التنوير بوصفه خداعاً جماهيرياً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ثيودور أدورنووماكس هوركهايمر
ترجمة: خالدة حامد
يتم في كل يوم إبطال مصداقية النظرية السوسيولوجية ـ القائلة إن فقدان دعم الدين المرسَّخ موضوعياً، وانحلال آخر بقايا ما قبل الرأسمالية وما رافق ذلك من تخصص أو تمايز تكنولوجي أو اجتماعي، قد أدى إلى فوضى ثقافية ـ لأن الثقافة الآن تطبع الدمغة نفسها على كل شيء؛ فالأفلام والمذياع والمجلات تشكل نظاماً موحداً بصورته الكاملة وفي كل جزء منه. وحتى الأنشطة الجمالية للأضداد السياسية تكون واحدة في انقيادها الحماسي لإيقاع النظام الحديدي. أما المباني ومراكز العرض الصناعية المزخرفة، الخاصة بالإدارة، في البلدان المستبدة فهي شديدة الشبه بما تجده في أي مكان آخر. وتعدّ الأبراج المتوهجة الضخمة، التي يتزايد عددها في كل مكان، علامات ظاهرية على التخطيط العبقري للمصالح الدولية التي يحث الخطى نحوها نظام مقاولات حر (تتمثل معالمه بكتلة من المنازل والمباني التجارية الكئيبة في مدن وسخة تفتقد إلى الحيوية). وما زالت المنازل الأقدم الموجودة خارج المراكز الكونكريتية تبدو حتى الآن أشبه بأحياء الفقراء. وتأتي المنازل أحادية الطابق [الشاليهات] والمشيّدة عند الضواحي منسجمة مع الأبنية الفارهة للمعارض العالمية في تمجيدها للتقدم التكنولوجي والحاجة الملحة للتخلص منها بعد مدة قصيرة مثل علب الطعام الفارغة. ومع ذلك تعمد مشاريع الإسكان في المدينة ـ المصممة لإدامة وجود الفرد بوصفه وحدة مستقلة، كما يُفترض، في سكن صحي صغير ـ إلى جعل الفرد أكثر تبعية لخصمه: سلطة الرأسمالية المطلقة. ولأن السكان، بوصفهم منتجين ومستهلكين، ينجذبون نحو المراكز بحثاً عن العمل واللذة، تتمركز وحدات العيش كلها في مُجمّعات جيدة التنظيم. ويقدم الاتحاد المذهل بين المجتمع الأصغر microcosm والمجتمع الأكبر macrocosm للأفراد نموذج ثقافتهم: الهوية الزائفة للعام والخاص. وتحت ظل الاحتكار تكون الثقافة الجماهيرية كلها متماثلة، وتبدأ حدود إطارها المصطنع بالظهور. وما عاد الناس الموجودون في القمة يهتمون كثيراً بإخفاء الاحتكار: فكلما زاد وضوح عنفه، تتزايد سلطته. وما عادت هناك حاجة لأن تتظاهر الأفلام والمذياع بأنها فن؛ فالحقيقة هي انهما محض عمل تجاري تم تحويله إلى أيديولوجيا لتسويغ التفاهات التي ينتجانها عن عمد. وهما تطلقان على نفسيهما تسمية الصناعة، ويزول عندئذ أي شك بخصوص الفائدة الاجتماعية للمنتجات المكتملة حالما يتم نشر الدخول المالية لمدرائهما.
وتفسر الأطراف المعنية صناعة الثقافة من منظور تكنولوجي. وثمة من يزعَم انه بسبب مشاركة الملايين فيها، تكون هناك حاجة ملحة لوجود عمليات إعادة إنتاج معينة تتطلب، حتماً، تلبية حاجات متماثلة (في أماكن لا تعد ولا تحصى) ببضائع متماثلة. ويقال إن التباين التقني بين مراكز الإنتاج القليلة والعدد الكبير من نقاط الاستهلاك واسعة الانتشار يتطلب قيام الإدارة بالتنظيم والتخطيط. ويقال أيضا ان المعايير ارتكزت، في المرحلة الأولى، على حاجات المستهلك، ولهذا السبب تم قبولها بمقاومة قليلة جداً. والنتيجة هي حلقة التلاعب والحاجة الارتكاسية التي تتعاظم فيها قوة وحدة النظام. ولم يتم التطرق إلى حقيقة أن الأساس الذي بموجبه تكتسب التكنولوجيا سلطتها على المجتمع هو سلطة أولئك الذين تكون قبضتهم الاقتصادية على المجتمع هي الأقوى. ويتمثل المنطق التكنولوجي بمنطق التسيُّد [الهيمنة] domination نفسه؛ إنه الطبيعة القسرية للمجتمع الذي اغترب عن نفسه. وتعمل السيارات والقنابل والأفلام على ديمومة الوضع كله حتى يبين عنصر موازنتها مكمن قوتها في الخطأ الذي تتمادى فيه. وقد أدى ذلك إلى تحويل تكنولوجيا صناعة الثقافة إلى شيء لا يتعدى تحقيق المعايرة standardization والإنتاج الجماهيري، أي التضحية بكل ما يتضمن فرقاً بين منطق العمل ومنطق النظام الاجتماعي. وهذه ليست نتيجة قانون الحركة في التكنولوجيا نفسها فقط، بل نتيجة وظيفتها في اقتصاد اليوم. وتم أصلاً كبح الحاجة التي قد تقاوم السيطرة المركزية وذلك من خلال السيطرة على وعي الفرد. وقد ميزت الانتقالة من الهاتف إلى المذياع الفرق بين الدورين بوضوح. فما زال الأول [الهاتف] يسمح للمُشترِك بلعب دور الذات، وكان لبرالياً. أما الثاني فهو ديموقراطي: يحول المشتركين كلهم إلى مستمعين ويخضعهم، باستبداد، إلى البرامج الإذاعية التي تكون كلها متشابهة تماماً. ولم يتم ابتكار آلات للرد، وحُرِمَت الإذاعات الخاصة من أية حرية؛ فقد اقتصرت على مجال "الهواة" المشكوك في صحته، وتوجب عليها أيضا تقبل التنظيم من أعلى. كما أن أي أثر للتلقائية من جانب الجمهور في الإذاعة الرسمية يكون خاضعاً لسيطرة وإشراف المراقبين الموهوبين، والمنافسات الاستوديوية، والبرامج الرسمية من كل نوع يختاره المتخصصون. وينتمي الممثلون الموهوبون إلى الصناعة قبل وقت طويل من قيامها بعرضهم؛ وإلا لما كانوا بمثل هذه اللهفة للتكيف معها. أما موقف الجمهور، الذي يفضل نظام صناعة الثقافة بشدة حقاً، فهو جزء من النظام وليس مسوغاً له. فإذا كان أحد فروع الفن يتبع الصيغ نفسها التي يتبعها فرع آخر له وسيلة ومضمون مختلفين، وإذا لم تصبح الخدعة الدرامية لأوبرا الصابون أكثر من محض مادة مفيدة لإظهار كيفية التحكم بالمشكلات التقنية عند طرفيّ ميزان الخبرة الموسيقية ـ كموسيقى جاز حقيقية أو تقليد رخيص ـ أو إذا تم " تعديل " نقلة من سمفونية لبيتهوفن بسماجة كي تتماشى مع المؤثرات الصوتية لفلم ما، بالطريقة نفسها التي يتم بها تحريف رواية من روايات تولستوي في نص فلم ما؛ فعندئذ يكون الزعم بأن ذلك كله يتم لإرضاء رغبات الجمهور التلقائية كلام فارغ ليسَ إلا. وقد نقترب من الحقائق أكثر إذا فسرنا هذه الظواهر بوصفها متأصلة في الأدوات التقنية والشخصية التي تشكل، وصولاً إلى آخر سن من أسنان عجلاتها، جزءاً من آلية الانتقاء الاقتصادية. كما يوجد اتفاق ـ أو على الأقل نية ـ من السلطات التنفيذية كلها على عدم إنتاج أو حظر أي شيء يخالف (بأية طريقة كانت) قواعدها rules أو أفكارها الخاصة بالمستهلكين، أو الأهم من ذلك، يخالفها شخصياً.
