محفوظ 51 عاما في القفص الذهبي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من القاهرة: في 27 سبتمبر القادم يمر على زواج الاديب العالمي نجيب محفوظ 51 عاماً، والطريف في قصة زواج محفوظ انه أخفى زواجه من "عطية الله ابراهيم" عن والدته واصدقائه وأقربائه لمدة 10 سنوات، أنجب خلالها بنتين هما ام كلثوم وفاطمة، وقد تزوج في سن متأخرة فقد كان يبلغ من العمر 43 عاماً، وكان يردد دائماً للمقربين منه وللصحافة انه عازف عن الزواج بقوله "فاتني القطار"، او بسبب انشغاله بمشروعه الادبي، بالاضافة الى انه مسؤول عن والدته واخته الارملة واطفالها بعد وفاة والده وزواج اخوته الاكبر منه سناً، وقد فضل الاحتفاظ بخبر زواجه سراً للحفاظ على حياته الخاصة كأديب، فقد قرر ان يتزوج في الفترة التي انقطع فيها عن الكتابة أي بعد قيام ثورة 52، وكان يعبر عن هذه الفترة من حياته انها فترة اليأس الادبي، لذلك كان لديه الوقت ليفكر في تأسيس عائلة بالاضافة الى ان دخله المالي ازداد من خلال كتابة السيناريوهات، التي كانت تدر عليه مالا اكثر من مدخول الادب، والجدير بالذكر ان خبر زواجه انتشر بعد ان تشاجرت احدى بناته مع زميلة لها في المدرسة، وانتقل الخبر الى صديقه الراحل صلاح جاهين من خلال والد الفتاة، وانتشر الخبر بين الاصدقاء والاقارب.
ونلقي الضوء هنا على تصريحات لنجيب محفوظ للصحافة عن رأيه بالمرأة "أنه ينظر الى المرأة نظرة اعتزاز ويرى ان الحياة بدونها ناقصة ولا لون لها وأن وظيفة المرأة في البيت لا تقل عن وظيفتها في الوزارة" كما يرى "ان الحب هو أن يجد الانسان في شخص آخر ما يحدث في شخصيته من الناحية المادية والروحية توازنا وانسجاما و يؤمن ان الحب الناضج يقوم على امرين وهما الجاذبية الجنسية والتوافق الروحي ودونهما لا يكون حب"، وأن "الزواج مؤسسة ضرورية في المجتمعات فاذا كان موفقا من الناحية التعليمية والتربوية والثقافية فهو يبشر بقيام حضارة في هذه البقعة". والجدير بالذكر هنا أن الاديب العالمي، الحاصل على جائزة نوبل يقيم في شقة بالعجوزة وهي عبارة عن شقة متواضعة أقام فيها منذ سنوات طويلة ولم يغيرها حتى بعد ان اشتهر عالميا.
مشوار محفوظ:
نجيب محفوظ من الشخصيات التي صنعت تاريخاً أدبياً لمصر وللعالم العربي، تاريخاً يمتد قرابة 68 عاماً منذ بداية كتابته للقصة القصيرة وانصرافه الى العمل الادبي بشكل شبه دائم، فلقد ولد محفوظ في القاهرة في حي الجمالية في 11 ديسمبر 1911، وامضى طفولته في العديد من الاحياء القديمة مثل العباسية والحسين والغورية والتي كان لها أثر على كتاباته الادبية، وقد عاش في جو أسري يسوده الحنان والاحترام، والده " عبد العزيز ابراهيم احمد الباشا"، ووالدته " فاطمة" ابنة الشيخ مصطفى قشيشة من علماء الازهر، وكان شديد التعلق بوالدته خصوصا بعد وفاة والده وبقائه معها بعد زواج اخوته، و كانت والدته تزوده بالكتب النادرة من الازهر، وترافقه لزيارة الآثار المصرية القديمة ومشاهدة الموميات، و كان فارق السن بينه وبين أخوته له أثر على حياته العائلية والاجتماعية، فلعبت الصداقة دورا كبيرا في حياته للتعويض عن هذا الفارق.
بدأت رحلته مع التعليم عندما بلغ الرابعة من عمره في ذهابه الى "ُكتَاب الشيخ بحيري"، ومن ثم التحق بمدرسة بين القصرين الابتدائية، و حصل على شهادته الثانوية من مدرسة فؤاد الاول، وعلى ليسانس الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة، وحصل بعدها على اجازة في الفلسفة عام 1934 وأثناء اعداد رسالة الماجستير كان لديه صراع حاد بين متابعة دراسة الفلسفة وبين ميله الى الادب الذي نمى بعد قراءاته الكثيرة للعقاد وطه حسين، لذلك قرر فيما بعد ان يتفرغ تماماً للأدب، وقد بدأ محفوظ بنشر مقالات وابحاث فلسفية وهو في سن التاسعة عشر لمدة 15 عاماً، الى أن اختار الكتابة الادبية فبدأ بكتابة القصة القصيرة عام 36، ونشر اول قصة قصيرة له في المجلة الجديدة الاسبوعية وكانت بعنوان " ثمن الضعف". والجدير بالذكر أن العقاد وطه حسين اول من تنبأوا بتميز نجيب الادبي، فلقد كتب طه حسين مقالة عن رواية بين القصرين وقال فيها ان نجيب محفوظ سيكون له شأن كبير في المستقبل، كما تنبأ العقاد بفوز محفوظ بجائزة نوبل.
