عبد الرحمن منيف يعود في رواية بدايات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قدم الروائي الراحل عبد الرحمن منيف، نفسه للساحة الأدبية في بداية سبعينات القرن الماضي، برواية (الأشجار واغتيال مرزوق)، وكان اختيارا موفقا له إلى حد بعيد، كما أتضح ذلك فيما بعد.
ثم تتابعت أعماله الأولى مثل (قصة حب مجوسية)، و(حين تركنا الجسر)، و(شرق المتوسط)، وكلها نشرت في نفس الفترة، وان تميزت باختلاف موضوعاتها وأساليبها.
ومن روايات تلك الفترة رواية تحمل اسم (أم النذور)، أنهاها منيف في دمشق عام 1970، ولم يكتب لها أن ترى النور، كما تقول سعاد منيف وتضيف "أجلت أم النذور مرة بعد أخرى، إلى أن أعاد قراءتها في الفترة الأخيرة دون أي تعديل أو ملاحظة عازما على نشرها، ولكن..".
ولكن حدث ما هو معروفا، من الموت الذي غيب الروائي الكبير، ولكنه لم يغيب (أم النذور) التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمان وبيروت، والمركز الثقافي العربي للنشر والتوزيع في بيروت والدار البيضاء.
وفي تقديمها القصير للرواية تكتب سعاد منيف "كما كتب عبد الرحمن عن كتابه (سيرة مدينة) انه: ليس سيرة ذاتية لكاتبه وان تقاطعت السيرتان بسرعة وجزئيا، وفي بعض المحطات، كذلك أم النذور، وان التقطت وتقاطعت ببعض الرؤى والصور التي اختزنها الطفل وسمع عنها، في سنيه الأولى، وفي محيط الكبار وممارساتهم".
وتضيف "ومثلما يكون عالم الطفولة ملحا وعاصفا في حياة كل إنسان فقد كان هاجسا مقلقا له، من هنا كانت أم النذور أولى الأعمال التي كتبها وافرغ ذلك الحزن الدفين وقلق الحياة والموت بالنسبة لعام الصغار".
ولكن من هي أم النذور هذه؟، لا يوجد أفضل من كلمات منيف نفسها للتعريف بها "أم النذور، هذه الشجرة المقدسة، حتى الان، إذا جلست النسوة في باحات البيوت، أيام الصيف والخريف، وهبت ريح من جهة الغرب حاملة معها رائحة الرطوبة، تتنسم كل امرأة رائحة أم النذور، وتغمض عينيها وتتمنى!، والقصص التي تروى عن الأماني المستجابة كثيرة ومتداخلة، ثمارها أكثر من أوراقها..تشفي من الأمراض وتعيد المسافرين وتكشف المسروقات. حتى أن بركات الشيخ وأم النذور أصابت الجميع".
وبطل الرواية الطفل سامح الذي يواجه عالما مختلفا بمفرداته الفريدة وشخصياته الغامضة، والمخيفة، والمحببة.
تقول منيف "رواية أم النذور، من أول ما كتب عبد الرحمن منيف، كأنها بداية لمساره الطويل، تبدأ مع ما اختزنته مرحلة الطفولة".
وتضيف "أم النذور، رواية ذلك الطفل في مواجهته الأولى للحياة خارج منزله. عالم الكتاب حيث الشيخ زكي الذي يقوم بتعليم الأطفال، وأداته الأساسية في التعليم: قضبان متفاوتة الأطوال. انه رمز التطويع".
ولكن إذا كان ثمة رموز في الرواية فإنها تتقاطع مع أسماء وشخصيات شديدة الواقعية تتماهى مع الرموز، إلى درجة يصعب فيها التمييز بين الرمز والحقيقة مثل: الشيخ مجيب، الشيخ درويش، النهر، أم النذور.
تكتب منيف "خوف شديد مستبد، يواجه الطفل سامح منذ ملامسته الأولى للمجتمع، ذلك الخوف الذي يجعل الجميع خاضعين لقوى ولأساطير ولأوهام تجعلهم عاجزين عن المواجهة فيتحولون مثل أمه الخاضعة لوالده، كما لتلك المراة التي تكتب الرقى أو تحضر الأدوية المرة كالعلقم".
ومع رواية البدايات هذه يكتمل عالم منيف الروائي، إذا لم تكن هناك مفاجآت أخرى، ويكون في جعبة عائلته مسودات أخرى، خطها منيف وتركها، وحيدة، لمصيرها، بعد أن غادر، هو الأخر وحيدا إلى عالم لا يعود منه احد.