وفي عصرنا الراهن يتجسد الهدف الاجتماعي الموضوعي في الأغراض الذاتية الخفية لمدراء الشركة، وأهمها في أقوى قطاعات الصناعة: الفولاذ والبترول والكهرباء والكيماويات. ومقارنة بذلك تكون احتكارات الثقافة ضعيفة وتابعة لا تتمكن من التوقف عن استرضاء ذوي السلطة الحقيقيين إذا لم تشأ أن يتعرّض نطاق نشاطها في المجتمع الجماهيري (أي، النطاق الذي ينتج نوعاً معيناً من الخدمات التي ما تزال مرتبطة عموماً باللبرالية المتهاونة والمفكرين اليهود ارتباطاً وثيقاً) إلى سلسلة من التطهيرات. وهكذا يكون اعتماد أقوى الشركات الإذاعية على الصناعة الكهربائية، أو اعتماد صناعة الصور المتحركة على البنوك، صفة للنطاق بأكمله الذي تتمازج فيه الفروع الفردية اقتصادياً؛ فالكل يرتبط بإحكام إلى الحد الذي يسمح فيه التمركز المتطرف للقوى الفكرية بتجاهل التمييز بين مختلف الشركات والفروع التقنية. ويعد الاتحاد الصارم في صناعة الثقافة دليلاً على ما سيحدث في السياسة. فالتمايزات الواضحة، كتلك التي بين أفلام (أ) و(ب)، مثلاً، أو بين قصص المجلات بمختلف أسعارها، لا تعتمد كثيراً على مادة الموضوع بقدر اعتمادها على تصنيف المستهلكين وتنظيمهم وفرزهم. فثمة شيء يتم توفيره للجميع حتى لا يفلت أحد، ويتم التركيز على الفروق وتوسيعها. ويكون الجمهور مزوداً بتراتبية من المنتجات الجماهيرية بمختلف الجودة. وبذا يتم تطوير قاعدة التقييس quantification التام. ولابد لكل فرد من أن يتصرف (كما لو كان ذلك تلقائياً) بما ينسجم ومستواه المحدد والمؤشرّ سابقاً، وأن يختار صنف المنتوج الجماهيري المخصص لنوعه. ويظهر المستهلكون على شكل إحصائيات في بيانات المؤسسة البحثية، ويتم تقسيمهم ـ بحسب مجاميع الدخل المالي ـ إلى مجالات حمراء وخضراء وزرقاء. إما التقنية المستعملة فتماثل ما يتم استعماله لأي نوع من أنواع الدعاية propaganda.
ويمكن رؤية الكيفية التي يتم بها إضفاء الطابع الرسمي على الإجراء وذلك عند البرهنة في النهاية على تماثل المنتجات كلها، مع تمايزها آلياً. إذ يعدّ الاختلاف بين منتجات سلسلة كرايسلر ( )(1) وجنرال موتورز ( ) (2) وهمياً بالدرجة الأساس يجذب كل طفل لديه اهتمام شديد بالتباينات. أما نقاط الجودة أو الرداءة التي يناقشها الخبراء فليس الغرض منها سوى إدامة شكل المنافسة ونطاق الاختيار. والأمر نفسه ينطبق على منتجات وارنر براذرز ( ) (3)وميترو غولدواين ماير ( )(4). لكننا نجد حتى الاختلافات بين الموديلات الأغلى ثمناً والموديلات الأبخس ـ التي تكون من صنع الشركة نفسها ـ تتلاشى بثبات؛ فبالنسبة للسيارات هناك اختلافات معينة مثل عدد الاسطوانات [ السلندر] والسعة التكعيبية، واستخدام وسائل التكنولوجيا الباهظة، والأيدي العاملة والمعدات، وإدخال أحدث الصيغ السايكولوجية. ويتمثل معيار الجدارة العالمي بمقدار " الإنتاج المتميز "، أي الاستثمارات النقدية الواضحة تماماً. ولا ترتبط الميزاينات المالية المتباينة في صناعة الثقافة بالقيم الواقعية، أي بمعنى المنتجات نفسها، بأدنى صلة. بل حتى الوسائل التقنية يتم إقحامها بشدة لتحقيق الانتظام. ويهدف التلفزيون إلى توليفة من الراديو والفلم، ولا يتم إيقافه إلا حينما تعجز الأطراف المعنية عن التوصل إلى اتفاق، إلا أن تبعاته ستكون هائلة تماماً وتعِد بالمغالاة في تجريد المادة الجمالية حدّ أنه بحلول الغد ستتمكن الهوية المتوارية لجميع منتجات الثقافة الصناعية من أن تبرز مزهوة إلى العلن، محققة ـ بسخرية ـ حلم فاغـنر بانصهار ( )(5) الفنون كلها في عمل واحد. وهكذا يكون اتحاد الكلمة بالصورة والموسيقى أكثر كمالا مما يحصل في [قصة] تريستان ( )(6) لأن العناصر الحسية التي تعكس سطح الواقع الاجتماعي تماماً تكون ـ من حيث المبدأ ـ متجسدة في العملية التقنية نفسها التي يصير اتحادها هو مضمونها المتميز. وتقوم هذه العملية بدمج عناصر الإنتاج كلها، بدءاً من الرواية (المزمع تحويلها إلى فلم) وصولاً إلى آخر صوت من المؤثرات الصوتية. انه زهو رأس المال المستثمر الذي ينغرز عنوانه، بوصفه سيداً مطلقاً، في صميم قلوب المطرودين من صف التوظيف. إنه المضمون الزاخر بالمعنى لكل فلم مهما تكن الحبكة التي اختارها فريق الإنتاج.
لقد تم تشكيل العالم بأسره ليمر عبر مصفاة صناعة الثقافة. أما التجربة القديمة للشخص الذي كان يرتاد السينما والذي يرى في العالم الخارجي امتداداً للفلم الذي رآه للتو (لأن الأخير يهدف إلى إعادة إنتاج عالم الادراكات الحسية اليومية) فقد صارت الآن الدليل الذي يسير المنتج على هداه. وكلما كانت تقنياته تستنسخ الموضوعات التجريبية بتركيز ومن دون أخطاء، زادت اليوم سهولة أن يسود الوهم القائل أن العالم الخارجي هو الامتداد المباشر للعالم المطروح على الشاشة. وقد تعزز هذا الغرض إلى حد أبعد من خلال وسائل إعادة الإنتاج الآلي حينما تمكنت الأفلام الناطقة من فرض هيمنتها على الإنارة.
