ملحق شباب ألاسبوعي

المدونات المصرية.. عالم خاص

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالرحمن مصطفى: على الرغم من أن مصر تضم أكـبر عدد من مستخدمي الانترنت في الوطن العربي إلا أن هذا الرقم في واقع الأمر لا يعبر إلا عن 6 % فقط من تعداد المصريين، وذلك حسب دراسة أعدتها وزارة الاتصالات والمعلومات المصرية العام الماضي 2005، وأشارت تلك الدراسة إلى أن الشباب المصري يمثل نسبة كبيرة من مستخدمي الانترنت في مصر، وأن غالبيتهم يستخدمها سعيا وراء المجالات الترفيهية كالمحادثة وتحميل الأغاني والأفلام..الخ .

غير أن أقلية من هؤلاء الشباب قد قرروا استخدام الانترنت في مجالات أخرى غير تقليدية مستغلين فكرة المدونة في سعيهم هذا. والمدونة هي مساحة إلكترونية على شبكة الانترنت أشبه بالمواقع الشخصية، وكلمة مدونة في الأصل هي ترجمة حرفية لكلمة (Blog) الإنجليزية، التي تجمع كلمتي Web log بمعنى (سـِجـل الشبكة)، وهناك مواقع على شبكة الإنترنت تقدم للزائرين فرصة تملك مدونة خاصة بهم دون مقابل، مع إعطائهم حرية تحديد شكل المدونة الخاصة بهم، كي يسجلوا فيها أفكارهم وانطباعاتهم وكافة كتاباتهم، سواء كانت معلومات مفيدة للزوار، أو تنفيس عن أحاسيس مكبوتة أو تعليقات على مشاهدات يومية. ففي النهاية يتحدد مسار المدونة حسب اختيار صاحبها، وتتميز بخاصية التعليقات التي يترك فيها المعلق - غالبا - رابطا لمدونته الأصلية، كي يزوره القراء، ولكن.. يبقى هنالك استخدام أخير للمدونات، وهو ممارسة السياسة عن طريق التدوين..!

التدوين والسياسة

عندما ظهر التدوين في الغرب استخدمه بعضهم لأغراض سياسية، حين قام بعض النشطاء باستخدام المدونات كأبواق دعاية لصالح أحزابهم السياسية وأيديولوجياتهم، أو للدفاع عن مواقف سياسية يؤمنون بها، غير أن السياسية أحيانا ما تظهر أيضا كضيف شرف على المدونات غير السياسية اذ تظهر داخل كتابات ذاتية لا تهدف لطرح أي خطاب سياسي، ومثال على ذلك المدونات التي سجلها عدد من الجنود الاميركيين عن يومياتهم في العراق، أو تلك التي كتبها بعض العراقيين يحكون فيها عن معاناتهم اليومية قبل وبعد الاحتلال، فكلا الفريقين كان بالدرجة الأولى يسجل همومه ولا يسجل ارائه السياسية .

ولم يختلف الوضع كثيرا في مصر، فقد استخدمت بعض المدونات لأغراض سياسية، حيث أن حالة الفوران السياسي التي شهدتها البلاد في العامين الماضيين، وما صاحبها من ظهور حركات معارضة نزلت إلى الشارع المصري بالمظاهرات والاحتجاجات، كانت سببا في طرح مادة يتم دوالها في المدونات .
ولما كان بعض الشباب عنصرا فاعلا في تلك الكيانات السياسية المعارضة، وبعض المستقلين الذين يسعون وراء الحقيقة بكاميراتهم بعيدا عما يبثه الإعلام التقليدي هنا وهناك، جاء التدوين بالنسبة لهؤلاء بمثابة النجدة، ليدونوا في مدوناتهم الشخصية عن حياتهم وطموحاتهم وعن مغامراتهم داخل التظاهرات، أو داخل بؤر الفتن والمصادمات .

هيثم.. صاحب مدونة جار القمر كان في قلب الحدث عندما وقعت المصادمات الأخيرة بين المسلمين والمسيحيين في الإسكندرية، وأتى بصور إنفرد بها في ظل ثقل حركة طاقم الفضائيات وسط العنف الدامي هناك، أما نورا يونس صاحبة الموقع الذي يحمل اسمها، فقد تخطى موقعها حدود كونه مدونة تقليدية، لنجد كاميراتها تصور أحداثا مهمة كان أخرها الأحداث الملتهبة لمصادمات الأمن مع المتظاهرين المحتشدين وسط القاهرة والمؤيدين لاستقلال القضاء، وكانت نورا قبل عدة أشهر قد لاحقت بعدساتها ما وقع عند فض اعتصام اللاجئين السودانيين بالقاهرة.

