جندي بغداد المجهول
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بغداد يوم استفاق الشاعر فوجد نفسه صنديد البوابة الشرقية
كانت لحظة شديدة الحرج، وكانت المدينة تتسلى بالنظر الى الكارثة نظرة السارق المتيقن من المكان الأمين لما خبأته يداه، ومن قناعة مؤكدة ان لااحد سيسميه سارقا، هي لحظة ستختصر مصير البلاد وتوصلها انحطاطا،كالذي عناه ان الجنود في طريق هزيمتهم في العام 1991ماكانوا راغبين بابعاد كلب وجد في جثة زميلهم المرمية على قارعة الطريق، وجبة دسمة، لحظة كانت المدينة فيها تتحول من فتاة جميلة، تزداد رقة وعذوبة الى امرأة مبتذلة، فلا جفنها رفّ من رحيل كئيب لأجمل بنيها، مثلما لم ترتبك،حين عبرت الشاحنات دجلة اول الفجر، محملة بآلاف انتزعوا من بيوتهم التي لم تشفع لهم رائحتها العتيقة من انهم غرباء و"رتل خامس"، سيقوا الى حدود ستلتهب بعد اشهر وتصير جهنم مازالت حتى اليوم تقذف قتلى منسيين او تشهد عبور اسرى من اليأس الى اليأس. مدينة نزعت جمالها واخرجت لسانها لمرعوبين: شيوعيين وشيعة وتبعية وبعثيين هم " الأقارب حتى الدرجة الرابعة لأربعين "قياديا" قالوا ان حقول البلاد تنكشف عن صبير استعار سلوك القنفذ في رمي الأشواك الحادة.
دم نافس النهر في تدفقه والمدينة تلهو بالورد الخدران على فخذيها، يرميه "فارس الأمة" تاركا حلوته، تتلوى نشوانة دون ان يخرّب صمتها الرخيم، صوت نشاز لعازفين خرجوا على اوركسترا منضبطة، تختلس الأنفاس خلسة كي لا تخدش هدوء المايسترو المبتعد الى كرسي في الشرفة دافعا بحذائه نحو الى افق دجلة المتطلع نحو ضفته اليسرى في بغداد متعجبا من رؤية جنود يبنون سياجا حديديا بينه وبين كركرات اطفال المتنزهين عصرا و آلاف الندامى السكرانين ليلا في شارع "ابو نؤاس" الذي سيتحول جثة طويلة بعد ان هجره المتنزهون، واوصدت حاناته الأكثر من مئة، ابوابها، انسجاما مع "الحملة الإيمانية"، ونكاية باسم الشاعر "الفارسي" الأصول. في مدينة كان الوقت يجف فيها والغناء يصير صوت اجلاف متحمسين، يبنون سياجا يمنع الكركرات من خدش اسماع المايسترو، في مدينة كهذه وفي فجر رمادي كان يتأهب لجعل المدينة صحوا جافا، استعيد هنا، انا الحالم الحزين صوت الشاعر صلاح فائق:
"لا شئ اقسى في الصباح
من رؤية عمّال
يشيدون السجون".
