ثقافة الهزيمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سلوى اللوباني من القاهرة: "إن أسوأ شئ يصل اليه الخصم، هو القبول بالأمر الواقع، وتلك هي ثقافة الهزيمة"، مقولة للفيلسوف هيجل، استخدمها الكاتب "محمد عبد السلام العمري" في مقدمة كتابه الجديد لعام 2006 بعنوان "ثقافة الهزيمة..حاضر الثقافة المصرية"، وقد بدأت فكرة الكتاب تراوده منذ عام 2003، عندما أصبح غير قادراً على الصمت، وقرر انجاز الكتاب، بعد أن صمت طويلاً، فمعظم أعماله تعرضت للمصادرة، لما تثيره من قضايا وتساؤلات شائكة ومسكوت عنها.
صدر الكتاب في 300 صفحة، وهو عبارة عن دراسة في حال الثقافة المصرية الحالية، وأسباب ما آلت اليه، والجدير بالذكر أنها دراسة غير مسبوقة، فلم يتطرق لها أي مهتم أو متخصص كما ذكر الكاتب، لذلك تطلبت العناء والجهد الكثير، ليحصل الكاتب على موضوعات دراسته، من خلال جمع العديد من الأحداث الثقافية، والآراء والتحقيقات الصحفية الثقافية، وقراءة كتباً جديدة، واعادة قراءة للعديد من الكتب القديمة المهتمة بالثقافة المصرية، لعدد من المفكرين والكتاب، بدءا من د. طه حسين، وجمع في دراسته أكثر من 100 حديث لوزير الثقافة "فاروق حسني" من عشرات المجلات والجرائد، ليدرس ويقارن ويحلل حال الثقافة المصرية، وكما وضح الكاتب أن أحداث هذا الكتاب حقيقية، وليست متجنية، وأنها حدثت بالفعل، وان ايقاع أحداثه تتوالى، لذلك "حان وقت البكاء على ثقافتنا".
زمن الانحطاط الثقافي:
يرى الكاتب أن الثقافة تنهار يوماً بعد يوم في كل مجالاتها، وأن كل فرع من فروعها قد تم تدميره، ونهب نهباً منظماً، ومازال هذا التدمير والنهب مستمراً، تحت مظلة هذه الثقافة، و طرح آراء عديدة حول تعمد تدمير الثقافة المصرية، وقارن كثيراً بين الثقافة في عهدي "طه حسين" و"ثروت عكاشة" وبين الثقافة الحالية، واستعار مصطلح د. حافظ دياب "الانحطاط الثقافي" لانه يليق بهذا الاوان، وطرح عدة تساؤلات حول الاسباب التي أوصلت الثقافة المصرية الى هذا المستوى من الانحطاط؟ هل هو منهج الدولة المهتم فقط بالجانب الاقتصادي؟ أم انقسام المثقفين في أغلبهم الى طوائف براجماتية، واعتبر أن أقلهم ضرراً الفريق الذي آثر الصمت، لأن هناك فريق آخر وصفه الكاتب بالأجير(لوزير الثقافة)، شارك بشكل أو بآخر بنحت هذا المصطلح.
ثقافة الظل:
أفرد الكاتب في 24 فصل تحليله لحال الثقافة المصرية في عهد وزير الثقافة الحالي (يشغل منصب وزير الثقافة منذ 18 عاما) من خلال الاحداث الثقافية في كل الفروع، فمن معرض الكتاب، ومجلات وزارة الثقافة، الى مشروع السياسة الثقافية، وصولاً الى سرقة الآثار المصرية، لدرجة أن البعض كون متاحف منها، بالاضافة الى نهب مخطوطات ووثائق ومراجع دار الكتب والمحفوظات المصرية على مدى سنوات عديدة، كما يرى أن هذه الثقافة ساهمت في بيع وتدمير التراث السينمائي، وتدمير المسرح، والتي كانت محصلته النهائية محرقة المسرح في بني سويف، وهي ثقافة تعمل على القطيعة بين المثقفين، وبينهم وبين وطنهم، ثقافة تقف الى جانب الدولة والسلطة، وتحصر الثقافة الحقيقية والمثقفين في جانب آخر، ثقافة انتاجها المعرفي مهترءا، فهي ثقافة تصادر الحرية والابداع، وتتنصت على هواتف المثقفين، وتسجنهم... "الثقافة المصرية الان لا تحتوي على فكراً أصيلاً متميزاً خلاقاً، فلم يعد في مصر ثقافة، بل صياغة ثقافية، وانقلبت المعايير"، كما وصف الكاتب حال الثقافة المصرية ب ثقافة الظل، فالمناخ العام الذي يسود البلد، هو عدم السماح للنخبة المثقفة أو لاي فرد في المجتمع بالمشاركة فيما يحدث الآن، وثقافة الظل بدأت منذ انكسار المشروع القومي، بالاضافة الى الانفتاح، وسرقة الوطن، والضغوط الاقتصادية، وتحويل الوطن الى بلد خدمات وليس بلدا منتجاً، وغياب القيم والأخلاق، تحت تأثير الاستخفاف والاستسهال، فأصبح هناك ما يسمى ثقافة السلعة، واصبحت الثقافة صفقات، وانتشر أشباه المثقفين، "وتصدروا المشهد الثقافي في كل مكان يؤيدون في ناحية، ويشجبون في ناحية أخرى"، يرى الكاتب أن هذه الثقافة مهتمة فقط بالمؤتمرات، والدعاية، والمهرجانات، والتلميع... "ثقافة سمحت لوزير ثقافة هذا الاوان، بالادلاء باكثر من 150 حديثاً صحفياً متضارباً، منذ شغل هذا المنصب حتى الان".