كان محفوظ شديد الاهتمام بالنواحي الفنية والتاريخية الأثرية، ولديه حب للقراءة والاطلاع، كان يقرأ الروايات البوليسية المترجمة وهو في سن العاشرة، وبدأ يقرأ الروايات الغرامية في سن الثالثة عشر، وفي مرحلة متقدمة من حياته كان يهتم بقراءة كتب السير والتراجم الخاصة بمؤسسي الدولة الاسلامية وقراءات في الفلسفة والتصوف، كما قرأ و تأثر ب بلزاك، البير كامي، فلوبير، تولستوي، زولا، مارسيل بروست.
عمل في العديد من الوظائف الرسمية ولكن العمل الذي انخرط فيه وسيطر على حياته هو الكتابة، فعمل سكرتيراً برلمانياً بوزارة الاوقاف من عام 38 حتى 45، ثم انتقل للعمل في مكتبة الغوري بالازهر، ثم مديرا لمؤسسة القرض الحسن بوزارة الاوقاف وتدرج في مناصبه فعمل وزيرا لمكتب الارشاد، ومن ثم مديرا للرقابة على المصنفات الفنية في عهد وزير الثقافة ثروت عكاشة، وبين عامي 52- 59 كتب نجيب محفوظ عددا من السيناريوهات للسينما،ومن ثم عمل مديرا عاماً لمؤسسة دعم السينما، وبعدها مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والاذاعة والتلفزيون، ثم عين رئيسا لمجلس ادارة المؤسسة العامة للسينما الى ان أحيل الى التقاعد عام 1971، فانضم الى مؤسسة الاهرام وعمل بها كاتباً.
محفوظ والطبقة المتوسطة:
كانت اهتماماته وكتاباته موجهة الى البسطاء، جسد هموم الناس واحلامهم، كانت اولى رواياته التي نشرها عن التاريخ الفرعوني ومن ثم بدأ يكتب الرواية الاجتماعية التي نقل فيها حياة الطبقة المتوسطة في أحياء القاهرة، وصور حياة الاسرة المصرية البسيطة، كما عبر عن هموم ومشاكل الانسان المصري البسيط، فكانت رواياته تتميز بالواقعية، وكان يعتبر ان الطبقة المتوسطة هي حجر الاساس للمجتمع المصري، فهي الاكثر تأثيراً وتأثراً بكل ما يحدث من تقلبات اجتماعية وسياسية واقتصادية، فخلال مشروعه الادبي لم يكتب الا عن الطبقة المتوسطة، وقد ظهرت موهبة محفوظ في ثلاثيته الشهيرة( بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية)
نجيب مصر المبدع:
معنى اسم نجيب كما ورد في المورد، النجيب هو المتفوق او النبيل، فهو اسم على مسمى، فالبرغم من ظروف حياته الاجتماعية التي عاشها بالاضافة الى ظروفه الصحية الا ان ذلك لم يقف حائلا في طريق ابداعه واستمرار حبه للقراءة والاطلاع، فبالرغم من ضعف بصره ورجفة يديه التي منعته من الامساك بالقلم، لا يزال يصر على الكتابة، ويساعده سكرتيره "الحاج صبري السيد" بالكتابة عن طريق الاملاء، بالاضافة الى أنه يقرأ له صحف الاهرام والاخبار والوفد وبعض المجلات، فهو يتصل بالعالم الخارجي من خلال الحاج صبري وبعض الاصدقاء الذين يلتقي بهم ويتناقش معهم بأمور الحياة.
فلقد تعرض نجيب محفوظ في عام 1994 لمحاولة اغتيال على يد شاب متشدد، والمفارقة هنا ان هذا الشاب لم يقرأ لمحفوظ على الاطلاق، وهذا الحادث أثر على قدرته على الكتابة وعلاقته بمتابعة امور الحياة، فقد صرح للصحفي سامح كريم في جريدة الاهرام عام 2001 "انه منذ 8 سنوات لا يستطيع ان يقرأ مجلة او كتاب او صحيفة ولم يشاهد تلفزيون او سينما او مسرح"، كما ان هذا الحادث لم يثنيه عن الكتابة فكتب بعدها عن الذين كان لهم الدور الكبير في النهضة الادبية والفنية في العالم العربي مثل سيد درويش، الشيخ مصطفى عبد الرزاق، زكريا احمد، كما صرح في هذا اللقاء "لو عاد به الزمان الى بداياته لاختار ايضا ان يكون كاتباً".