كانت الحمامات تهج فزعة، غير ان الظل الرخّي، فاتن وازرق شفاف، تحت ياقة هاشم شفيق حين احمل اليه مقالتي عن مجموعته الأولى "قصائد اليفة". البيوت التي اتسعت، بقلوب شجاعة لفتية ستنأى بهم الطرقات، وشجت وسهرت،مالبثت ان اوصدت الأبواب المشرعة: كتب تحرق وحقائب تعّد على عجل وامهات (مات اغلبهن الآن) يشهقن لرحيل الأبناء المرتبك. ومثلما اسرني جواد الأسدي بعذوبة عرضه المسرحي في "العالم على راحة اليد" هزّني برحيله السريع الى بلغاريا تاركا نداءه "اوصيكم بامسيات مع حبيباتكم وقد تعطرن بشذى القدّاح في الوزيرية" ومضيت كالأخرق اتساءل: ايعقل جفاف كل هذا الجمال في المدينة ؟ ايعقل ان لا تتشابك الخطى ندية على عشب حديقة " المركز الثقافي البريطاني " ؟ ايعقل ان لايعود جواد الأسدي ويضع بيننا تتمة عرضه الحالم الحزين ؟ ايعقل ان لاتأتي الناعمة اللذيذة الذكية،(نقية )، ؟ ايعقل انني لن اسمعها تغني " دقيت، طلّ الور عالشباك " وابكي ؟ هل انني راحل، هل انني قادر على ان اسد انفاسي وانهرها من شمّ رائحة "ورد الرازقي" ؟ هل سأنسى النشيج في ليل الوزيرية حين اخوض طرقاتها المبللة بآخر رشقة مطر في اذار، عابّا في صدري رائحة القدّاح فيما لحن جاز يخرج من حانة نيويوركية ويصلني كونني صاحب "قلب كسير"؟، هل سأنسى الطريق الى بيت آل ياسين: جبار الذي غادرني وهو يشيح بوجهه عني قائلا "مدينتنا ماضية الى خراب يعدّه سفلتها الحاكمون !، نبيل الذي باع قسما من مكتبته قبل رحيله فاجده عند هاشم (اخطر بائع للكتب في بغداد ) فاشتريها وفاء لصاحب "الشعراء يهجون الملوك"، جعفر الذي ابهرنا مراهقين اوائل سبعينات القرن الفائت كونه صاحب تسريحة شعر جريئة كانت هدفا ل "شرطة الآ داب" التي بثت رجالها كي يجزّوا شعر الرجال الطويل، وصبغ سيقان الفتيات بالدهان الثقيل حين يكشفها ثوب قصير، جمعة الذي الذي كان يخفف من روعي مستعيدا معي: "خراب اينما حللت".هاهو الخراب يدخل المدينة، نصافحه ونبتسم، فترمي لنا المدينة ما تجعّد من اوراق الورد الذي طرّى فخذيها.
امضي الى آخر امتحانات الكلية كأن على رأسي الطير، سيارة " شرطة الأمن" المعروف لعيون كثير من العراقيين في سبعينات القرن الماضي: (فولكسفاغن بيضاء)، عند الباب الرئيس المؤدي الى عمادة الكلية، فأغيّر طريقي كي أدخل من الباب البعيد المؤدي الى "قسم التشريح"، ولحسن حظي ان الأستاذ المشرف على قاعة الإمتحان، كان اشبه بصديق قبل ان يكون استاذا ولطالما جمعتني به احاديث عن الأدب، كما انه نجل الروائي العراقي مهدي عيس الصقر، وحين قابلني عند باب القاعة، اشار الى انه يفضل دخولي من الباب الخلفي للقاعة، دون ان ينسى القول: "اجب على الإسئلة باقصى سرعة واترك القاعة مثلما دخلتها، من الباب الخلفي ". رغم الخوف، كنت اتطلع الى باقي الزملاء في القاعة وكعادتها كانت شذى، جريئة حين اعتادت في كل امتحان ان ترفع طرف تنورتها وتنقل الأجوبة التي دونت بعضها على اعلى فخذها!
كنت اول الخارجين من القاعة، وكان الطريق طويلا من "قسم الجراحة" الى اول حي سكني ملاصق لسياج الكلية الذي قفزته، ومن هناك الى محلات "صوت الفن" لبيع الأشرطة الغنائية الذي وجدت فيه ملاذا يبعد عني الشبهات، وحولّت الغرفة الملحقة به الى مايشبه المستقر، خوفا من الذهاب الى المنزل الذي طرق ابوابه رجال شرطة واعضاء في "البعث "كثيرون. وجدت في تسجيل الأغنيات وبيعها فرصة كي اجمع مالا يمكنني من السفر، كنت منتشيا وانا اضع شريط "ساتدرداي نايت فيفر" في جهاز التسجيل الضخم، لتنبعث الحان صاغها ثلاثي "بيجي" لفيلم ترافولتا الشهير. اختار من الشريط اغنية "مور ذان اوومان" الراقصة حين يكون الراغب في اقتناء الشريط رجلا، والأغنية الهادئة " هاو ديب از يور لوف" حين يكون، فتاة جميلة، وعبر تلك الأغنية،طرقت على أيامي المكتظة بالرعب، اصابع رقيقة لفتاة تكاد تلقّن الآخرين درسا في النعومة، ولأكتشف بعد ايام ان كل ذلك الجمال الذي تختزنه (سحر )،ذهب بحفظ الأجهزة الأمنية العراقية ورعايتها الى فرنسا لدراسة "الترجمة الفورية" وتلقين فنون الإتصال مع الأجانب!
