عبد الرحمن منيف والعراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بيروتمن جورج جحا: في كتاب ماهر جرار الذي حمل عنوان "عبد الرحمن منيف والعراق - سيرة وذكريات" قراءة ممتعة تبرز الروائي الكبير من نواح متعددة عبر نسيج يتداخل فيه الشخصي والعام والادبي والاجتماعي والتاريخي والسياسي والحزبي في بعض المراحل. وقد استطاع الدكتور جرار الاستاذ في الجامعة الامريكية في بيروت أن يجعل من مقابلاته مع الكاتب الراحل وعلى رغم استنادها إلى اسئلة وأجوبة وأشكال من الحوار والنقاش.. تتحول إلى سيرة متلاحمة الاجزاء تنساب بروح سردية ويشكل العراق نقطة ثقل فيها.
جرى اللقاء الاول مع منيف في منزله بدمشق خلال نوفمبر تشرين الثاني 2003 واداره جرار بحضور معاذ الالوسي وغانم بيبي اما اللقاءات الاخرى فأجراها جرار على فترات متباعدة بين السنة ذاتها وأوائل عام 2004 قبل وفاة منيف في 23 يناير كانون الثاني 2004. واوضح جرار أنه حاول أن تكون "علاقة عبد الرحمن منيف الحميمة مع العراق هي المنطلق من خلال اطلالته الجميلة والاستشرافية على فضاء العراق في ثلاثيته "أرض السواد" الصادرة عام 1999 "وقد غطى الحوار البدايات في عمان وبغداد والقاهرة ويوغوسلافيا. والمرحلة الانتقالية التي تناولت مؤتمر حمص عام 1962 لحزب البعث العربي الاشتراكي وخروج منيف من الحزب ثم مراحل بغداد ودمشق وبيروت. وشمل بعد ذلك العراق انطلاقا من المشروع الاصلاحي الذي عمل عليه داود باشا (الذي حكم العراق بين عام 1817 وعام 1831) مما تناولته ارض السواد.. وصولا إلى "الاستعمار الجديد." وتناول أيضا "فلسطين والعراق" و"دور المثقف العربي اليوم".
جرار يصف منيف صاحب المنزلة الادبية والفكرية الرفيعة ودرجة دكتوراه في علوم النفط بأنه "يجمع أكثر من ارومة عربية الجذور من نجد ومن العراق" فجدته لامه عراقية ويختلط في هذه الارومة العشائري بالمديني. وقد أمضى طفولته وسنوات شبابه الاولى في عمان وغادرها سنة 1952 إلى بغداد للدراسة الجامعية. قال منيف ردا على سؤال "في اطار البيت كان الاوضح والاكمل هو الاطار البغدادي ولكن خارج البيت كان المناخ نجديا كون أهل نجد موجودين بكثافة أكثر من أهل العراق. العراقيون في عمان كانوا قلة." وكانت جدته تتردد إلى عمان حاملة "بعضا من حياة بغداد."
وتحدث عن انتسابه إلى حزب البعث عندما كان طالبا ثانويا في عمان. ورد على سؤال لجرار بقوله إنه كان يتمتع بوعي تاريخي محدود "كنا نقرأ كثيرا. ومن جملة العوامل المحفزة لنا اننا درسنا التاريخ كقصيدة طويلة مليئة بالبطولات والاهتمام. علينا النظر إلى الامور بمقاييس تلك المرحلة." ومن بغداد في المرحلة الجامعية الثانية انتقل الى القاهرة بين 1955 و1958 ووصف تلك الفترة بأنها كانت "فترة بهية جدا وهامة في تاريخ المنطقة. القاهرة كانت قد غدت عاصمة العالم الثالث تقريبا وملتقى لكل حركات التحرر والنضال والمتغيرات الهامة."
وسنة 1958 غادر بغداد بمنحة من الحزب الى يوغوسلافيا حيث بقي الى سنة 1961 وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد. سأله جرار عن سبب عودته إلى بيروت بعد يوغوسلافيا فرد قائلا "طبيعة عملي السياسي وعلاقاتي كان تملي علي ثلاثة اختيارات هي بغداد وبيروت والسعودية. اسرتي تحديدا كانت تلح علي بضرورة العودة إلى السعودية. وكان عدد المتعلمين قليلا في ذلك الزمن ولم يكن ثمة عمل سياسي فلم يكن الامر مغريا أو مقنعا."
سأله جرار إذا كان خياره الاتجاه إلى كتابة الرواية (ابتداء من 1971) هو بسبب شعوره بأنه وصل إلى طريق مسدود في العمل الحزبي فأجاب منيف "كان الحزب والعمل السياسي هما نافذتي للصلة بالآخرين.. كأنه محاولة لتغيير العالم من خلال تنظيم علاقات فكرية-سياسية. هذا ولم أكن في الحزب من الاشخاص المنضبطين تماما. كنت متهما "بتخريب" شبيبة الحزب عبر اغرائهم بالقراءة والاهتمام بالمسرح والرواية واجراء مناقشات أدبية وفكرية فالكتاب الادبي جزء من الثقافة السياسية. وعندما اصطدمت بحاجز لم يعد ممكنا لي تخطيه كان لابد من ايجاد وسيلة للتواصل مع الاخرين."
وسأله جرار هل كانت "أرض السواد" تستشرف "الرعب الاستعماري الجديد القادم إلى العراق بكل جبروته" فرد بقوله "عندي قناعة بأن هذه الموجة لا بد أن تنحسر وتنكسر. ربما كان الاحتلال الامريكي اليوم هو من أغبى الاحتلالات فهو يقوم على صورة وهمية عن الآخر بما فيه العراق." واضاف أن المرء "يتمنى لو حصل التغيير عن طريق القوى الوطنية."
ورأى أن "امريكا تحاول أن تجد بؤرا أخرى في سوريا وايران وربما لبنان ايضا من أجل أن تشتد الحاجة إلى امريكا لمحاولة اطفاء الحرائق وتهدئة الاوضاع. يعني إذا اقتصرت على العراق تتعب... اعتقد ان امريكا يهمها اذا لم تستطع أن تصل إلى نتائج معينة في ضبط الوضع في العراق أن توسع دائرة البيكار وفضاءه حتى يمتد الحريق ما يقتضي تدخل أمريكا بشكل خاص وتدخل آخرين من أجل اعادة صياغة المنطقة وترتيبها بشكل جديد."
ختم جرار الحوار بالعودة إلى موضوع الرواية فسأل منيف قائلا "كتابة الرواية عملية شاقة اذن.." فرد الروائي الكبير بقوله "طبيعي لولا المتعة الموجودة فيها لكان جميع الروائيين هجروها. إنها لسيت سهلة. لكنها مثل الحب. الحب تعاني منه أحيانا غير أنه يولد شعورا بالغبطة الداخلية فيه الكثير من التعويض كما أن في استجابة القارىء تعويضا."