لقد صارت الحياة الحقيقية غير قابلة للتمييز عن الأفلام؛ فالفلم الناطق ـ الذي تخطى مسرح الوهم إلى حد كبير ـ لا يدع متسعاً للتخيّل أو للتأمل من جانب الجمهور الذي يعجز عن الاستجابة ضمن بنية الفلم لكنه مع ذلك يحيد عن تفصيلاته الدقيقة من دون ان يفقد مجرى القصة. وبذا فإن الفلم يجبر ضحاياه على مساواته بالواقع مباشرة. ولا ينبغي ان ننسب إثارة قوى التخيل والتلقائية عند مستهلك وسائل الاتصال الجماهيري إلى أية ميكانزمات سايكولوجية، بل عليه [ أي المستهلك ] أن يعزوا فقدان هذه الخواص إلى الطبيعة الموضوعية للمنتجات نفسها، ولا سيما الفلم الناطق، وهو الأكثر بروزاً من بينها؛ فقد تم تصميمها على نحو يحتم الحاجة إلى السرعة، وقوى الملاحظة، والخبرات من أجل إدراكها كلها. ومع ذلك تكون الفكرة الطويلة الأمد أمراً مستحيلاً إذا لم يراد للمشاهد أن يفوت على نفسه التدفق الشديد للوقائع. ومع أن الجهد المطلوب لاستجابته هو جهد شبه آلي، فلا يُترَك للتخيل أي مجال. أما أولئك الذائبين في عالَم الفلم ـ في صوره وإيماءاته وكلماته ـ إلى الحد الذي يعجزون فيه عن تزويد ما يجعله عالَماً حقا ـ فإنهم لا يضطرون إلى إمعان النظر في نقاط معينة من آلياته أثناء عرضه على الشاشة. وقد تعلّموا (من أفلام ومنتجات الصناعة الترفيهية الأخرى التي شاهدوها) أن يتوقعوا شيئاً، وبذا يكون رد فعلهم آليّاً عليها. وهكذا تنغرس قوة المجتمع الصناعي في عقول الناس. ويعلم مُصنّعو الترفيه أن منتجاتهم سوف تُستهلك بانتباه حتى حينما يكون المستهلك شارداً لأن كل واحداً منها يعدّ نموذجاً للآلية الاقتصادية الهائلة التي كانت دائما تعزز الجماهير سواء في العمل، أو في أوقات الفراغ التي هي مماثلة للعمل. ومن الممكن ان نستنتج من كل فلم ناطق ومن كل برنامج إذاعي التأثير الاجتماعي الذي لا يقتصر على أحد بل يشترك به الجميع على حد سواء. وقد عملت صناعة الثقافة ككل على تطويع الأشخاص بوصفهم نموذجاً يعاد إنتاجه في كل منتوج وبلا كلل. ويبدي وكلاء هذه العملية كلهم، بدءاً بالمنتِج ووصولا إلى نوادي النساء، عناية كبيرة إلى الحد الذي تكون فيه ابسط إعادة إنتاج لهذه الحالة الذهنية أمراً غير قابلاً للإدراك أو التوسع بأي حال.
ماكس هوركهايمر وثيودور أدورنو
ويبدو خطأ مؤرخي الفن وأمناء الثقافة الذين يشتكون من تلاشي السلطة الأساسية لتحديد الأسلوب في الغرب. فالامتلاك النمطي لكل شيء (حتى البدائي) لأغراض الإنتاج الآلي يفوق القوة والتداول العام الذي يشهده أي " أسلوب حقيقي " بالمعنى الذي يحتفي به الخبراء الثقافيون في الماضي العضوي ما قبل الرأسمالي. ولا يوجد بالسترينا( ) (7) يمكن أن يسعى وراء إزالة أي نشاز غير مخطط له وغير مصمم له أكثر من منظم موسيقيّ الجاز حينما يكبح أية خطوة لا تتماشى مع لغته الخاصة؛ فهو عندما يضفي [ أساليب ] الجاز على موزارت فانه لا يغيره عندما يكون جاداً إلى حد الإفراط أو صعباً إلى حد الإفراط فقط، بل عندما يناغم اللحن بطريقة مختلفة، وربما ببساطة أكثر، بطريقة تختلف عما هو مألوف الآن. ولا يوجد بَـنّاء من بنائيّ القرون الوسطى كان بمقدوره التمعن في دراسة الموضوعات من أجل نوافذ كنيسة ما ومنحوتاتها بدقة تفوق ما يقوم به كادر ستوديو وهو يدرس عملاً لبلزاك أو هوغو قبل الموافقة عليه نهائياً. وما كان بمقدور رجل لاهوت من لاهوتيّ القرون الوسطى أن يحدد درجة العذاب التي ينبغي للمحكوم [ الملعون ] أن يقاسيها تبعاً لقانون الحب الإلهي بدقة تفوق ما يقوم به منتجو الملاحم المتكلفة ووهم يحسبون درجة العذاب الذي يخضع له البطل، أو النقطة المحددة التي ينبغي عندها رفع حاشية ثوب البطلة. وتكون القائمة العلنية والضمنية، البسيطة والنخبوية، للممنوعات والمسموحات موسعة للغاية إلى الحد الذي لا تعيِّن فيه مساحة الحرية فحسب بل تكون شديدة السلطة في داخلها. وتبعاً لذلك يتحدد شكل كل شيء نزولاً إلى أدق التفصيلات. وعلى غرار نظيرها ـ الفن الطليعي ـ تحدد الصناعة الترفيهية لغتها الخاصة بها نزولاً إلى علم التركيب syntax الخاص بها ومفرداتها. ولا يعمل الضغط المستمر لإنتاج مؤثرات جديدة (التي ينبغي أن تنسجم مع النمط القديم) إلا كقاعدة أخرى لزيادة سلطة الأعراف حينما يهدد أي مؤثر بالانفلات من الشبكة؛ فكل مؤثر يكون موسوماً، بشدة، بميسم التشابه إلى الحد الذي لا يمكن أن يبدو فيه أي شيء غير مدموغ منذ ولادته، أو لا يحظى بالقبول من النظرة الأولى. أما النجوم، سواء أكانوا ينتجون أو يعيدون الإنتاج، فإنهم يستخدمون هذه اللغة الخاصة بطلاقة وحرية واستمتاع كبير كما لو كانت اللغة الموجودة منذ أمد بعيد. وهكذا يكون هدف الطبيعي في حقل النشاط هذا، ويصير تأثيره الأكثر قوة وتصير التقنية أكثر كمالاً، ويتلاشى التوتر بين المنتوج المُنجَز والحياة اليومية. ومن الممكن اكتشاف مفارقة هذا الروتين الذي هو صورة زائفة بالدرجة الأساس. وغالباً ما تسود هذه المفارقة كل شيء تبرز فيه صناعة الثقافة؛ فموسيقي الجاز الذي يعزف قطعة موسيقية جادة ـ إحدى أبسط قطع بيتهوفن [المينيوت] minuet ـ يقوم بتأخير النبر فيها لا طواعية، وسوف يبتسم بتشامخ حينما يُطلب منه متابعة أقسام الإيقاع المعتادة. هذه هي " الطبيعة " التي عقدّتها المتطلبات الحالية والصارخة لوسط محدد، وهي تشكل الأسلوب الجديد، أي " نظام اللاثقافة " system of non culture الذي يمكن أن يضفي عليه المرء " وحدة أسلوب " معينة، إن كان ثمة معنى في الحديث عن بربرية مأسلبة stylized barbarity.