الثوابت الجمالية التي كانت تحدد معرفتي بالموسيقى، " تهرأت" شيئا فشيئا، فمع الطيف الهائل لأذواق الآخرين، ومع اكتشافي نظرتهم اللامبالية بملامح الكارثة وهي تطل على المدينة من كل صوب، بدت العلامات الثابتة للموسيقى الرفيعة، تتراجع شيئا فشيئا: عرفت " ثقافة موسيقية " جديدة اسمها " بنك فلويد"، بل ان غلاف اسطوانة فريق الروك الشهير، وهي تظهر رجلا انيقا هادئا في الشارع يصافح نظيرا له ولكنه يحترق، كان درسا في امكان تحول الواقعي الى فانتازي دون لغو كثير. تعرفت الى رجال ونساء، من بين الرجال فاجئني ذات يوم بصوته الهاديء ونظرته القلقة من خلف زجاج نظارته، رجل قال انه المترجم الخاص لوزير الثقافة والإعلام (بناية الوزارة فوق محلنا الموسيقي)، وانه يبحث عن الغريب والجديد في عالم النغم، سألني عن شريط في هذا الإتجاه، فقلت انا شخصيا استمع الى شريط مأخوذ عن اسطوانة مزدوجة بعنوان "جلجامش" من تأليف وغناء السوري المقيم في فرنسا عابد عازريه، فاقتناه، وعاد بعد ايام ليحدثني عن كنز من الأنغام في اشرطة من الموسيقى التركية، حاملا لي بعضها، غير ان لم احتمل الإيقاع الهاديء حد الخفوت فيها، واعدتها له بعد ايام مع اطراء كاذب. مازن الزهاوي هذا، والذي ربحت منه شريطا نادرا تضمن حفلة غنائية خاصة للمطرب العراقي الراحل ناظم الغزالي في احدى البيوت البغدادية الراقية، التقيته في "نادي العلوية" بعد ثلاث سنوات من آخر لقاء بيننا في "صوت الفن" ولكنه كان على غير ملامحه الهادئة، فهو قد أصبح "المترجم الخاص للرئيس" وفي نطاق بزته العسكرية مسدس ضخم، وفي يده اليمنى مفاتيح سيارته الفخمة، وفي اليسرى جهاز اتصال لاسلكي. الزهاوي ذاته وجد ميتا في شقته ببغداد العام 1994!
ومن اجمل النساء اللائي عرفتهن، صيدلانية بالقرب من محلنا تهوى الغناء العراقي "المجروح" كما كانت تقول، تقتني من ياس خضر "البنفسج" و"روحي" مثلما تختار من فؤاد سالم "ردتك تمر طيف" ومن قحطان العطار "يكولون غني بفرح" ومن سعدون جابر "الكنطرة بعيدة " و من الملحن كوكب حمزة " صار العمر محطات "،غير ان هذه السيدة الأنيقة، لم تخف ذات يوم سعادتها اننا اشتركنا في الحماسة لأغنية الأميركية السمراء غلوريا غينور "آي ويل سرفايف ". هي ذاتها كانت تحدثني بلهفة،كيف انها كانت محظوظة حين استمعت الى اليوناني ديمس روسوس في بغداد، وكيف بكت مع اغنيته " ذا غريك سايد اوف ماي مايند"، وكيف انها عاشت مع عائلتها " ليلة من العمر " حين حضرت حفلا غنائيا احيته فيروز، و تضمن اغنية لم تزل حتى اليوم، اجمل اغنية في وصف بغداد ومحبتها "بغداد والشعراء والصور".
