستنكارات شعبية .نسوة يستعدن سيرة الرسول اخرون يصرخون باكيين مستهجنين للتصرف الفظيع الذي يتطلب اكثر من اعتذار باهت للصفح عنه .
ثم اتت حملة مقاطعة البضائع الدانمركية وتردد ان 30 مليون جزائري مستعد للالتزام بهذه المقاطعة ..فالاهانة للمسلمين لم تتوقف عند حدود الدانمارك بل انتشرت وعمت وسائل الاعلام الغربية ..والاصرار على شتم مقدسات الاسلام مهين ولا علاقة له بحرية التعبير التي ما تنفك الدانمارك ترددها كحجة .
يشهد التلفزيون الجزائري حالة استنفار بسبب التغيرات المتسارعة التي طرأت في المدة الأخيرة فبعد قرار إيقاف عرض ستار أكاديمي، أقال المدير العام للتلفزيون حمراوي مدير قناة الجزائرية الثانية الفضائية، بعد أن عرضت المحطة الصور الكاريكاتيرية لثوان معدودة .
هناك بعض الشعوب التي لا تحرّكها إلاّ الضرورة القصوى، لكنها حين تتحرك فان ردود فعلها تكون الاكثر قوة وسخطا والاكثر اصرارا على احداث التغيير . مستجدات كهذه تجعل المهتمين بالأمر يتساءلون: ألن تخفي هذه الدرجة من التطرف شيئا من الوعي والحلم بالتغيير الجّاد؟.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف