شريعة الغاب في مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عندما تكون القوة هي لغة التفاهم الوحيدة
شريعة الغاب في مصر
ولم يكن تصرف الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد المخلوع باصطحاب مجموعة من أنصاره واقتحام المقر بقوة الأسلحة النارية سوى الطريقة التى باتت معتادة لانتزاع منصب أو الفوز بحصانة فى بلد السبعين مليون نسمة .
فاللجوء الى القوة واعتماد شريعة الغاب لم يعد مستغربا ، بل بات أمرا متوقعا عند انطلاق شرارة الخلاف بين طرفين حول منصب عام ، خاصة وان المصطلح الأخير لا يهدف الى خدمة الجماهير بقدر ما يهدف الى المظاهر والسعي الى استغلال النفوذ الذي تمنحه السلطة .
وأمام هذا النفوذ وتلك المظاهر يهون كل شيء حتى ولو كانت دماء عشرات من الأبرياء الذين لا ذنب لهم .
كان بالفعل مشهدا مروعا ولن يغيب عن ذاكرة المصريين ربما لسنوات طوال . جمعة يقتحم مقر الحزب ومعه عصبة من رجاله شاهرين الأسلحة النارية والبيضاء مصممين على المضي قدما فى طريقهم حتى وان كان الثمن اطلاق الرصاص الحي على الصحفيين العزل المتجهين الى مقر عملهم في الجريدة الناطقة بلسان الحزب .لم يتمالك البعض نفسه فأخذ يبكي كالأطفال عندما شاهد زملاءه يسقطون الواحد تلو الآخر برصاص المقتحمين .حولوا مقر الحزب الى ما يشبه الثكنة العسكرية ، الداخل مفقود والخارج أيضا مفقود . أكثر من 23 شخصا بين صحفي واداري يرقدون الآن في المستشفيات بعضهم فى حالة خطرة لا لذنب اقترفوه سوى أنهم قرروا الذهاب الى عملهم كما كل صباح ، وعندما فوجئوا باحتلال مقر عملهم أصروا على الدخول رافضين الخضوع أو الاستسلام فسقطوا على الأرض برصاص الغزاة لتظل قامتهم مرفوعة في السماء .
احتاجت لجنة شؤون الأحزاب لنهر من الدم فى معقل الليبرالية المصرية لتحسم الصراع الذى ظل محتدما طيلة خمسة أشهر متتالية . صمتت لجنة شؤون الأحزاب دهرا ونطقت كفرا، فقرار الاعتراف بنتائج الجمعية العمومية لا يدخل ضمن صلاحياتها ولكنه جاء بمثابة محاولة يائسة لاخماد النيران المشتعلة فى قلوب الجرحى وذويهم وفي قلوب ملايين المصريين الذين هالهم ما رأوه على شاشات التلفزة. الوقوف الى جانب جبهة الاصلاحيين فى الوفد مقابل دماء الصحفيين .. هكذا ارتأت لجنة شؤون الأحزاب . مقايضة قد تكون جيدة بالنسبة للبعض ولكنها قطعا ليست كذلك لمن فقد ساقه أو يده أو اضطر للتنازل عن جزء آخر من جسده فى تلك المعركة التى كتب عليه خوضها دون أن يكون له فيها ناقة ولا جمل . لكن وكما يقال ليس باليد حيلة ..فما هو فاعل الان ؟ . لا شيء فعلا سوى ندب حظه العاثر الذي أوقعه فى بلد لا تعترف الا بالقوة كلغة تفاهم وحيدة .ولا يملك ..ولا نملك نحن معه ، سوى الصبر والدعاء الى الله كي يرفع البلاء عنا .. ولأن السماء لا تستجيب للضعفاء فلن يكون أمامنا سوى الاستسلام لشريعة الغاب ودراسة قوانينها علنا نلجأ اليها يوما عندما نتأكد جميعا أنها لغة التفاهم الوحيدة في أرض الكنانة !!