محفوظ والسيرة الذاتية:
لم يكتب نجيب محفوظ سيرته الذاتية لغاية يومنا هذا، وعلى ما يبدو انه لن يكتبها، فهو يعتبر ان كتابته لسيرته الذاتية امر غير مجدي، فهو يرى ان السياسين او القادة العسكريين هم الذين يتركون بصمة في التاريخ، ومن الاجدى ان يكتبوا سيرتهم، ويرى محفوظ ان حياته روتينية عادية لا تستحق كتابة سيرة ذاتية، وبالرغم من ذلك انشغل المثقفين والكتاب بتوثيق سيرته بعدة طرق فاصدر أ. رجاء النقاش كتابا يحتوي على رأي محفوظ في الحياة العامة والسياسية التي عاشها، ولكن لم يذكر الكتاب ما يتعلق بحياة محفوظ الخاصة، فنجيب محفوظ لا يحب الخوض في الحياة الخاصة ويرى ان مجتمعنا العربي له من العادات والتقاليد التي لا تسمح بكتابة الحياة الخاصة بوضوح وصدق.
كما اصدر أ. جمال الغيطاني كتاب " نجيب محفوظ يتذكر" وهو عبارة عن لقاءات تمت بينه وبين نجيب محفوظ دار فيها العديد من الاسئلة، كما صدر كتاب " نجيب محفوظ سيرة ذاتية وادبية" بقلم حسين عيد، وهو رصد لسيرته الذاتية من خلال اعماله الفنية الكثيرة، وبالرغم من هذه الاصدارات يعتبر محفوظ ان حياته اوسع واشمل مما تم نشره لغاية الآن.
أعمال وارقام:
في عام 78 بدأت الجامعة الامريكية في ترجمة اعمال محفوظ، واصبحت وكيلا لنشر اعماله المترجمة عام 85، نشرت اكثر من 400 طبعة من اعماله المترجمة والتي بلغت 23 عملا حتى الان.
بيع من اعماله المترجمة حسب ما يؤكد مسؤول النشر في الجامعة الاميركية اكثر من مليون نسخة في انحاء العالم.
الطبعات الاولى من اعمال محفوظ لم تكن تتعدى 5000 نسخة وبعد نوبل تجاوزت عشرات الالاف لكل طبعة.
تم ترجمة اعماله من الانجليزية الى 28 لغة آخرها الاندونيسية والالبانية.
طبعت الجامعة الامريكية مجلد يضم الثلاثية الشهيرة وهي الاكثر مبيعا بين اعماله ترجمت الى 13 لغة أخرى.
زقاق المدق ترجمت الى 17 لغة.
اللص والكلاب 11 لغة غير الانجليزية.
ميرامار 10 لغات غير الانجليزية.
وصلت روايات محفوظ الى 35 رواية و15 مجموعة قصصية.
تعامل محفوظ مع ناشر واحد وهو سعيد جودة السحار صاحب دار مصر للطباعة التي طبعت جميع اعمال محفوظ باستثناء رواية اولاد حارتنا التي نشرتها دار الاداب بسبب منعها في مصر.
السحار صرح ان اكثر كتب محفوظ مبيعا هي الثلاثية التي طبع منها 22 طبعة، تليها الحرافيش، بداية ونهاية، القاهرة الجديدة، اللص والكلاب، زقاق المدق.
الفنان " جمال قطب" مصمم كل اغلفة اعمال نجيب محفوظ بحكم منصبه المشرف الفني على اعمال دار مصر للطباعة منذ عام 1965 وحتى الان.
الاعمال التي كتب لها السيناريو: بداية ونهاية، الثلاثية، ثرثرة فوق النيل، اللص والكلاب، الطريق.
حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 1959
اهدته الجامعة الامريكية الدكتوراة الفخرية عام 1995، والعضوية الشرفية للاكاديمية الامريكية للادب عام 92.
ترجمت العديد من اعماله الى لغات مختلفة مثل الانجليزية والفرنسية بعد حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 88 التي حصل عليها عن رواية " أولاد حارتنا"، وتسلمت ابنتا محفوظ الجائزة نيابة عنه.
احلام قترة النقاهة:
أخر أعمال الاديب العالمي نجيب محفوظ كتاب "أحلام فترة النقاهة"
الكتابة عن نجيب محفوظ لا تنتهي، وعند الكتابة لا يسع اي كاتب الا ان يصفه بعدة صفات والقاب لتميزه وتميز ادبه مثل، الروائي العالمي، رائد الرواية العربية، أمير وفارس الرواية، علم من اعلام الادب العربي، اول عربي يحصل على جائزة نوبل، علامة حاسمة في تاريخ الكتابة العربية، نقطة مضيئة في تاريخ الادب العالمي، نجيب محفوظ فخرنا، نجيب محفوظ يكبر ولا يشيخ، نجيب محفوظ الابداع المتجدد، كتاباته تملك القدرة على النفاذ الى الانسان في كل مكان، كتاباته تجعلك تزداد معرفة بنفسك اولا كانسان ومن ثم تزداد معرفة ببلدك.
ومن أجمل ما كتب "ان الجوائز لا تشرف الرجال .. ولكن الرجال هم الذين يشرفون الجوائز، فاذا كانت نوبل قد اعطت نجيب محفوظ حفنة من المال، فانه قد اعطاها من فنه مالا بقدر مال".
نجيب محفوظ يمثل قيمة كبيرة لذلك للحديث بقية....