ومن الممكن أن يصل الفرض العالمي للنمط المأسلب إلى أبعد مما هو محظور أو ممنوع شبه رسمياً؛ فاليوم ثمة استعداد لمسامحة أغنية ناجحة لعدم مراعاتها النقرات beats الاثنين والثلاثين [ من الميزان الموسيقى ]، أو لمؤشر النقرة التاسعة على نحو يفوق الاستعداد لاحتواء أكثر التفصيلات اللحنية أو النغمية التي لا تتماشى مع الأسلوب الموسيقي. وكلما أساء أورسون ويليس( )(8) إلى أساليب المهنة، نجده يحظى بالمسامحة لأن هناك من ينظر إلى انحرافاته عن القاعدة بوصفها تغيرات محسوبة تعمل على توكيد صلاحية النظام كثيراً. أما ضوابط الاصطلاح المحكوم تقنياً، والذي يتوجب على النجوم والمخرجين إنتاجه بوصفه " طبيعياً " حتى يتمكن الناس من امتلاكه، فيمتد ليشمل أجزاء بالغة الصغر تحقق دقة وسائل العمل الطليعي بوصفها مقابلاً لوسائل الحقيقة. وتصبح القابلية النادرة على الدقة في تحقيق التزامات الاصطلاح الطبيعي في فروع صناعة الثقافة كلها معياراً للكفاءة. وهكذا ينبغي لهم حساب ما يقولونه، وكيف يقولونه في اللغة اليومية، بالدقة التي تجدها في الوضعية المنطقية. فالمنتجون خبراء والاصطلاح يتطلب قوة إنتاجية مذهلة تستوعب وتشتت معاً. وقد تم، بطريقة سيئة، تخطي التمايز، المحافظ ثقافياً، بين الأسلوب الأصيل والمتكلف. ومن الممكن إطلاق صفة المتكلف على الأسلوب، وهي صفة مفروضة من الخارج على الدوافع المنيعة لشكل ما. وفي صناعة الثقافة يكون أصل كل عنصر من عناصر مادة الموضوع في الأدوات نفسها، وفي اللغة الخاصة التي يحمل الموضوع دمغتها، ولعل المشاحنات التي يتورط بها الخبراء الفنيون مع المراقبين والمشرفين بخصوص كذبة تتعدى حدود التصديق لهي دليل على التوتر الجمالي الداخلي لتشعب المصالح. إن سمعة المتخصص، التي يجد آخر بقايا الاستقلالية الموضوعية ملاذه فيها أحيانا، تتصادم مع سياسة عمل الكنيسة، أو مع المعنيين بتصنيع السلعة الثقافية، إلا أن الشيء نفسه تم موضعته أساساً وصار قابلاً للتطبيق قبل ان تبدأ السلطات الراسخة بالجدل بشأنه. وحتى قبل أن يتمكن زانوك( )(9) ـ كاتب سيرة القدسية برناديت ـ من إنجاز سيرتها، كان ينظر إليها في أيامها الأخيرة بوصفها دعاية ممتازة لجميع الأطراف المعنية. هذا ما حلّ بعواطف الشخصية. وبذا فان أسلوب صناعة الثقافة، الذي ما عاد بحاجة لاختبار نفسه إزاء أية مادة منيعة، هو أيضا إنكار للأسلوب. وصار التوفيق بين العام والخاص، بين القاعدة ومتطلبات محددة لمادة الموضوع ـ التي يؤدي تحقيقها لوحدها إلى إضفاء مضمون زاخر بالمعنى على الأسلوب ـ توفيقاً عقيماً بسبب توقف وجود أدنى توتر بين الأقطاب المتضادة: فهذه الأطراف المتفقة صارت متماثلة على نحو كئيب؛ فالعام بمقدوره أن يحل محل الخاص، والعكس صحيح.
ومع ذلك، لا يرقى كاريكاتير الأسلوب هذا إلى شيء يتعدى حدود الأسلوب الأصيل genuine style للماضي. ويعدّ مفهوم الأسلوب الأصيل، في صناعة الثقافة، المكافئ الجمالي للتسيّد [الهيمنة]؛ فالأسلوب الذي يعدّ محض مكافئ جمالي هو حلم رومانسي من أحلام الماضي. وفي كل حالة من الحالات تعبر وحدة الأسلوب، لا في العصور المسيحية الوسطى فحسب، بل في النهضة أيضاً، عن البنية المختلفة للسلطة الاجتماعية وليس عن خبرة المضطهَدين المبهمة التي يتم فيها تطويق العام. ولم يكن الفنانون العظماء أبداً أولئك الذين جسّدوا أسلوباً يتسم كلية بالكمال والعصمة عن الخطأ، بل أولئك الذين استعملوا الأسلوب كطريقة لتقوية أنفسهم ضد التعبير الفوضوي عن المعاناة، بوصفه الحقيقة السلبية. كما أن أسلوب أعمالهم منح ما تم التعبير عنه قوة لولاها لقضى الفنان حياته بعيداً من دون أن يلحظه أحد. وتتضمن أشكال الفن تلك التي تُعرَف بصفة الكلاسيكية، مثل موسيقى موزارت، اتجاهات موضوعية تمثل شيئاً مختلفاً عن الأسلوب الذي تجسده. وكان الفنانون العظماء، زمن شوبنهور وبيكاسو، يرتابون من الأسلوب، وكانوا يُخضعونه في الأوقات الحرجة إلى منطق المادة. أما ما أطلق عليه الدادئيون والتعبيريون تسمية لا حقيقة الأسلوب the untruth of style بذاته فيسود اليوم في لغة الأغاني لمطرب ما، وفي الأناقة المبتكرة بعناية لنجم سينمائي، بل حتى في خبرة المصوِّر الرائعة وهو يصور كوخاً حقيراً لأحد المزارعين. ان الأسلوب يمثل وعداً في كل عمل فني. وان ما يتم التعبير عنه يندرج عبر الأسلوب في أشكال التعميم المتسيدة، وفي لغة الموسيقى أو الرسم أو الكلمات أملاً في إمكانية التوفيق بينه وبين فكرة التعميم الحقيقي. لكن وعد العمل الفني بخلق الحقيقة من خلال إضفاء شكل جديد على أشكال اجتماعية تقليدية، يُعدّ ضرورياً بقدر ما هو زائف؛ فهو يطرح ـ بلا قيد أو شرط ـ الأشكال الحقيقية للحياة كما هي من خلال الإيحاء بان الإنجاز يكمن في مشتقاتها الجمالية. وهكذا يكون ادعاء الفن أيديولوجيا دائماً. ومع ذلك لا يستطيع الفن التعبير عن معاناته إلا في هذه المواجهة مع التراث الذي يكون الأسلوب سجله [مدونته] record. ولا يمكن لذلك العنصر الذي يتضمنه العمل الفني، ويمكنه من التعالي على الواقع، أن ينفصل تماماً عن الأسلوب، إلا انه لا يتألف من الهارموني المتحقق فعلاً، ولا من أية وحدة مشكوكة بين الشكل والمضمون ـ بين الداخل والخارج ـ بالنسبة للفرد والمجتمع، بل لابد من البحث عنه في السمات التي يتبدى التعارض فيها: في فشل العاطفي الذي يسعى سعياً محموماً وراء الهوية. ودائماً ما يعتمد العمل المتدني على تشابهه مع الأعمال الأخرى ـ أي على هوية بديلة ـ بدلاً من أن يعمد إلى تعريض نفسه لهذا الفشل الذي يحقق فيه أسلوب العمل الفني العظيم نكران الذات دائماً.
وتصبح هذه المحاكاة، في صناعة الثقافة، مطلقة في النهاية. فبعد أن توقفت عن أن تكون أي شيء غير الأسلوب، فإنها تكشف عن سر الأخير: طاعته للتراتبية الاجتماعية. أما اليوم، فتُكمل البربرية الجمالية ما هدد إبداعات الروح منذ أن تم جمعها معاً بوصفها ثقافية ومحايدة. وقد كان الحديث عن الثقافة معاكساً للثقافة دائماً. فالثقافة بوصفها مؤشراً عاماً تحوي في داخلها أصلاً بذور خطاطة وسيرورة الفرز والتصنيف التي تجلب الثقافة ضمن نطاق الإدارة. وهذا التصنيف المُصنَّع والناتج عن ذلك هو الذي يتماشى بدقة مع فكرة الثقافة. ولا يتم إشباع مفهوم الثقافة الموحدة الذي يقارنه فلاسفة الشخصية بالثقافة الجماهيرية إلا من خلال إخضاع مجالات الإبداع الفكري كلها، بالطريقة نفسها وللغاية نفسها، ومن خلال احتلال حواس الناس من لحظة مغادرة المصنَع في المساء إلى لحظة العودة إليه مجدداً في الصباح التالي، وذلك عن طريق مادة تحمل دمغة سيرورة العمل التي ينبغي لهم شخصياً الإبقاء عليها طول اليوم.
ودائماً ما تعمد صناعة الثقافة إلى غش مستهلكيها بوعودها المتواصلة. ويكون الهامش الوعدي الذي تحقق فيه اللذة، من خلال حبكاتها وأساليبها المسرحية، مطولاً باستمرار، بل إن الوعد الذي يقوم عليه المشهد بأسره لا يكون سوى وهم؛ فهو لا يؤكد سوى عدم إمكانية الوصول إلى النقطة الحقيقية مطلقاً، وأن من الضروري إشباع الشخص الذي يريد تناول الطعام بقائمة الطعام. وإزاء الشهية التي تثيرها كل تلك الأسماء والصور البراقة لن يجد المرء في النهاية أكثر من هُراء العالم اليومي الكئيب الذي سعى المرء للفرار منه. ومما لا شك فيه ان الأعمال الفنية لم تكن معارض جنسية هي الأخرى، بل إنها من خلال تمثيل الحرمان بصفة سلبية فإنها تسحب، إن جاز لنا القول، جانب العهر من الدافع وتنقذ، بالتأمل، ما تم إنكاره. ويكمن سر التسامي الجمالي في تمثيله للإنجاز بوصفه وعداً مُنتهكاً. أما صناعة الثقافة فلا تلجأ إلى التسامي بل إلى الكبت؛ فمن خلال العرض المتكرر لموضوعات الرغبة؛ نهدَين بارزين من سترة ضيقة، أو جذع عارٍ لـ[جسد] بطل رياضي، فإنها لا تفعل سوى إثارة اللذة غير المتسامية التي حوّلها الحرمان المعتاد منذ أمد بعيد إلى شكل ماسوخي. ولا يوجد موقف إيروتيكي لا يخفق ـ أثناء الإلماح والإثارة ـ بالإشارة، الصائبة، إلى عدم إمكانية الأمور أن تصل ذلك البعد مطلقاً. فمكتب هيز( )(10) لا يؤكد سوى طقوس تانتالوس( )(11)من أن صناعة الثقافة ترسخت على أية حال. وتكون الأعمال الفنية زاهدة وغير خجولة، أما صناعة الثقافة فهي إباحية ومغالية في الاحتشام؛ فالحب ينزل إلى مرتبة الرومانس، ويتم بعد هذا النزول السماح بالكثير، بل يكون هناك نصيب حتى للإجازة license بوصفها عقداً قابلاً للتسويق بما يضفي على التجارة صفة " الجريئة ". ويحقق الإنتاج الجماهيري للجنس كبته آليّاً. إذ بسبب الحضور الساحق الذي يتمتع به النجم السينمائي ـ الذي تم التخطيط للمرء أن يقع في حبه ـ فإنه يكون من الخارج نسخة عن المرء نفسه. ويكون لكل صوت رجولي صادح وقع كوقع اسطوانة كاروسو( )(12)، كما أن الوجوه " الطبيعية " لفتيات تكساس فهي تشبه الموديلات الناجحة التي عممتها هوليود. إن إعادة إنتاج الجمال آلياً ـ والذي يخدمه التعصب الثقافي الرجعي عبر تأليهه الشديد للفردانية ـ لا يدع مجالاً لذلك الحب الأعمى غير الواعي الذي كان أساسياً للجمال مرةً. وقد صارت الفكاهة تحتفي بانتصارها على الجمال. ويوجد الضحك بسبب عدم وجود شيء للضحك عليه. ودائماً ما يحدث الضحك، سواء أكان توفيقياً أم فظيعاً، حينما ينتهي خوف ما. وهو يشير إما إلى التحرر من خطر مادي أو الانفلات من قبضة المنطق. ويُسمَع الضحك التوفيقي بوصفه صدى الفرار من السلطة. ويتغلب النوع الخطأ منه على الخوف من خلال الاستسلام للقوى التي تثير الخوف. إنه صدى السلطة بوصفها شيئاً لا مفر منه. أما المَرَح فهو مستحضر طبي، ولا تخفق صناعة اللذة مطلقاً في وصف [ هذه التركيبة ]. إنها تجعل من الضحك أداة للاحتيال الذي يُمارَس على السعادة. فلحظات السعادة هي بلا ضحك، والاوبريتات والأفلام هي الوحيدة التي تصوِّر الجنس مصحوباً بضحكة رنانة. لكن بودلير بلا فكاهة شأنه في ذلك شأن هولدرلين. وفي المجتمع المزيف يكون الضحك مرضاً يهاجم السعادة ويجرها إلى مجموعته التافهة. ودائماً ما يعني الضحك على شيء السخرية منه. وتبعاً لما يذكره برغسون فإن الحياة التي تخترق الحاجز عبر الضحك هي في الحقيقة حياة بربرية معتدية؛ إنها توكيد للذات المهيأة للتباهي بتحررها من أي شك حينما تحصل مناسبة اجتماعية. إن مثل هذا الجمهور الضاحك هو محاكاة ساخرة للإنسانية، ويكون أعضاؤه مونادات( )(13)؛ الكل مكرّس للذة الاستعداد لأي شيء على حساب أي شخص آخر. أما التناغم الحاصل بينهم فهو كاريكاتير التضامن. إلا أن البغيض بشأن هذا الضحك الزائف هو انه محاكاة إجبارية ساخرة للضحك الأفضل، أي التوفيقي. وتكون المتعة متقشفة. ولهذا فإن النظرية الرهبانية ـ القائلة بأن الفعل الجنسي وليس الزهد [ الترهبن ] هو الذي يؤشر التخلي عن ذروة السعادة التي يمكن تحقيقها ـ تحظى بتأكيد سلبي إذا لاحظنا جاذبية العاشق الذي يُلزم حياته بلحظة آفلة، من خلال استبشاره. وفي صناعة الثقافة، يحل الإنكار المَرِح محل الألم الموجود في الجذب الصوفي وفي الزهد، ويكون القانون الأسمى هنا عدم إشباع رغبات [المستهلكين] بأي ثمن كان، بل لابد لهم من الضحك والاكتفاء به. ونجد في كل منتوج من منتوجات صناعة الثقافة إن الإنكار الدائم الذي تفرضه الحضارة مرة أخرى، يتم إظهاره وتسديده ـ مجدداً بلا أخطاء ـ نحو ضحاياها حيث يكون إعطائهم شيئاً وحرمانهم منه سيّان. وهذا ما يحدث في الأفلام الإيروتيكية؛ إذ يركز كل شيء على الاتصال الجنسي بسبب ضرورة عدم حدوثه مطلقاً. ويُحرَّم في الأفلام الاعتراف بأية علاقة غير مشروعة ما لم يُعاقب الأطراف على نحو يفوق تحريم انخراط شخص ما، سيكون صهراً لأحد الأثرياء، في الحركة العمالية. وبالمقارنة مع العصر اللبرالي، فقد يزداد سخط الثقافة المصنّعة والثقافة الشعبية أيضا على الرأسمالية، إلا أنها لا تستطيع أن تنكر تهديد التشويه، وهذا أمر جوهري. فهي تتفوق على القبول المنظم بالتماثل الذي نشاهده في الأفلام التي يتم إنتاجها لهذه الغاية، ونشاهده كذلك في الواقع. وما عاد التطهير هو الأمر الحاسم اليوم، مع انه ما زال يؤكد نفسه بشكل منظمات المرأة، إلا أن الضرورة المتأصلة في النظام هي بعدم ترك المستهلك لوحده، ولا للحظة واحدة للحيلولة دون تسرب أي شك إلى نفسه من أن المقاومة ممكنة. وينص المبدأ على ضرورة إظهار حاجاته كلها بوصفها قابلة للتحقيق، شريطة تحديد هذه الحاجات سلفاً إلى حد كبير يشعر فيه المستهلك بأنه الخالد، أي: موضوع صناعة الثقافة. وهذا لا يعني دفعه إلى الاعتقاد بأن الخداع الذي تمارسه عليه هو الإشباع بعينه فحسب، بل نراها تذهب إلى أبعد من ذلك وتوحي له، مهما تكن حالته، بضرورة تقبل ما تقدمه له. ومن الممكن مقارنة الفرار من الكدح اليومي ـ الذي تَعِـد به صناعة الثقافة بأسرها ـ باختطاف ابنة في أفلام الكارتون: حيث الأب يمسك بالسُـلَّم في الظلام. فالفردوس الذي تقدمه صناعة الثقافة هو نفسه الكدح القديم. ويتم سلفاً تصميم هرب البنت وفرارها مع عشيقها لتتم إعادتنا لنقطة البداية من جديد. وتؤدي اللذة إلى تعزيز حالة التسليم التي ينبغي أن تساعد على النسيان.
ولعل الترفيه، إن تحرر من أي قيد، لن يكون النقيض الوحيد للفن، بل هو دوره المتطرف. فعبث مارك توين Mark twain الذي تتغزل به صناعة الثقافة الأمريكية قد يكون، في أوقات معينة، معادلاً للفن. وكلما زادت جدية نظرة الفن إلى التعارض مع الحياة، زاد تشابهه بجدية الحياة، أي نقيضته. وكلما كرس جهداً أكبر لصب أي شيء تماماً في قالبه الخاص، زاد الجهد المطلوب من الذكاء ليعادل عبئه. وفي بعض الأفلام الاستعراضية، ولا سيما الخيالية والهزلية، تتوهج إمكانية هذا الإنكار للحظات قليلة، لكنها لا يمكن أن تحدث بالتأكيد. ان الترفيه المحض، وما ينتج عنه من استسلام الذات باسترخاء لأنواع التداعيات كلها وللهراء المفرح، يقطعه ترفيه عن السوق: أي يقاطعه، بدلاً من ذلك، معنىً عام بديل تصر صناعة الثقافة على إضفائه على منتجاتها، لكنها مع ذلك تسيء استعماله بوصفه محض ذريعة لإحضار النجوم. وتقوم السير الذاتية وغيرها من القصص البسيطة بوضع رُقَـع الهُراء على الحبكة البلهاء. ومع أننا لا نملك قلنسوة المهرج وأجراسه، لكن لدينا مجموعة مفاتيح العقل الرأسمالي التي تحمي لذة تحقيق النجاح؛ فكل قبلة في الفلم الاستعراضي ينبغي لها ان تُسهم بالمستقبل المهني للملاكم، أو لخبير أغنية ناجحة، أو لأي شخص آخر يتم تمجيد صعوده سلّم الشهرة. ولا يتمثل الخداع في كون صناعة الثقافة توفر الترفيه، بل في تدمرها للمرح من خلال السماح بإدخال الاعتبارات التجارية في الكليشات الأيديولوجية للثقافة ضمن سيرورة تنقية الذات. وتعمل الأخلاق والذوق على قطع الترفيه غير المفيد بوصفه " ساذجاً " والاعتقاد بأن السذاجة هي بقدر سوء النزعة الفكرية، بل تحد من الإمكانات التقنية. وتعدّ صناعة الثقافة فاسدة، ليس لأنها خطيئة بابلية، بل لأنها مؤسسة مكرسة للذة المتصاعدة. ونجد على الصعد كافة، ابتداءً من همنغواي وصولاً إلى اميل لودفع( )(14)، من السيدة منيفر( )(15) وصولاً إلى لون رانجر( )(16)، من توسكانيني( )(17)، إلى غي لومباردو( )(18)، أن ثمة عدم حقيقة في المضمون الفكري المأخوذ من الفن والعلم مباشرة. وتحتفظ صناعة الثقافة بأثر لشيء أفضل في السمات التي تجعلها قريبة من السيرك؛ في التسويغ الذاتي والمهارة التافهة لراكبي [الدراجات أو الحيوانات] والبهلوانيين والمهرجين، وفي " دفاعها عن الفن البدني ضد الفن الفكري، وتسويغها له ". ويتم تقليل المصادر الفنية غير الفكرية التي تمثل ما هو إنساني إزاء الميكانزمة الاجتماعية بشدة من خلال عقل خطاطي يجبر كل شيء من أجل البرهنة على أهميته وتأثيره. وتكون النتيجة اختفاء الهراء الموجود عند القاعدة تماماً مثل المعنى الموجود في قمة الأعمال الفنية.
وفي صناعة الثقافة يكون الفرد وهماً، ليس بسبب معايرة وسائل الإنتاج فحسب؛ إذ لا يتم التسامح معها إلا حينما ينعدم الشك حول تطابقها التام مع التعميم. وتكون الشخصية الفردانية الزائفة هي السائدة: بدءاً بالارتجال القياسي لموسيقي الجاز، إلى نجمة الفلم المتميزة التي يُراد لعقصات الشعر على عينيها البرهنة على أصالتها. وما عاد الفردي يمثل سوى قدرة التعميم على دمغ التفصيلات الآنية بقوة شديدة يتم قبولها على هذا النحو؛ فالجرأة أو الظهور الأنيق للفرد في الفلم يتم إنتاجها جماهيرياً مثل خصلات شعر ييل Yale التي يمكن قياس الفرق بينها بأجزاء المليمترات. وقد صارت خصوصية الذات سلعة احتكارية يحددها المجتمع، ويتم تمثيلها، خطأً، بوصفها طبيعية. وما عاد الأمر يخص الشارب [ الشنب ]، أو اللكنة الفرنسية، أو الصوت الرخيم لسيدة العالم، أو اللمسة المؤثرة؛ بل هي بصمات الأصابع على بطاقات الهوية التي لولاها لكانت كلها متماثلة، والتي من خلالها تمكنت سلطة التعميم من تحويل حيوات ووجوه كل الأشخاص. إن الشخصية الفردانية الزائفة هي شرط أساس لفهم المأساة ولإزالة سمومها: إذ فقط بسبب توقف الأفراد عن أن يكونوا أنفسهم، وتحولهم الآن إلى محض مراكز تلتقي عندها الميول العامة، أصبح بالإمكان استقبالهم جميعاً، وكلية، مرة أخرى في التعميم. وبهذه الطريقة تكشف الثقافة الجماهيرية عن شخصية " الفرد " الزائفة في العصر البرجوازي، وتكون غير عادلة في تباهيها بالتناغم الذي تحلم به بين العام والخاص.
لقد كان مبدأ الشخصية الفردانية مليئاً بالتناقضات دائماً؛ إذ لم يحدث مطلقاً أن تحقق التفريد حقاً. فالمحافظة على الذات في شكل الطبقة قد حفظت كل شخص في مرحلة كينونة الأنواع ليس إلا. فكانت كل خاصية برجوازية، رغم انحرافها بل بسببه، تعبر عن الشيء نفسه: ضراوة المجتمع التنافسي. وكان الفرد الذي دعم المجتمع يحمل علامته [ أي المجتمع ] المشبوهة. وهو وإن بدا حراً من الظاهر، فإنه كان في الحقيقة نتاج أدواته [ أي المجتمع] الاقتصادية والاجتماعية. وارتكزت السلطة نفسها على شروط السلطة السائدة حينما سعت وراء موافقة الأشخاص الذين تأثروا بها. وكان المجتمع البرجوازي ـ أثناء تقدمه ـ يقوم أيضا بتطوير الفرد. وتمكنت التكنولوجيا، على عكس إرادة قادتها، من تغيير البشر من أطفال إلى أشخاص. ومع ذلك، فان كل ما يطرأ على التفريد من تقدم من هذا النوع كان يتم على حساب الشخصية الفردانية التي كان كل شيء يجري باسمها. ولذلك لم يتبقَ سوى قرار الفرد باتباع هدفه الخاص. والبرجوازي ـ الذي انشطر وجوده إلى عمله التجاري وحياته الخاصة، والذي انشطرت حياته الخاصة إلى المحافظة على صورته العامة وعلاقاته الحميمية، والذي انشطرت علاقاته الحميمية إلى شراكة الزواج الأكيدة ومرارة راحة البقاء وحيداً تماماً، ليكون في خصام مع نفسه ومع كل شخص آخر ـ صار بالنهاية نازياً، يضج بالحماس والإساءة، أو صار شخصاً حديثاً يقطن المدن لا يستطيع الآن تخيل الصداقة إلا بوصفها " صلة اجتماعية ": بمعنى إن له صلة اجتماعية بآخرين لا تربطه بهم صلة باطنية. والسبب الوحيد وراء نجاح تعامل صناعة الثقافة مع الشخصية الفردانية هو إن الأخيرة كانت تعيد دائما إنتاج المجتمع الهش. ويختفي من على وجوه أفراد خاصين، وأبطال سينمائيين يتم انتقاءهم تبعاً لأنماط أغلفة المجلات، التظاهر الذي لا يصدقه الآن أي شخص؛ فشعبية موديلات الأبطال تأتي، إلى حد ما، من شعور خفي بالرضا مفاده أن الجهد الرامي لتحقيق التفريد حل محله، آخر الأمر، جهد يهدف إلى المحاكاة، وهو وفي الحقيقية أكثر مشقة. ومن السخف أن نأمل أن لا يدوم لأجيال هذا " الشخص " المنحل الذي يناقض ذاته، أو أن ينهار النظام بسبب وجود مثل هذا الانشقاق السايكولوجي، أو أن البشرية لن تطيق تماماً الإحلال المخادع للصورة النمطية محل الفرد. فمنذ " هاملت " شكسبير كان يتم النظر إلى وحدة الشخصية عبر التظاهر. ومن الناحية التركيبية، نجد أن ملامح الوجه التي يتم إنتاجها تبين أن ناس اليوم قد نسوا أصلا ما كانت عليه حياة البشر. فطوال قرون كان المجتمع يتهيّأ لفيكتور ماتشور( )(19) وميكي روني( )(20). فقد وصلوا إلى الإنجاز من خلال التدمير.
إحالات:
(1 ) سلسلة كرايسلر Chrysler: شركة سيارات أمريكية بدأت عملها لأول مرة عام 1925 وأعادت تنظيم نفسها في عام 1986. كانت ثالث اشهر ماركة سيارات في الولايات المتحدة (بعد شركة جنرال موتورز وشركة فورد) أسسها والتر ب. كرايسلر Walter P. Chrysler. وقد تولت أعمال شركة سيارات ماكسويل (التي بدأت عملها لأول مرة عام 1913). من اشهر فروعها اليوم شركات تتضمن صناعة سيارات بلايموث، دودج، سيارات كرايسلر لنقل المسافرين. (المترجمة)
(2) جنرال موتورز General Motors: أكبر شركة سيارات في العالم، بل الشركة المتخصصة بصنع السيارات في العالم، أسسها عام 1908ويليام س. ديورانت William C. Durant. من أشهر ماركاتها بيوك، كاديلاك، اولدزموبيل، اوكلاند. (المترجمة)
(3) وارنر براذرز [ وارنر أخوان ] Warner Brothers: شركة الرسوم المتحركة التي صار اسمها، منذ عام 1969 يكتب هكذا Warner Bros.، أشهر ستوديو أمريكي للرسوم المتحركة الذي قدم أول صورة ناطقة عام 1927. وقد أسس الشركة الأخوة وارنر، وهم: هاري، البرت، صاموئيل، جاك، أولاد بنيامين ايخلبوم Benjamin Eichelbaum، الإسكافي والبائع المتجول البولندي الأصل. وقد بدأ الاخوة عملهم بتقديم الصور المتحركة في صالات المسافرين في اوهايو وبنسفلانيا ثم صارت لديهم مسارح خاصة حتى تمكنوا من توزيع الأفلام وإنتاجها. ونقلوا في عام 1917 مقرهم إلى هوليود. وقد قدمت هذه الشركة أول فلم ناطق وأول فلم ملون، وتمكنت أيضاً من تقديم البرامج التلفزيونية وإصدار الكتب والاسطوانات الموسيقية وصارت شركة وارنر براذرز عام 1969 فرعاً من شركة اتصالات وارنر. وفي 1989 اندمجت الشركة مع شركة تايم وارنر وهي أكبر شركة إعلامية وترفيهية في العالم. وقامت شركة تايم وارنر بافتتاح شركة WB، وهي شبكة إذاعية تلفزيونية عام 1995. (المترجمة)
(4) ميترو غولدواين ماير Metro Goldwyn Mayer: شركة أمريكية كانت تمثل في وقتها اكبر وأغنى ستوديو للصور المتحركة. وقد وصل الأستوديو إلى ذروة نجاحه في الثلاثينات والأربعينيات [ من القرن العشرين ]. وتعاقدت هذه الشركة مع أبرز الشخصيات منها غريتا غاربو، ميكي روني، اليزابيث تايلور، جين كيلي، غرير غارسون. وتعرض الأستوديو في الخمسينيات إلى التدهور وخضع لسلسلة من التغيرات الإدارية في الستينات حتى انتهى به الحال إلى بيع الكثير من موجوداته في السبعينات، واتجه إلى نشاطات غير فلمية، مثل الفنادق والكازينوهات. (المترجمة)
(5) الانصهار Gesamtkunstwerk: مصطلح صاغه فاغنر ويعني به " العمل الفني بأسره ". ويقصد بذلك اتحاد الموسيقى والدراما الذي جاء ذلك انعكاساً لاهتمامات المؤلفين الموسيقيين في القرن التاسع عشر. (المترجمة)
(6) تريستان Tristan: الشخصية الرئيسة في قصة حب شهيرة في القرون الوسطى ترتكز على أسطورة سيلتية تتحدث عن علاقة عاشقين يتعرضان إلى كثير من المخاطر والصعوبات والمؤامرات ينتهي بهما الحال إلى الموت فتنمو عند قبريهما شجرتان تتشابك أغصانهما على نحو لا انفكاك له. (المترجمة)
(7) بالسترينا Palestrina: (المولود عام 1525 بالقرب من روما، والمتوفى عام 1594 في روما) مؤلف موسيقي إيطالي من عصر النهضة، ألف اكثر من (105) قداس و(250) ترنيمة. وكان سيد التأليف الموسيقي. ذاع صيته بسبب الموسيقى الدينية التي كان يؤلفها حتى ان البابا غريغوري الثالث عشر عهد إليه باستعادة الأناشيد الدينية التراثية. وقد أبدع في مهمته، إلى جانب تمكنه في الوقت نفسه من تأليف موسيقى دنيوية. وقد ساعد على تأسيس رابطة للموسيقيين المحترفين استطاع من خلالها المحافظة على مستوى رفيع من الموسيقى، بنوعيها الديني والدنيوي. (المترجمة)
(8) أورسون ويليس Orson Welles: (المولود في 6 أيار، 1915 في وسكونسن، والمتوفي في 10 تشرين الأول، 1985 لوس أنجلس) ممثل ومخرج ومنتج وكاتب لأفلام الرسوم المتحركة. من أبرز الأفلام التي ألفها وأخرجها وأنتجها ومثَّل فيها فلم المواطن كين (عام 1941) الذي برع فيه في استعمال التقنيات السردية والفوتوغرافية والدرامية والإضاءة والموسيقى. وبدأ عمله في الإذاعة في بداية عام 1934 حيث أجرى تغييرات على مسرحية ارشيبالد ماكليش الشعرية " رعب ". (المترجمة)
(9) زانوك Zanuck: (المولود في 5 أيلول،1902 في ولاية نبراسكا الأمريكية، والمتوفى في 22 كانون الأول 1979 في كاليفورنيا) اسمه الكامل داريل فرانسز زانوك منتج ومنفذ سينمائي في هوليود لمدة تزيد على الأربعين عاماً. برع في كتابة نصوص متفردة ورائعة وقد التحق باستوديو وارنر براذرز عام 1924 وقدم نصوصاً لسلسة رن تن تن الشهيرة ثم ذاعت شهرته منتجاً للأفلام، كان من أبرزها فلم " مغني الجاز " (عام 1927) الذي كان الفلم الذي دشن ثورة الأفلام الناطقة. وقد أحرز مكانة متقدمة لنفسه أثناء عمله في وارنر براذرز وذلك من خلال التعليق على الأفلام أثناء مرحلة تحريرها. (المترجمة)
(10) مكتب هيز Hays Office: مؤسسة في الولايات المتحدة تضم استوديوهات الرسوم المتحركة التي تقدم المساعدات للاستوديوهات كما تقدم لها المشورة بخصوص الضرائب وتجري علاقات دولية عامة من اجل صناعة الأفلام. وقد تكوّن هذا المكتب أصلاً من منتجي وموزعي الرسوم المتحدة لأمريكا الذي تأسس عام 1922 من قبل استوديوهات الإنتاج الكبرى في هوليود كاستجابة على تزايد الرقابة الحكومية على الأفلام عقب ردة فعل شعبية عارمة على عدم الاحتشام في عرض الأفلام والفضائح. وقد سميّت هذه المؤسسة " مكتب هيز " تيمُناً باسم ول هـ. هيز Will H. Hays وهو أول مدير للمكتب وكان له دور بارز فيه. (المترجمة)
(11) تانتالوس Tantalus: في الأسطورة الاغريقية هو نجل زيوس (كبير الآلهة وحاكم ليديا). كان ملكاً على سيبيليوس في ليديا وصديقاً حميماً للآلهة التي كانت تدعوه إلى مائدتها. إلا أنه تعرض لعقوبة الآلهة لأنه أساء إليها حينما كشف للبشر الأسرار التي تعلمها في السماء. وثمة سبب آخر وراء هذه العقوبة وهو انه سرق طعام الآلهة من السماء وقدمه للبشر. وهو يُعذّب في الجحيم بتعليق صخرة فوق رأسه على وشك السقوط عليه وتحطيمه. ومن هنا جاء الفعل الإنكليزي tantalize، أي يُعذِب بقسوة. (المترجمة)
(12) كاروسو Caruso: (المولود في 27 شباط 1873 إيطاليا، والمتوفى في 2 آب 1921) اسمه الأصلي اريكو كاروسو Errico Caruso، أشهر مؤدي أوبرالي إيطالي في القرن العشرين، وأحد أوائل الموسيقيين الذين وثّقوا أصواتهم على اسطوانات الفونوغراف. (المترجمة)
(13) المونادة monad: مصطلح جاء به لايبنتز Leibnitz منشئ المذهب الروحي الحديث الذي يقول في فلسفته المميزة (المونادولوجيا Monadology) أن الموجودات تتألف من ذرات روحية (مونادات) متناهية العدد لا تقبل التجزئة بالفعل ولا في الذهن، ولا تتعرض للفناء وتنزع دوما إلى العمل والحركة، وتتميز بأنها بسيطة لا شكل لها ولا مقدار، وبها تتكون الأشياء، يوجدها خالق فتصدر عنه كما يصدر النور عن الشمس، وهي مدركة وان كان إدراكها يتفاوت قوة وضعفاً، فيقوى إدراكها طردياً مع الترقي من الجماد إلى الحيوان فالإنسان، فالله (الذي هو موناد المونادات)، كما يسميه هو. وكل موناد يتصور الكون ذاته لكن من منظوره الخاص وتبعاً لقابلياته الخاصة. (المترجمة)
(14) أميل لودفيغ Emil Ludwig: (المولود في 25 كانون الثاني 1881 في ألمانيا، المتوفى في 17 أيلول في سويسرا) كاتب ألماني اشتهر بكتابة الكثير من السير الذاتية لشخصيات معروفة، وله كتابات أخرى في المسرح والشعر. نشر عام 1920 أول سيرة ذاتية لغوتة التي نصّبته كاتباً في " المدرسة الجديدة " للسيرة الذاتية التي تركز على الذات. وظهرت له سير كثيرة باللغة الإنكليزية منها مثلاً: نابلي