أخونا.. الإرهابي!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حين يختلط حابل التسميات بنابلها
"أخونا".. الإرهابي!
قبل أكثر من عقد كانت الصورة نفسها اكثر نصوعاً ونقاءا ، ولكم أن تتصوروها: رجل ملتح - مهما كانت نوع لحيته - يلبس "القميص" او النصف ساق ، نظيف جدا..ملامح الطيبة تشع من وجهه، ودون أيّ مجال للتكهن ستدرك أنّ هذا الشخص رجل مؤمن حدّ النخاع و"يخاف ربه". مباشرة تطمئن إليه وتدرك أنّك أمام حالة خاصة من الهدوء والطيبة.
سنوات الإرهاب والعنف المجاني في الجزائر أدخلت أنماط البشر في دوامة لم تعرف استقرارا حتى بعد استباب الأمن والسلم في الوطن فقبل ذلك كان تمييز نوع الأشخاص والتعرف على توجهاتهم بالسهولة ذاتها التي تستطيع بها تحديد توجهك أنت فقط من طريقة اللباس..واللحية!.
مباشرة عقب أزمة إيقاف المسار الانتخابي وما تلى الحادثة من تداعيات عنف كان أسوءها إرسال الاف الشباب إلى المعسكرات التي أقيمت في صحراء الوطن، وفي تلك الفترات العصيبة والمتسارعة الوتيرة لم يكن هناك من معيار لمعرفة ما أطلق عليهم بـ (الإسلاميين) النشطين في تيارهم المحظور عدا المظهر.. والمظهر وحده.
هيئة الشخص كانت فوهة بركان تحرقه في احيان وتنقذه من حمم "الصورة " في احيان اخرى . الأمر الذي دفع بالشباب إلى التخلي الإجباري عن هذا النوع من الأقنعة التي صارت تفضحهم مادامت التهمة جاهزة سلفا. فما أسهل أن يتخلى الشخص عن لحيته و سرواله - نصف الساق - مقابل أن يضمن عدم التعرّض له.
"أخينا"..هي كلمة تدل على ان الشخص المعني متفقه في الدين الإسلامي وان كانت لا تعني ذلك في الواقع .فقد يكون ذلك الشخص يهوى ذلك النوع من اللباس ويطيب له السواك والمسك كنوع من الطيب.. أمّا غير هذا فلا شيء يضمن لك صفة التفقه، وهنا يكمن منبع الخلل دائما..!
"المظاهر خادعة".. مثل فرنسي يحفظه كل الجزائريين ومع ذلك لم تقيهم حكمته من الوقوع في شرك المظاهر الخادعة دائما.
فنظرة واحدة لشخص ما تجعل منك فصيح قادر على سرد تفاصيل توجهاته وارائه كما لو تعرفه من سنوات ..وكلها استنتاجات قد تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة .
اما اليوم وعلى الرغم من ان حدّة تلك التسميات والصفات المشاعة قد خفت، إلاّ أنّ الحديث ما زال ينساب عفويا بين الألسنة.. كل ملتح ومرتد للعباءة بطريقة خاصة هو "أخينا" بتيار لا يمكن أن يخطئوا فيه.. لأنّهم صاروا الآن يميّزون بين "لحية" الموضة و"لحية" الإسلاميين التي تضاف لها عدد من البهارات لتعطي الانطباع الصحيح عن الفكرة.
الامتياز الوحيد الذي يجعل من المعادلة عادلة الى حد ما على الرغم من ارتباطها بمثل هذه الأشياء البسيطة، هو أنّ القدرة على التمييز صارت أكثر دقة من السابق حيث كانت مسيرة بهول سنوات القتل والعنف. فاليوم وإن قيل عن شخص ما "أخونا" ، فلا يعني ذلك بالضرورة أنه "إرهابي" كما كان الأمر شائعا من قبل.
ارتباط صفة الإرهاب بشخص متدين جدا انعدمت حاليا وإن كانت قد استغرقت سنوات طويلة من الهدوء والاستقرار لتصل الى ما هي عليه اليوم . وبدأت الصورة القديمة للرجل الطيّب الهادئ تضمحل شيئا فشيئا ولا يمكن أن يكون مراهقي الحافلة مجرد استثناء نظرا للخلفية القائمة في الأذهان، مع أنّهم لحقوا بالشطط الأخير من تلك الحرب المرعبة.
ليس من السهولة بمكان نسيان الألقاب في الجزائرإذ ّ ان الثقافة الشفوية باتت المصدر الوحيد تقريبا للتعامل والتواصل .وعليه فان تجاوز لقب مرتبط بفئة معينة قامت بأشياء فظيعة بحق البلد سيكون خطوة جبارة لذاكرة الوطن والشعب كاملا.
فالحريّة الشخصيّة ترتبط بشكل اساسي بهذه التفاصيل الدقيقة التي قد يؤدي اهمالها الى انقلاب خطير لم يحسب له أيّ حساب.. وتجربة التسعينات افضل دليل على ذلك .
ولعل اسوأ ما في هذه القضية هو المجازفة في التصرف والقول بغض النظر عن التحولات التي تصاحب الأمر، لم يكن هناك من سبيل آخر في البداية سوى الانتقام اللّفظي على الأقل.اما الآن وبعد محاولة تجسيد ميثاق المصالحة الوطنية والمضي نحو الانفراج بكل هدوء وأنّ كان هناك بعض الكفّات غير المتوازية التي صارت ترى في فكرة "النسيان والصفح" اكثر مما يستحقه هؤلاء الذين قاموا عاثوا ببلدهم واقرانهم وشعبهم قتلا .
..في النهاية نزل المراهقان في المحطة التي ابتغياها.. لم يكن "أخونا" بالسوء الذي خيل اليهم . كان شخصا دمثا لا لأنّه بلحية زائدة وعباءة ولكن لأنّه يؤكد أن بين جميع الناس هناك القبيح وهناك المليح.. بغض النظر عن أي شيء آخر.