على صعيد اخر فقد استخدم بعضهم مدوناتهم كصحف الكترونية، مستغلين ميزة التوغل وسط المدونين والفوز بمساحة على الشبكة بأقل تكلفة مادية، منهم وائل عباس رئيس تحرير جريدة الوعي المصري التي نجحت في تغطية العديد من الأحداث بصور من قلب الحدث، وبلغة أكثر جرأة وغير تقليدية، وكانت الفترة الماضية قد شهدت اعتصامات ومظاهرات قوية في القاهرة، ونجح وائل في تغطيتها بشكل حرفي جريء، لكنه لم يخف - مداعبا قرائه - قلقه وهواجسه من قرب اعتقاله بعد سقوط عدد من المدونين في قبضة السلطات المصرية واعتقالهم أثناء قيامهم باعتصامات وتظاهرات مؤيدة للقضاة، حتى انه وصف حالته بأنه قاب قوسين أو أدنى من الاعتقال.

أما علاء سيف الدولة الشاب ذو الأربعة والعشرين عاما، فهو أسطورة التدوين المصري، والحائز هو وزوجته منال على جائزة مراسلون بلا حدود الخاصة كأفضل مدونة لعام 2005 في المسابقة التي تنظمها مؤسسة "دويتشه فيله" الإعلامية.. ويعود الفضل لعلاء في جمع عدد كبير من المدونات المصرية داخل موقعه
www.Manalaa.net ، داخل قسم في موقعه أسماه مجمع المدونين المصريين، ولأن علاء من أسرة لها باع في العمل العام، ووالده محامي حقوقي، وأمه أستاذة جامعية تهتم بالشأن العام، وإلى جانب كونه ينتمي إلى الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، فقد انعكس ذلك على موقعه الالكتروني الذي أخذ يسجل فيه تفاصيل التظاهرات ودقائقها، ومواعيد الأنشطة المرتقبة وتسجيلها على الموقع، ليتآزر معه المدونين المؤمنين بفكر التغيير عن طريق المظاهرات والاعتصام، وشكلوا طبقة مهمة جدا داخل وسط المدونين المصريين، رغم كونها لا تكون أغلبية المدونين .

ويتسم موقع منال وعلاء، الذي تحول إلى بيت أمة المدونين المصريين- حسب تعبير احد المدونين - بأن الموقع يسمح بالنقد الحاد، ويستخدم ألفاظا حادة يراها البعض غير مقبولة، غير أنه قد نجح في إتاحة هذا المناخ للمدونين المصريين.. مما أعطى المدونات المصرية شكلا أكثر تحررا عن البقية.

وبعيدا عن موقع منال وعلاء .. فقد حاول البعض القيام ببعض الخطوات التي تعبر عنهم ككيان مصري مستقل، فقامت مجموعة منهم على سبيل المثال بإصدار "بيان مدوني مصر" في شجب أحداث كنيسة محرم بك التي وقعت بين المسلمين والمسيحيين، ويحاول بعضهم الآن تشكيل مؤسسة تنويرية إصلاحية، إلا أن تلك المبادرات مازالت على نطاق ضيق ومحدود .

مجتمع المدونين

ويعيش مجتمع المدونين هذه الفترة حالة من الحزن بعد الاعتقالات الأخيرة التي تمت لبعض النشطاء السياسيين من المدونين الذين كانت لهم مكانة في مجتمع المدونين، ويكاد المرء لا يمر بمدونة إلا ويجد إشارة إلى تلك الأحداث من قريب أو من بعيد، إن لم نجد ملصقا أو شعارا داخل المدونة يطالب بالإفراج عمن اعتقلوا ، وكانت صدمة لكثير من المدونين وزوار موقع منال وعلاء عندما وقع علاء سيف الدولة رهن الاعتقال هو وآخرين أثناء تظاهرهم تضامنا مع القضاة الذين يجرى التحقيق معهم الآن، وذلك رغم اختلاف الكثير منهم مع فكر علاء ونهجه، إلا أن مجتمع المدونين يؤكد دوما انه ينسى أية اختلافات وقت الشدائد، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالمدون كريم عامر عندما تم القبض عليه بسبب بعض مقالاته المسيئة للدين الإسلامي، وقف معه كثيرون من المدونين مطالبين بالإفراج عنه رغم اختلاف البعض منهم مع ما كان يكتب، وعلى الجانب الآخر.. وقف بعض المدونين أيضا بجانب أبو إسلام أحد نشطاء الإنترنت الإسلاميين بغرض الإفراج عنه رغم اختلاف الكثيرين مع نهجه وأسلوب كتاباته .

