الشباب في عهد الفراعنة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كانت حياة الشباب في مصر القديمة تتحدد بعدة أمور، لعل أهمها المستوى الاجتماعي والاقتصادي للشاب، يضاف إلى ذلك طبيعة المهنة التي ينوي الشاب احترافها مستقبلا، وكانت مهنة "الكاتب" هي أفضل المهن آنذاك، يناظرها حاليا موظف الحكومة في جهاز الدولة، وتشبه مهنة "الكاتب" في تفاصليها اليومية المهن الإدارية الحديثة. غير أن "الكاتب المصري" القديم كان يمتاز بشيء من الوقار والهيبة في نفوس الآخرين، فهو لا يمارس الزراعة، ولا يـُطلب إلى "الجنددية"وفي الأغلب هو من أسرة ميسورة الحال، لذا كان "الكاتب المصري" شابا محسودا ممن حوله. تبدأ حياة هذا الشاب الطموح كطالب في إحدى المدارس التي يتعلم فيها أصول المهنة ، متحملا ما قد يتعرض له من توبيخ على يد معلمه إذا ما أخطأ، وقد سجلت لنا إحدى البرديات توبيخا شديد اللهجة من معلم لأحد طلابه المتكاسلين لا تختلف لهجتها كثيرا عما يمارسه بعض الأساتذة اليوم مع طلابهم... يقول المعلم لتلميذه الشاب: "لا تكن غبيا عديم الثقافة... نحن نمضي الليل في تدريبك، والنهار في تعليمك، وأنت لا تستمع للتوجيهات، وتفعل ما يحلو لك ...؟!!".
شباب آخر احترفوا الجندية.. بهرهم بريق المظاهر العسكرية، فوقعوا في الفخ عندما إصطدموا بالتدريبات العنيفة اليومية وقسوة الحياة العسكرية، ربما كان الشيء الوحيد الذي يعوضهم عن شقاء السنين في سلك الجندية هو ما تقدمه الدولة لأبطالها العسكريين من أملاك وعطايا ومكافآت .. واليوم نجد الفكرة نفسها تسيطر على بعض الشباب عندما يلهث بعضهم وراء الالتحاق بالكليات العسكرية للاستفادة من المزايا التي تقدمها الدولة للعاملين في القطاع العسكري.
أما أكثر الشباب تعاسة في الدولة المصرية القديمة فهم الحرفيين والفلاحين، فلم تكن مهنة الحرفي مستقرة، وغالبا ما كان الشاب يعيش في جلباب أبيه ويرث حرفته، بينما كان المزارع يعمل في أرض سيده، وأسوأ ما قد يواجه الشاب في ذلك الزمن البعيد هو أن يصطدم بنظام "السُـخرة" الذي كان يزيد من معاناة الشباب البسيط آنذاك حينما يجد نفسه يعمل في احد المشروعات العامة وفقا لإرادة الدولة حتى ينتهي المشروع، أو يؤخذ إلى التجنيد الإجباري مما يضطر أسرته في بعض الأحيان إلى دفع مقابل مالي أو رشوة لتخطي هذا النوع من السخرة... أما اليوم فقد زالت كافة تلك الأعباء عن كاهل الشباب المصري، إلا أن بعض الممارسات اليومية داخل نظم العمل مازالت تحمل بداخلها روح السخرة القديمة، نتيجة البطالة وقبول الشباب بأي عمل دون النظر إلى حقوقهم المادية، إلى جانب انعدام اي فكر إداري حديث ينظم العمل في عدد من المؤسسات.
ومن الواضح أن الشباب المصري القديم كان ملما بفنون الحب والغزل، وكان باستطاعته أن يختار شريكة حياته بحرية وعن حب، ربما قد تعترضه بعض التقاليد - الموجودة حتى يومنا في الريف- خصوصا تلك التي تحبذ زواج الأقارب لإبقاء الثروات المالية داخل العائلة الواحدة، إلا أن عددا من العشاق عبروا عن حبهم بالأشعار والأغاني دون اكتراث لضغوط الحياة من حولهم، ودونوا مشاعرهم تلك ليحفظها لنا التاريخ إلى اليوم، في إحدى تلك الأغاني يصف الشاب محبوبته قائلا : "شعرها أسود.. أسود من سواد الليل، ومن حبوب أشجار الخوخ البري.. وشفاها حمراء، أشد حمرة من العقيق، ومن البلح الناضج، ونهداها بارزان في تناسق جميل فوق صدرها.."، ورغم سذاجة الكلمات وما تحمله من توصيفات مباشرة، إلا أنها كانت الوسيلة الوحيدة للتعبير عن العواطف حينها. ونجد إحدى الفتيات أيضا قد سجلت أحاسيسها عند رؤية حبيبها متمنية أن يكون حبيبها هو زوج المستقبل فتقول : "هو شاب ليس له مثيل، تابعني بنظره عند عبوري الطريق، ابتهجت وحدي، وكم كان قلبي يخفق طربا لأنه رآني ..."، وكانت العلاقة بين الشاب والفتاة وقتها يغلفها في الغالب إطار شرعي تحت رعاية العائلة، حيث كانت العلاقات غير الشرعية مجَّرمة ومستهجنة كما هو الحال الآن، لذا كانت نصائح الحكماء بالدعوة إلى الزواج المبكر منتشرة قديما، كمقولة الحكيم المصري القديم "آني": "اتخذ لنفسك زوجة وأنت ما تزال شابا لتنجب لك الولد ..."، وكان من ضمن تقاليد الزواج عند الشباب إنشاء دار زواج جديدة لهذا الغرض، أما الشاب الأعزب فغالبا ما كان يقيم مع أسرته، حيث كان من غير المستساغ أن يقيم أعزب في منزل وحده.