تلك الفسحة الجميلة التي اسمها "محلات صوت الفن" اغلقت، مثلما كان يتوالى هدم ملامح الجمال في بغداد، فذات ليلة جاءني صاحب المحل ليقول دون مقدمات: آسف ان يكون هذا آخر يوم لك هنا، انا بعت المكان، وسأسافر الى لندن وقد لاأعود ! عدت خائبا الى بيت صديق محملا بنسخ أصلية من أشرطة واسطوانات مقابل راتبي الأخير، شربنا كأس خسارة جديدة، فيما كنا نمزق معنا اوراق ونشرات وصحف مجلات شيوعية، مستعدين اسلوبا لطالما عرفته بيوت عراقية كثيرة مع كل موجة ارهاب، تعيشها البلاد.
في تلك الليالي ذاتها صحا البغداديون وقد صار معلم جميل من معالم مدينتهم، ركاما، هدّموا نصب "الجندي المجهول"، ذلك التكوين المعماري المنساب بطريقة تقارب دلالات التضحية وسمو المعنى في الدفاع عن قضية عادلة، وليبدأ مع هدمه، موسم الإنقضاض على الذاكرة، غير ان المفارقة كانت حاضرة في المكان والزمان ذاتهما اللذين شهدا " قتل الجندي المجهول " على يد شركة هندية كانت اصلا تنفذ عقدا لمدّ شبكة المجاري في بغداد، فقد بدأت عمليات بناء فندقي " شيراتون " و" ميريديان"، ومع ارتفاع طوابقهما كانت شعلة الجندي المجهول ذوت وصارت حكاية، تذروها رياح الزمان العراقي الكئيب.
بعد هناءات " صوت الفن " والمعرفة الحياتية العميقة، جاء وقت الكتب ودلالاتها، حين بدأت عملا مع هاشم، صاحب "مكتبة النهضة" في موقعها البارز والمهم، فهي اولى سلسلة من المكتبات في اول " شارع السعدون " التي كانت قادرة على استيعاب عشرات الالاف من الكتب. ومن بين خطوات صاحبها الجريئة والذكية خرجت الطبعة الأولى لاعمال الشاعر سعدي يوسف الكاملة، غير ان الأمر بدا كله، مفارقة تامة، ففيما كانت ماكينات المطبعة تدور، كان صاحب " الأخضر بن يوسف " يغادر البلاد، تاركا لي محنة السؤال: الم يقل " بخرابه ارضى "!، انا الذي كتب عني سطورا اخذتني الى الغواية تماما دون ان يعرفني، حين وقع تعليقا على اربع قصائد قصار نشرتها صفحة " ادب الشباب " في جريدة " طريق الشعب" العام 1975 وفيها: "يتقدم صاحب هذه المقاطع الشعرية الى قصيدة النثر بثقةhellip;"، السؤال طاف غيما على سماء صحوها اجرد وفاقع، فاكتفيت بنظرة ساهمة، لم تكن شحيحة، فهي تطاول "جدارية فائق حسن" التي كانت عنوانا لواحدة من ابرز مجموعات شعر يوسف.ومثلما اقتنيت اشرطة واسطوانات مختارة بدقة مقابل راتبي في محل الأغاني، كنت اقتني كتبا، وكان الراحل هاشم يقدّر ذلك لي فيجعل الكتب بنصف السعر، على الرغم من كونه معروفا ببخله الشديد، بل انه اهداني اعمال ديستوفسكي الكاملة حين قرأ لي مقالة نقدية في مجلة "الثقافة" التي كان يصدرها الراحل صلاح خالص.
