هناك.. حيث الاحتفالات بعملية حزب الله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إسرائيل توحّد أهل الضاحية بعد اختلافهم المونديالي
هناك.. حيث الاحتفالات بعملية حزب الله
عصام سحمراني : الساعة الحادية عشر صباحاً تتوقّف مروحية الجيش اللبناني عن التحليق فوق حيّ السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت. تتوقّف المروحية وتعود إلى قاعدتها العسكرية دون أن تترك هدوءاً مكان ضجيجها المدوّي منذ ساعات العمل الأولى هذا النهار في الضاحية. فأصوات الرصاص التي علت فوق كلّ ما في المكان تكفلت بدورها بإطلاق الضوضاء الإحتفالية بأسر جنديين إسرئيليين . وحتماً فقد سبّبت كمية الرصاص المنهمر إلى كبد السماء في انسحاب مروحية الجيش منها.
"مبروك يا شباب" يعانق حسن أصدقاءه الذين نزلوا قبله إلى الشارع متناسياً كلّ خلافاته معهم. تلك الخلافات التي أشعلتها الأيّام الأخيرة للمونديال؛ "خاصة بعد مباراة البرازيل".
يرحّب به الشبان وهم يزفون إليه أخباراً إضافية تواترت من الجنوب معلنة عن مواجهات جديدة للمقاومة؛ "فجّروا دبابة.. الله أكبر" يصرخ محمّد عالياً فيطلق الشبّان صوتاً عفوياً واحداً مستمداً من أجواء المونديال؛ "هايييييييييييييي"!
حنان صاحبة الدكان الصغير لم تبع كلّ بضاعتها من المفرقعات والألعاب الناريّة ووجدت في هذه "العملية البطولية" فرصتها الذهبية للترويج لبضاعتها الكاسدة بعد المونديال عبر إطلاق عدد كبير من المفرقعات أمام دكانها. دعاية أدت بالكثير من الفتيان إلى التهافت على دكانها الصغير للمساهمة في زيادة الضوضاء العامة.
يوسف "الخضرجي" الشيوعي كان منسجماً تماماً مع الأجواء العامة حوله حين رفع صوت مذياعه إلى أقصى درجة مستمعاً مع الشارع بأكمله إلى إذاعة النور التي كانت تبثّ أخبار العملية بالإضافة إلى بعض الأناشيد الخاصة بالمقاومة الإسلامية والتي لم يحتجّ يوسف عليها هذا النهار كعادته؛ "اليوم إحتفال.. أيّ عمل بطولي هو إنجاز لإلنا شو ما كان إنتمائنا" يصرخ يوسف بعفوية وطنية وخلفية ثقافية مقاومة.
"طالعين ع الجنوب" يعلن فادي لوالدته وهو يتجمع أمام أحد أفران المنطقة مع أصدقاء له. تفلت الوالدة لسانها الرصين عادة لتشتمه وتكيل له بعض اللعنات التهديدية المقترنة بتسليط الغضب الإلهي عليه.
لا يعيرها الشاب اهتماماً ويمضي بعد أن يلوّح لها من بعيد. تعود الوالدة مجدّداً إلى موقفها الأول من إطلاق للزغاريد العفوية مع نسوة يقفن معها في تناقض تام مع مشهدها وإبنها.
الفان(الميكروباص) الذي صعد إليه الشبّان لم يستطع المرور للزحمة الكبيرة التي واجهته جراء الأجواء الإحتفالية في شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت. المشهد العام كان كالتالي: السيارات والفانات وباصات الدولة أيضاً تطلق أبواقها المميّزة، شبان وفتيات يحملون أعلاماً متعددة تتراوح بين أعلام حزب الله وحركة أمل والعلم اللبناني إلى رايات أخرى تختص بعاشوراء على سبيل التحديد، نسوة يتجمعن على مصاطب الأبنية وفي الدكاكين يطلقن الزغاريد، فتية وأطفال يطلقون مفرقعاتهم النارية في الأجواء، مكبّرات صوت ترتفع بالأناشيد وبخطب للسيّد نصر الله، والأهمّ هم الشبّان الذين أطلقوا رصاصهم الحيّ في سماء المكان. المشهد الكامل إحتفالية كاملة بإنجاز المقاومة.