ونلاحظ في كتابة المدونين مؤخرا حالة من مراجعة الذات بعد سقوط أصحاب المدونات الشهيرة وعلى رأسهم علاء سيف الدولة، ولم ينقطع اتصال هؤلاء عن أولئك، فمازالت بعض مدونات المعتقلين تعمل بواسطة أصدقائهم في الخارج، وقد أرسل بعض المعتقلين منهم رسائل مكتوبة من داخل معتقلهم وتم نشرها ، وما زالت منال زوجة علاء تدير موقعهما وتتابع مجمع المدونات المصرية رغم صعوبة الظرف الذي تمر به .

بل الأكثر من هذا أن نشاطا ملحوظا بدأ يظهر بين بعض المدونين.. وبدأ أفراد منهم في الكتابة عن المعتقلين -باللغة الإنجليزية- للتعريف بهم، وإقامة مدونات تحمل أسماء المعتقلين وسبل مساندتهم، خصوصا بالمساندة الالكترونية.. وظهرت منال حسن زوجة علاء سيف الدولة على شاشة السي إن إن ، وفي أحاديث "للدويتشه فيله" الألمانية، تتحدث عن المدونين، وعن تعرض بعضهم للاعتقال خلال اعتصامات أو مظاهرات كانوا فيها .

غير أنه من الواجب التأكيد على أن مجتمع المدونين لا ينحصر فقط في طبقة النشطاء السياسيين، فأغلب المدونات تحمل طابعا شخصيا، وبينهم أدباء اختاروا أن يدونوا أعمالهم ويتيحوها للقراء لنشر الأدب ، وقد تجد مدونات نقدية فنية راقية، ومثلما أشرنا من قبل فمجتمع المدونين حتى الآن يمتاز بالتسامح، ويرجع هذا إلى أن طبيعة المدونات نفسها التي تحمل شكلا ذاتيا، وليس عليها رقابة أو سلطة سوى سلطة صاحبها ، لذا قد لاتفاجأ إذا ما وجدت مدونة تتحدث عن الإلحاد، وتنشر خواطر كفرية، أو عندما تجد مدونة إباحية، أو أخرى لفتاة تدعي أنها مثلية ، وعموما فهذه المدونات تمثل ندرة، ويعتبرها معظمهم طريفة، ويمتاز الجو العام بأنها مازالت بعيدة عن الصراعات الدينية الحادة التي تشهدها ساحات غرف الدردشة وبعض المنتديات، ففي ذلك مجتمع ، يعلم الجميع أنه لو عادى مدون مدونا آخر فقد يحوله هذا إلى منبوذ وسط هذا المجتمع الفريد، لذا فالصراعات محدودة، والتعليقات الساخرة هي الأكثر رواجا .

غير أن البعض يرشح التطرف الديني أن يدلف في الفترة القادمة إلى عالم التدوين مع انتشار المدونات والاهتمام بها إعلاميا، خصوصا وأن المدونات المصرية مازالت تعمل خارج نطاق الحجب والممارسات التي تتم مع بعض المدونات الأخرى في بعض الدول العربية.. حتى أن بعضها أصبح يحمل لهجة حادة تنتقد الحكومة المصرية، تلك اللهجة الحادة التي أصبح بعض المدونين أنفسهم يرفض مجاراتها .

ترى.. هل تنجح المدونات في صنع تغير ما داخل المجتمع المصري..؟!!
يأمل بعض المدونين الرومانسيين أن تتحول مدوناتهم إلى مشروعات إصلاحية للمجتمع، وألا تنحصر على تبادل الأفكار أو الخواطر بين المدونين فقط .. غير أن أغلبهم يعتقد أن الطريق ما زال طويلا أمامهم.. ومازالت المدونات المصرية الآن تعيش حالة من الترقب، في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف