الثورة ضد الرسوم بين الحق والعنف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كيف لا ونحن "خير أمة أخرجت للناس " ؟ كيف لا ونحن أذكياء مبصرين لدرجة أننا ندخل القفص بأرجلنا ونقفل الباب خلفنا ونعطي المفتاح للسجان ليرميه في المحيط .ألسنا خير أمة وأفضل خلق الله؟
تعتصرني الحقيقة المرة كل يوم ألف مرة ، ولكن علينا الاعتراف بأننا نستحق لقب شعوب نامية ، ولقد تجلى ذلك في أبهى صورة في تحركاتنا الشعبية ومظاهرتنا الدموية في الدفاع عن نبينا الكريم ، حيث زودنا على الإساءة إساءة أخرى بعد أن تجلى الحقد فينا بصورته الدميمة ، فكانت ردة فعل ، نتيجة نشر الرسوم المسيئة للنبي الكريم ، تجسيدا لدمويتنا وفتح الباب على مصراعيه أمام أعدائنا لإلصاق شتى التهم بنا .
ولعل الجدل الدائر حول الرسومات الكاريكاتيرية التافهة التي نشرتها الصحيفة الدنماركية "يلاند بوستن" حول شخص الرسول محمد (ص )، وما صاحب النشر من غطرسة أوروبية فجة، استدعى ضرورة تلك الاحتجاجات والتظاهرات والتعبير عن رفضنا التام لأي مساس بمعتقداتنا وحرية إيماننا ، إذ لا يجوز السماح بالتعرض لمقدساتنا وعلى أي كان احترام حرية معتقد الآخر ، ولكن ألم يكن الأجدى بنا أن نرتقي بطريقة تعبيرنا عن سخطنا وغضبنا ورفضنا وردنا على الإساءة التي تطاولت على أشرف الخلق ؟
أيستطيع أي شخص من الذين يستميتون ظاهريا في الذود عن ديننا أن يبرر التعرض لحرمات مقدسات الآخرين ؟ هل يستطيع أي واحد أن يبرر حرق الكنائس وانتهاك الأملاك الخاص وتدميرها ؟
بالله عليكم يا ناس هل يستطيع أي أحد منكم أن يقنعني بضرورة تكسير زجاج سيارة مركونة على جنب الطريق ؟ ولا سيما أن نوع وشكل تلك السيارة يشير إلى أنها ملك شخص فقير ؟ من المسؤول عن ذلك ؟ هل هذا يرضي الله؟ هل بهكذا تصرف أرعن تردون به على الإساءة التي طالت الرسول الأكرم ؟
لست مؤمنا بنظرية المؤامرة وخطر المتآمرين ، ولكن كل ما يجري من حولنا يشير إلى أن هناك من ينصب الإشراك لنا ، ولكنه ليس مضطرا لمشاهدتنا ونحن نقع فيها ، فوقوعنا أمر محتوم لا جدل عليه ، يكفيه أن يستلقي على أريكته الوثيرة ، ويمسك الروموت بيده ويقلب الفضائيات ، ليشاهدنا ونحن نحرق أرضنا وما عليها .. يكفيه لهيب نيران غضبنا لإشعال سيجارته وإطلاق ضحكاته بعد أن يذر دخانها ورمادها على عقولنا الفارغة ..تكفيه كل تحركاتنا فخرا واعتزاز بنصره وفوزه على جهلنا .ولكن لو أصغينا قليلا وأقفلنا أفواهنا ، لسمعنا خلف الأثير صوت يأتي من بعيد ،ممزوجا بقهقهات صاخبة ، وهو يقول : كما كان متوقعا ...لقد وقعت الفئران بالمصيدة وها هي تتخبط تحاول الخلاص غير مدركة إنها في كل حركة تقوم بها ، تتسع جراحها ويزيد نزيفها..إلى أن تصبح جثة هامدة..سنسمع ذلك الصوت لو أصغينا لعقولنا قليلا ، وسنسمع أيضا صوت " سامويل هنتغتون " وهو يقول : نجحت ..وأثبتوا هؤلاء صوابية نظريتي ..ويقول ضاحكا :لقد صدقوا أنه فعلا هناك صراع حضارات ، فأخذوا يوقدون نار صراع وهمي ..أجل يا أخوتي برهنا على صدق نبوءة هنتغتون الكاذبة وأخذنا نتصرف كأن ذلك الصراع واقع محتوم.
هل يمكن أن نتعايش معا ؟
ألم يكن بالإمكان جعل قضية الرسوم المسيئة إلى الرسول الأعظم، فرصة تاريخية لنا لتقلب تلك الصورة الممسوخة عنا ونثبت أننا أبناء دين تسامح وانفتاح ؟ ألم يكن الأجدى لنا أن نقوم بحملة احتجاج فكري ، وإطلاق حوار حضاري حول مفاهيم الديمقراطية، وحرية الاعتقاد، والحق في الاختلاف، والتسامح، وليست لحظة عنف لم نجن من ورائه إلا مزيدا من ترسيخ الصورة التي رسمتها للحضارة العربية الإسلامية ، جهات غربية مؤمنة بحتمية صراع الحضارات ؟ ألم يكن يفترض بنا أن نتظاهر ونتفض بطريقة حضارية . بالله عليكم كيف لنا بتلك التصرفات أن نبرهن أننا " خير أمة خرجت للناس"؟
مما لا شك فيه أن تلك التحركات أساءت إلى الرسول أكثر من دفاعها عنه ، بل أساءت إلى صورة المسلمين في العالم وأظهرتهم بصورة أكثر تطرفا ، وجعلت صفة الإرهاب التي سمت أبناء ديننا الحنيف وكأنها واقع ، حيث بررت تلك التصرفات الإجحاف الكبير الذي يلحق بنا.وهنا سؤال يطرح نفسه ، هل تلك التصرفات التي شهدتها كل من سوريا ولبنان وبعض الدول الأخرى تساهم في رد الإساءة عن الرسول الأكرم أم أنها تسيء إليه وإلى ديننا أكثر ؟مما لا شك فيه أن ديننا بريء من أمثال أولئك الذين لا يمتون إليه بصلة وثقى.