نذر الرعب كانت تطل على البلاد، والكارثة تكشف عن ساقيها، غير ان ماجعل تلك النذر تصبح نذيرا، قول للناقد والمترجم والمثقف الموسوعي نجيب المانع، فذات صباح وفيما كنت اضع مجموعة من الكتب والمجلات في مدخل المكتبة، حياني بابتسامة مرسومة بعناية كما نظراته النقدية العميقة حين يصوغ من نقد الموسيقى، نصوصا في الأدب والمعرفة، لإسارع بدعوته الى فنجان قهوة، بعد ان حملت له كرسيا ونسخة من العدد الجديد لمجلة "الهدف" الفلسطينية التي كانت تصلنا من بيروت، وفيه قصيدة لي عن الشاعر البحريني القتيل سعيد العويناتي، واسأله: مارايك بالمفاجئات القادمة من طهران: "وصل الخميني والناس رفعت سيارته على الأكتاف"، وعلى النقيض من حماسي الذي كان، على نحو ما، تعويضا عن خيبتي / خيبتنا المحلية، قال: "يا ابني ان ماتراه باعثا على السرور، هو مدخل الى موت اسود سيحصد بلادنا واهلها"! ولولا محبتي الكبرى للرجل، وتقديري الذي يقارب التبجيل، لكنت اسمعته مابقي مضمرا فيّ: "هذه مخاوف البرجوازيين الصغار من حركة الجماهير"، ولم تمض سنة او اكثر حتى كان "الموت الأسود" يطل من شبابيك البيوت في ارجاء العراق كلها.
الى مكتبة هاشم ذاتها كانت تصل مجموعات كتب مختارة، اكتشفت لاحقا انها كتب شعراء ومثقفين كنت على معرفة وثيقة بالعديد منهم، وهم وجدوا في بيعها آخر الخيارات الكئيبة، بل آخر علامة على استحالة البقاء في مكان كان العقل فيه الى تصحر او جنون. ومن بين كتب موقّع عليها اسم الشاعر جليل حيدر، اشتريت كتابا لطالما احببته، وكوّن معالم ذائقتي في الأدب والفن والعلوم، كتابا كنت اقتنيته يوم صدوره، وكعادة اقراني في تلك الفترة، اهديته الى صديقة، تعبيرا عن اعجابي بها، انه كتاب " الإطروحة الفنطازية " للكاتب الموسوعي علي الشوك، الكتاب الذي لم اتردد في اعتباره واحدا من احسن عشرة كتب عربية صدرت في القرن الماضي ضمن استفتاء ثقافي اجرته صحيفة عربية تصدر في لندن.
انتهى العام الدراسي ونلت شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة البيطرية، غير ان الأمر لا طعم واضحا له، فعامي الأخير كان مخصصا لإعادة مادة دراسية واحدة فقط هي " الطب العدلي " تم اعتباري راسبا فيها تحت ذريعة " تجاوز غياباتي عن دروس المادة،الحد المسموح به "، فيما تلقى كل الزملاء الأمر بالطريقة ذاتها التي فاجئتني، فهي عقوبة على "شغب سياسي" كنت اندرجت فيه، اعلنت في اليوم ماقبل الأخير للإمتحانات النهائية. وكان ثمن تلك العقوبة قريب في فداحته من ثمن دفعه بطل سارتر في "المقبرة"، فبسبب تلك السنة الرهيبة، دفعت نحو 12 عاما من حياتي، بددت بين نيران الحروب ورعبها، فالزملاء الذين كنت التقطت معهم "صورة التخرج الرسمية" انهوا خدمتهم العسكرية قبل اندلاع الحرب مع ايران، فيما كانت السنة التي اعدت الدراسة فيها، كفيلة بدفعي الى الجيش الذي سيدخلني معه الى سنوات النار. وظلت جملة ترددني، مثلما كرهتها من فرط القول: "انني مهزوم ولكني لم اجد عدوا يليق باستسلامي له".
في صباح الثاني والعشرين من ايلول 1980، كنت نائما على سطح "قلعة راوندوز" في مكان جميل من كردستان العراق (كنت مسؤولا عن فحص اللحوم والأغذية الطرية لنحو 20 قطعة عسكرية ) حين مرت على مستوى منخفض 12 طائرة عراقية قاصفة، متوجهة الى الشرق، حينها استفاق الشاعر فوجد نفسه "صنديد البوابة الشرقية".
النص هذاجزء من كتاب قيد الطبع بعنوان" الكتاب الكردي"