ملحق شباب ألاسبوعي

عزيزي ..حلال المشاكل

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



عزيزي ..حلال المشاكل
موضة شكاوى بريد القراء

نورالهدى غولي:"عزيزي القارئ.. أنا هنا من أجلك، لا تتردد في الافصاح عن المشكلة التي تؤرّقك وسأكون خير عون لك. تأكد أنك سترتاح مرتين: مرة لأنّك بحت بهمّك وتخلّيت عن ضغطه المسيطر عليك، ومرة لأنك ستجد عندي النصيحة التي تسندك. أنتظرك، فلا تتردد.."!.
"بريد القراء"، "أنت تسأل ونحن نجيب"، "بوحكم وإصغاؤنا".. هي زوايا لا يمكنك إلاّ ان تصطدم بها في النشرات الدورية التي تعد القرّاء بحضورها المكثف والدائم.
تختلف هذه الزوايا شكلا وضمونا فتجد فيها الكثير من التساؤلات الشخصية والهموم المرمية على عتبة الأوراق.
ولعل أبرز سماتها هي الاسماء المستعارة التي وفي معظم الاحيان لا تحدد الجنس الحقيقي للمرسل، وان كانت بشكلها الذي هي عليه تفضح إقبال الفتيات الكبير مقارنة بالاقبال الخجول للذكور _ظاهريا على الأقل_.
قد تتكرر القصة اوالمشكلة احيانا بصورة غريبة، لا تختلف سوى الأسماء والفترة التي وقعت فيها الأزمة.. وطبعا لن تجد الحل معادا حتى لا تفضح الخيوط المتشابكة مع كل بوح مرسل إليهم!.


وقد تمتد مشاكل القراء على صفحتين أو ثلاث حسب الرّهان الذي تعقده المطبوعات الصادرة على مثل هذه الأركان على نسبة القراءة والمتابعة اعتمادا على "حشريةط الناس التي قد تدفعهم الى قراءة المشكلة لمعرفة مصائب الاخرين .ومن هنا تتحور "فردية " المشكلة لتصبح اكثر عموما من خلال اسقاط هم الاخر الذي يشبه هم القارئ وبالتالي ويغدو الحل المنشور مشاعا _وان كان موجه إلى شخص واحد..وكأنه نصيحة عامة تقدم للجميع دون استثناء ينتصح بها من هو غارق في "شبح" اللعبة ذاتها، وقد يخزّنها آخر في ذاكرته عله يستفيد منها ذات ورطة تحل به..

صور بالأحمر والأسود، أشكال مرسومة لقلوب تنزف _ لا أدري بماذا؟_ طيور ترتفع في سماء رمادية، وهامش ضيق جدا متروك بين الأسطر، قد يتفنّن مخرج الصورة أكثر فيقذف بصورة فتاة مكتئبة تلتفت نحو العدم، فيما يمد شاب _ملامحه غير واضحة_ يده إليها، في تأكيد لمعنى الإنقاذ والمساندة..وغيرها من لقطات .

للوهلة الاولى يبدو معدّ الصفحة محلل نفساني أو اختصاصي في علم الاجتماع الذي تشعر وكأنه يمنحك رؤية جديدة لزاويتك المحدّدة سلفا بالعرف والتقليد خالقا صداقة ورقية غريبة مع "المتورط" في مشكلة معينة. ينصحه ويعده بمتابعة وافية لمشكلته، وحتى وإن لم تعرف هذه المشكلة انفراجا فإنّك لن تجد رسالة جديدة من الشخص ذاته، لا لأنّه توصّل إلى حل بعد اقتراح المجلة، بل لأنّه سيبدو قليل الصبر في حال عاود ارسال المشكلة ذاتها الى الزاوية نفسها . فيتنازل عن كل شيء بانتظار حل يهبط عليه من السماء، أو اخر يدرسه بطريقته الخاصة!

يعتبر المراهقين الجمهور العريض لهذه الزاوية فهم عادة ما يبتعدون عن مواجهة المشاكل أو طرحها للأهل وجها لوجه، فيختبؤن خلف أسماء مستعارة أو خلف الأحرف الأولى من أسمائهم من أجل التمويه.فلو امتلك اي منهم الشجاعة يوما على كتابة اسمه كاملا لما اضطر الى مراسلة "حلال المشاكل" بل كان عرض مشكلته مباشرة على من هم اقرب اليه .القسم الأكبر من شريحة المراهقين تحتكره الفتيات اللواتي يتخبطن في مشاكلهن وتغيراتهن الجسدية والنفسية والفيزيولوجية من دون التفاتة او انتباه كاف من الاهل..والحل هو هذه الزوايا .

لم يكن في بداية المطاف من سبيل للإفضاء بمثل هذه الهواجس سوى الصراخ وافتعال الشجار أو بمحاولات انتحار فاشلة في الغالب، بعدها وجدت "المتعلمات" هامشا يمرّرن من خلاله مشاكلهن النفسية وأمورهن العاطفية التي كانت تسدّ مطباتها أبواب الفرح عندهن.. فكانت أوراق المجلات والجرائد هي الحضن الوحيد السريّ لمثل تلك الأشياء العالقة.. وفيها وجدن نافذة للإصغاء والنصح.

مما لا شك فيه أنّ حال الفتاة لم يعد بالشكل الذي كان عليه قبل ذلك فلقد تغيرت الاطر التي كن يحكمن من خلالها سابقا وابتعدن عن حافة الفردية والتقوقع إلى الانفتاح على الآخر والبوح بما يعتريهن بكل صراحة لأنّه لم يعد هناك ما يستحق أن يخفى أو أن يخجلن به ومنه..
وعي الأمّهات والآخر _بصفة عامة_ سمح بالتقليل من تلك النسب التي كانت ملفتة فيما مضى، كما أنّ قنوات الاتصال الآن صارت من الكثرة بمكان، بحيث يسهل معها طرح مشاكلك دون أن تشعر بالحرج، الحلول الموضوعة سلفا وفّرت على الكثيرين طرح السؤال أصلا، صارت الحصص التلفزيونية، الإذاعية والمواقع الالكترونية تترصد هوامش المشاكل وتحاول التنقيب عن حلول لها، مع تقديم نماذج حقيقية لا تتردد في الكشف عن هويّتها عكس ما كان عليه الواقع من قبل.

فلنتصور الحركة الطبيعية لفعل الشكوى الكتابية.. يضيق الشخص بمشكلته يفكر في المراسلة، يكتب "قضيته" وينقّحها، يبعث بها إلى الجريدة أو المجلة الراعية لمثل هذه الهموم، ينتظر وصول رسالته.. ويتوقع عرضها في كل مرة، لا يجب أن لا يفوّت أيّ عدد من الأعداد، وإلاّ فإنّه لن يعرف الحل السحري لمشكلته..! وسيكون شطط هذا "الماراتون" أكثر من شطط المشكل في حدّ ذاته.
يمكن الإشارة الآن _لحسن الحظ_ إلى أنّ جو الأسرة يقترب كثيرا من فضاء الصداقة بين أفرادها _وهذا ما يجب أن يكون_ فلا مناص من أن يكون البيت هو الوعاء الأول الذي يمتص مثل تلك الأحاسيس المشبعة بالحيرة والضياع، ولأنّ كثرة الضغط تولّد الانفجار، فإنّ الصمت عن هكذا حالات سيؤدي لنتائج عكسية غير مضمونة العواقب. وتبقى دائما "الوقاية خير من العلاج"..

وشوشات وهمسات كثيرة ترتفع هنا وهناك بين الشباب والصبايا، الكل يبحث عن ذاته، يطرح المشكلة وسط الجماعة وينتظر حلا سريعا، هو لن يحتمل انتظار رأي شخص غريب مجهول عبر المراسلة، يسدي له نصائح لا يدرك تماما إن كانت ستنفعه أم لا؟.. قد يحاول _ كاحتمال آخر_ معرفة برجه وصفاته الرئيسة له، أن يعرف نوع الدواء الشافي لعلة جسدية تسكنه.. أن يسأل على الهواء مباشرة انشغالات فقهية ودينية، قد يناقش أيضا العناصر المكوّنة لطبخة شعبية، لكنّه لن يغامر بإرسال مشكلته العاطفية أو الشخصية لجريدة أو مجلة ترغمه على انتظار تكهناتها..! ربما هذه واحدة من فضائل التكنولوجيا علينا، وفي انتظار ما ستسفر عنه من جديد لاحقا.. كل "بريد" وأنتم بألف خير.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف