أن تعود بمعدة ممتلئة وعقل فارغ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عادة ما يتسلل الكتاب إلى مقاهيهم متأبطين أحلامهم وقصاصاتهم الإبداعية يؤرقون الكراسي أو يصاحبون الندى المتقطر عليها صباحا ، والمقهى مخزون ضجيج ودخان وموسيقى وملامح وانكسارات وضحكات وصفقات... إنها الحياة ملتقطة بزووم صغير والكاتب الحقيقي صائد تفاصيل و باحث في مناجم المدهش.
في المقهى ترتفع الكراسي بعد تضييع مهاجم لهدف، و تهتز الرموش لخصر مغنية، وفي المقهى أيضا تعقد صفقات وتباع أوهام، لكن ما كنت أتخيل أن تتحول بعض مقاهي المغرب إلى فضاءات تحتفل بالكاتب وبالكتاب وهما المهمشان في وطن يقال انه لامكان لزمن الكتاب فيه أسوة بباقي دول العالم الثالث التي لا تقرأ ـ فحسب إحصائية أكدت أن المواطن المغربي يقرأ بمعدل كتاب واحد للشهر هذا إن سلمنا جدلا بمواظبته على القراءة.
والحديث عن أزمة تواصل المبدع مع متلقيه في مغرب اليوم لها ظلال في الأمس، فهي ظاهرة مؤرقة لكل مكتو بالكتابة أمام قلة دور النشر وندرة الملاحق الثقافية وضعف القدرة الشرائية أمام غلاء الكتاب وموسمية المجلات التي تعنى بنشر النتاج الثقافي، ناهيك عن تقصير المؤسسات المسؤ ولة عن التنمية الثقافية، التي تخرج بمبادرات قد لاتغني ولا تسمن من قراءة.
ولعل مبادرة المقاهي الثقافية مبادرة جديدة ربما لدر الرماد في عيون الوسط الثقافي والمهتمين به، رغم أنها ليست فتحا مبينا من فتوحات مسطري المشاريع الثقافية في المغرب فهي جزء من القرصنة الحميدة لنسخة درجت عليها الدول التي تحترم المبدع وتفهم انه جزء من المجتمع لا كائنا خطيرا يخشى أن تتسلل سمومه إلى فكر العامة و يشكل خطرا على كيانات تخشى الضوء وتستره عن مريديه.
يقول السيد محمد الكحص كاتب الدولة المكلف بالشباب: "إن الهدف من المقاهي الثقافية هو ترسيخ تقليد ثقافي مفيد داخل المجتمع المغربي"، لكن هذا وحده لا يكفي، لأننا أمام ظاهرة جديدة على المجتمع المغربي تستحق المتابعة وتستحق رصد معطيات وشروط مدعمة، لا أن نترك الأمر مرة أخرى للمبادرات الفردية أو الجماعية، سواء تعلق الأمر في اختيار المقاهي أ واختيار الكتاب، إننا أمام مشروع وطني كان من الأجدر به أن يخرج من دائرة الشعار الى دائرة التحقق الأوسع بمعنى: أن لا يقتصر على المدن الكبرى وهنا بالذات تطرح دائما مركزة الفعل الثقافي وتبقى مدن الهامش في سباتها العميق وفي مقاهيها التي تأكل الوقت كما يأكل التهميش روادها.
هذه المبادرة سبقتها مبادرة أخرى تمثلت في دعوة الكتاب الى الانفتاح على المؤسسات التعليمية والجامعية والتواصل مع الطلاب، وهي أيضا مبادرة متميزة لكنها لم تستمر بفعالية لأننا دائما نسقط في اكراهات العشوائية والمبادرات الفردية الغير مدعومة.
ننتظر من المقاهي الأدبية أو التي كان من الأجدر تسميتها المقاهي الثقافية والفكرية لأنها أعم وأقرب الى المشروع الخصب الذي سيستفيد منه المجتمع المغربي لو فعل بنجاعة أن تعمل الى جانب الاحتفال بالنتاجات الأدبية المختلفة ومبدعيها وتسليط الضوء على تجربتهم، على الاقتراب من هموم المواطن وطموحاته وانتظارا ته، وتفتح نقاشات لتصحيح مساراته الفكرية والاجتماعية والدينية ،أمام تنامي الفكر التعصبي والعنصري واستشراء أفكار ظلامية وعادات اجتماعية بعيدة كل البعد عن شريعتنا الإسلامية و حياتنا الاجتماعية والثقافية ...ننتظر منها أن تكون مقاهي يجلس فيها الفنان والشاعر والمفكر والسياسي والباحث الاجتماعي والمفكر الإسلامي الى جمهوره، لينزل الجميع من أبراجهم، ويستمعوا الى تساؤلات الإنسان البسيط الذي يذهب للمقهى هربا من أسئلة حياة تطارده أمام عجزه عن فهم أسرارها أو غياب من يشد بيده الى مواجهتها.
مقاهي للتسامح واستقطاب الشباب وتوعيته بالرهانات التي تنتظره سواء تعلق الأمر بمصيره الفردي أو مصيره الجماعي الوطني.
كما ينتظر من الدولة التي فتحت هذا الورش أن لا تنفض يديها عنه وأن ترمي الكرة الى المجتمع بمختلف مكوناته، عليها أن تدعمه وتسعى الى تقييمه ورفده بالجديد ولما لا هيكلته حتى لا تترك الأمور على عواهنها أو تخمد هذه الشعلة كما خمدت شعل سابقة.
المشروع لازال في بدايته ولم تعمم شبكته على سائر مدن المملكة، يحتاج الى مواكبة إعلامية تحسيسية والى تكاثف مختلف الجهات التي تملك بالفعل إرادة البحث عن خلاص لأزمة مجتمع لا يقرأ .
جميل أن تذهب إلى المقهى وفي انتظارك مثقف وكتاب والأجمل أن تعود الى البيت متوهج الفكر بعد نقاشات بناءة لا أن تعود مطاردا من أزيز السيارات والنيكوتين والأخطر أن تعود بمعدة ممتلئة وعقل فارغ.