أزمة انتماء لا أزمة ديمقراطية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ولكن الملاحظ أن نتائج تلك الانتخابات عبرت عن انتماء طائفي ومذهبي وعرقي أكثر مما عبرت عن انتماء وطني ، بل إن الحملات الانتخابية انتهجت أسلوب الشحن الديني والمذهبي والعرقي ومارست الانتهازية السياسية بامتياز حتى انتهت الانتخابات إلى ما انتهت إليه من نتائج .
ومن الملاحظ أيضا ً أن الناخبين تجاوبوا بشكل كبير مع تلك الحملات الانتخابية وأكدوا أن انتماءاتهم الذاتية أقوى من انتماءاتهم الوطنية أو القومية وأكدوا ( وهذه ليست المرة الأولى ) أن دوائر الانتماء تقوى عندما تضيق لأن المواطن العربي على الأغلب لا يرغب أن يذوب في غيره ولا يقبل أن يكسر حاجز الانتماءات الصغيرة والانخراط في دوائر أكبر لأن أزمة ثقة تكاد تفسد كل حراك سياسي عربي موحد والتجربة مع الأحزاب الوطنية والقومية كانت فاشلة بامتياز فلم تعد تعبر عن ضمير المواطن العربي ولا عن قضاياه فكفر بها وعاد ليتقوقع في طائفته ومذهبه ودينه وعرقه لأنه يجد فيه ملاذا ً آمنا ً يقوى بقوته ويضعف بضعفه .
من أجل ذلك نرى التجربة اللبنانية المكررة بتحالفاتها وأحزابها ورموزها ، ونرى التجربة العراقية التي تفوح منها رائحة الطائفية بشكل لا يبشر بالخير بل ينبئ بدويلات ذات طابع ديني أو قومي ، كما نرى في التجربة المصرية زحفا ً لحزب ديني قد يزيح من الساحة السياسية المصرية حزبا ً وطنيا ً لم يعد على ما يبدو يعبر عن قضايا الناس.
ومع أن التجربة الفلسطينية أكثر تلك التجارب نجاحا ً وأكثرها تميزاً رغم كل ما تواجهه فإنها لن تستطيع لوحدها قيادة السفينة لأنها بحاجة إلى أحزاب وطنية تشكل جبهة معارضة حقيقية وليس سياسية ووصولية كي تلعب دور الرقيب الفعال والايجابي فتكون داعمة لحماس من موقع المعارضة .وبالتالي فإن المشكلة ليست في الديمقراطية بل في الديمقراطيين وليست في شعارات الديمقراطية الجذابة بل في ممارسة تلك الشعارات وتجسيدها والإخلاص لها .
المشكلة الحقيقية تكمن في الصراع بين المواطن العربي ودوائر انتماءاته من جهة وصراع آخر بين أحزاب وطنية فاشلة وأحزاب دينية لا ينتمي إليها إلا أبناء تلك الديانات ، والحل بالتأكيد في انفتاح الأحزاب الدينية واندماجها مع كل الانتماءات لتتحول إلى أحزاب وطنية لتكسر دوائر الانتماء الضيقة التي بقدر ما تريح الموطن العربي في الانتماء إليها بقدر ما تضيق عليه حتى تكاد تخنقه .