تشي مونو

أحمد ديركي: في ليلة أحد مملة خرجت بلا وجهة محددة، واذ بي بشارع فاضت منه السيارات الى شوارع مجاورة له ولوبيع فائض السيارات لاصبحنا من الدول الثرية. انه شارع مونو (شارعللنوادي الليلية والملاهي وسطالعاصمة بيروت).أخذت اتسكع في الشارع وأتلفت ذات اليمين وذات اليسار.وبين اليمين واليسار وقع نظري على صورة رجل ملتح شعره طويل وفوق رأسه قبعة عليها نجمة حمراء، والصورة كما بدت لي من بعيد مألوفة. اقتربت منها ودققت النظر فيها، انها صورة غيفارا واسم الحانة "تشي" ."تشي" في مونو ياللهول ..

أخذت نفسا عميقا ودخلت الحانة ، لعلي أجد فيها ما يختلف عن حانات ومطاعم مونو.إستقبلتني صبية في غاية الجمال والنعومة تضع على رأسها قبعة سوداء عليها نجمة حمراء، وقالت لي: أهلا "ميسيو" هل أستطيع مساعدتك ؟. قلت لها: ابحث عن مكان أجلس فيه. اعتذرت مني وقالت: عفوا لا نفتح قبل الساعة الثامنة والنصف . كانت الساعة حينها الثامنة. خرجت من الحانة وأكملت تسكعي في مونو حتى الساعة التاسعة تقريبا ثمعدت الى الحانة المرجوة.

جلست فيها بكل ثقة وسرور. تقدم نحوي شاب وسيم شعره مرصوص بجانبها بانتظام صارم فلامجال البتة لاي شعرة بالفرار بفعل " الجيل" المتلبد على رأسه ، وعلى قميصه توجد نجمة حمراء. سألني "ميسيو" ماذا تحب أن تأخذ؟ .
و بكل ثقة قلت أعطني الـ"مينو" اذا سمحت. غاب لبرهة من الزمن وعاد بها . القيت نظرة على الـ"مينو" التي تعج بصور غيفارا.

مرتبة بشكل بالغ بحيث تسمح لك وبسهولة قرأة الاصناف والارقام الضخمة الى جانبها والتي تزيد او تنقص وفق النوع .تارة انظر الى "المينو" وتارة الى صور غيفارا المعلقة ايضا على جدران الحانة .
غيفارا يدخن السيجار.. بين العمال والفلاحين .. على جبهة القتال hellip; الخ . ثم عدت بنظري الى الاسعار.قررت في هذه اللحظة ، وبدون أي تردد أن "الهريبة تلتين المراجل"، لا خوفا من الاسعار وحسب، بل أيضا رأفة بغيفارا الثائر على الاستعمار والظلم والمناضل ضد استغلال الانسان لاخيه الانسان ، المدافع عن الفقراء الذين لا يستطيعون مجرد النظر الى هكذا أماكن .

خرجت من الحانة وسؤال يلاحقني كظلي: هل هناك غيفارا للاغنياء وغيفارا آخر للفقراء؟ ربما فنحن نعيش في زمن التناقضات. زمن تحمل فيه الديمقراطية على ظهر الدبابات، وتقصف القرى والمدن بصواريخ " الحرية" من طائرات " اف 16" ومروحيات "الاباتشي"، وتحرر بلاد من طاغيتها على يد جيش محتل. نعيش في زمن ترتكب فيه المجازر يوميا بحق شعب بكامله تحت.وبحجة دفاع الكيان المحتل العنصري عن نفسه يمنع صاحب الارض من حقه بالعودة الى وطنه ويرغمه على البقاء في بلدان الشتات تلاحقه صفة اللاجىء اينما ذهب. نعيش في زمن يحق لنا فيه أن ننتخب من يريده شرطي ما يسمى بـ " النظام العالمي الجديد " والويل ثم الويل لنا ان انتخبنا من لا يريده الشرطي. عندها يهدد بقطع المساعدات وبالحصار وكل أشكال القمع والظلم hellip; كل ذلك يجري وأكثر في نعيم ديمقراطية القرن الواحد والعشرين " الديمقراطية العسكرية". وفي كنف أنظمة أفقرت شعوبها بتجهيز جيوش جرارة على أهبة الاستعداد لابادة وقمع شعوبها وليس لمحاربة العدو المحتل . أنظمة مستعدة لتقديم أي شيء الا التخلي عن عروشها. وان انتقدنا ممارسات شرطي العالم وكشفنا اهدافه صنفنا تحت راية الارهاب أعداء الحرية والديمقراطية والانسانية، وان انتقدنا ممارسات المجموعات والمنظمات الاسلامية "الاصولية"-والاصولية بمعناها الديني بريئة منهم ومن ممارساتهم اللانسانية براءة الذئب من دم يوسف - صنفنا في خانة الشيطان الاكبر وعندها حل سفك دمنا في الدنيا وفي الآخرة نصيبنا جهنم وبؤس المصير، وبذلك انطبق علينا المثل الشعبي "لا مع ستي بخير ولا مع سيدي بخير". وعليه، ليس غريبا ان أصبح "تشي" أو غيره، اسم حانة أو ماركة "جينز" أو عطر hellip; لاننا نعيش في زمن أصبحت فيه شعوب العالم سلعة تجارية تباع وتشترى، نعيش في زمن يهجّر فيه الانسان ويقتل ويهان ... يقمع ويسجن بإسم الدفاع عن حقوق الانسان.