"في إجتياح" يطلقها علي أكثر من مرّة وهو يركض ليبلغ صديقه المراسل لأحد الجرائد العربية الخبر. يتوقف علي أمام إحدى ورش التصليح التي استوقفه عندها العمال فيها ليستفسروا منه ما غاب عنهم؛ "الجزيرة قالت أنّ هنالك اجتياحاً اسرائيليا برياً للجنوب للبحث عن الجنديين" يقول علي ذلك ويعلن مباشرة استعداده لمواجهة أيّ عدوان محتمل ضدّ الأراضي اللبنانية؛ "بدنا نشقفهم ( نقطعهم إربا) بإذن الله".
يخرج أبو طوني وصديقه من المصطبة التي دشناها قبل يوم واحد قرب دير المريجة والتي سيجاها بالقصب لتستر "سكرة" العرق البلدي التي افتتحاها منذ الصباح الباكر بعيداً عن العيون. يخرج أبو طوني ويسأل أول من يقابله من الشبان في الخارج؛ "شو في شو هالرصاص!؟" يجيبه الشاب بالمعلومات المتوافرة لدى الجميع والغائبة عن "أبو طوني"؛ "أسرت المقاومة جنديين إسرائيليين". لم يتوقع الشاب يوماً أن يرى جاره المسيحي في مثل هذه الحالة؛ "الله أكبر إي هيدا حكي!!" يطلقها أبو طوني وينفي أن تكون "السكرة" هي سبب ما يقول؛ "أنا مش سكران!!" رغم رائحة العرق تنبعث من شرايينه.
"عم قلك المقاومة أسرت جنود إسرائيليي بتحكيني بنتائج البروفيه !" يرفع كامل نظره وصوته معاً إلى الأعلى وهو يكلّم شقيقته التي تنتظر نتيجة امتحان ابنتها. يركب الشاب سيارته ويترك شقيقته معلقة منتظرة ما ستأتي به الأخبار من تداعيات للعملية ومن نتائج لإمتحانات ابنتها. عساها تستطيع الإحتفال بتوزيع البقلاوة (نوع من الحلويات اللبنانية) مع جاراتها اللواتي أنفقن مصروف البيت اليوميّ على الإحتفال. لكنّ صاحب الفرن القريب راعاهن في ذلك حين أعلن خفض أسعاره إلى النصف "إحتفالاً بالأبطال والداعمين لهم".
راغب وصل ليلة الثلاثاء من الجنوب حيث ترك الأهل يعيشون لحظات النصر والعدوان الإسرائيلي على حدّ سواء.
يتصل بصديقه لينسّق معه طريقة العودة إلى الجنوب عبر صور، يستمع إلى الأخبار في منزل الصديق نفسه حيث يصله خبر ضرب جسر القاسمية الرابط بين الزهراني وصور. يحاول الإتصال بالأهل.. الشبكات معطلة وأخوه المقاوم لا بدّ قد التحق وتهيّأ لأمر ما سيحصل. الوالدة وحدها جنوباً في قلب ما كان يسمّى بالشريط الحدودي وأصوات الطائرات تقترب من بيروت أيضاً. لا بدّ له من أن يكون في قلب المواجهة الآن. أصوات الرصاص ما زالت ظهراً تسيطر على السماء والأجواء. راغب يقرّر المضيّ جنوباً رغم كلّ المخاطر؛ "حاسس حالي كأنّي بعدوان نيسان أو تموز" يشير راغب إلى عامي 1993 و1996 حيث قامت إسرائيل باجتياح جوّي إلى عمق الأراضي اللبنانية. يتوقّع الشاب كلّ شيء ويهيّء نفسه لكافة الإحتمالات.
وعلى الرغم من فتور ردود الفعل في المناطق الأخرى فإنّ ذلك لم يمنع المحتفلين من اعتبار الإنجاز المقاوم "ملكاً للشعب اللبناني بأكمله" يقول أحدهم. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على ترسّخ كبير لثقافة المقاومة في نفوس أبناء الضاحية الجنوبية التي باتت تنتظر انتصار تحرير الأسرى منذ اللحظة.
دعونا نقول مبروك عودة القنطار وكلّ الأسرى منذ هذه اللحظة أيضاً.
تصوير عصام سحمراني