وزير الثقافة:
عرض الكاتب أحاديث وزير الثقافة بالتفصيل، ووضح التناقضات، كما خصص صفحة في مقدمة الكتاب لأقوال الوزير واطلق عليها "الأقوال المأثورة"، نذكر منها المثقفون جميعهم الان في الحظيرة "الاهرام العربي"، والتي استقال على أثرها العديد من المثقفين في المجلس الاعلى للثقافة، المثقفون يلتفون حولي كالهاموش "الاهرام العربي"، استقالتي في جيبي "في أغلب أحاديثه"، انا أعلم تماما قبل الدخول الى اي معركة أنني الرابح فيها "القاهرة"، أتجوز ليه ما دامت النساء متاحة "الاهالي"، وبعد تحليل أقواله ومقابلاته وتصريحاته الصحفية، وجد الكاتب أن وزير الثقافة "ليس لديه فكر مسبق، ولم يكون فكرياً، وأن أفكاره عشوائية، وتعتمد بشكل أساسي على افكار الاخرين"، وقدم العديد من المواقف التي تشير الى ذلك، بالاضافة الى عدم وعيه بالتاريخ الاثري والتراث الحضاري، وقدم بعض الأمثلة، نذكر منها، يقول "أن المثقفين عمالين يندبوا على مبنى الاوبرا (المدمر) القديم، دا خشب بغدادلي"، أي أنه في مفهومه لا قيمة له، كما طرح الكاتب العديد من التساؤلات حول مواقف الوزير بما أنه مسئول عن رعاية الفنون المصرية، "لماذا لا يخطر بباله أن في مصر فنانين كباراً آخرين، أجدر منه عشرات المرات، بعرض ابداعاتهم في متحف اللوفر الفرنسي، والمتروبوليتان الامريكي، اللذين خصصهما لعرض فنونه التجريدية، التي لا يفهم أحداً منها شيئاً"، وتساءل أيضاً "هل لعرض لوحاته في المتروبوليتان، علاقة باهدائه تمثال "الفلاح" للسيدة مادلين اولبرايت، وزير خارجية امريكا في عهد كلينتون، هل يملكه شخصياً، ومن أين امتلكه؟. ومن الذي اعطاه الحق، وهو نسخة واحدة اثرية غير مكررة"، يرى الكاتب من خلال دراسته أن وزير الثقافة "مشغول بالاهتمام والانتقام من كل من عارضه، وكل من قال كلمة حقيقية، وبتقسيم المثقفين، وزرع الفرقة بينهم، وبوضع كل تليفوناتهم تحت الرقابة، وبمنع الاسم الذي يريد الانتقام منه من النشر، في أي مطبوعة والتعتيم عليه"، وذكر الكاتب تجربته الشخصية في هذا المجال من حيث مصادرة كتبه، ومنعه من النشر، وسد أبواب الرزق في وجهه.
مستقبل الثقافة:
قدم الكاتب من خلال دراسته أيضاً مستقبل الثقافة المصرية، الذي يعتبره مستقبل الوطن ذاته... "لا مستقبل لمصر الا بامتلاكها قدرة الحفاظ على أمنها القومي، ولا يمكن تحقيق هذا الامن القومي، بقوة الجيش وحدها، بل هو يتحقق قبل قوة الجيش والاقتصاد بقوة الثقافة المصرية، لانه بغير هذه الثقافة لن يكون هناك جيش قوي، وليس هناك مستقبل للثقافة بمعزل عن دور الثقافة نفسها، واسهامها في شتى المجالات التي نعيشها، في ظل هذه الاوضاع الثقافية المتردية"، كما أضاف أنه لا يمكن أن تنشأ ثقافة مصرية حقيقية جديدة وجادة، الا بالتأكيد على حرية الفكر، واعتبر أننا بحاجة الى عودة الوعي، والى الوعي بأهمية أن نتثقف.
ومن الجدير بالذكر أن للكاتب العديد من الاعمال القصصية والروائية، بالاضافة الى الدراسات المختلفة، نذكر منها قصة "بعد صلاة الجمعة"، التي كتب عنها أكثر من 50 مبدعاً ومفكراً وناقداً، وقام الشيخ الغزالي باصدار فتوى ضده، بأنه يندد بحدود الله من خلال قصته، وقصة "بستان الازبكية"، التي صادرتها الرقابة الادارية، بالاضافة الى "رواية الجميلات" التي صادرتها نيابة أمن الدولة العليا، بناء على بلاغ وزير الثقافة بأنه يهدد السلام الاجتماعي، وأنساق قيم المجتمع المصري، ومن ثم أصدر القضاء المصري قراراً بالغاء المصادرة والافراج عنها، رواية "قصر الافراح"، صودرت في 3 دول خليجية، وسحبها توزيع الاهرام من المكتبات بعد يوم واحد من توزيعها، ومن أعماله الروائية "اهبطوا مصر"، التي لم يكتب عن رواية عربية مثلما كتب عن هذه الرواية، تناولتها أكثر من 100 دراسة، واعتبرها د. صلاح فضل أهم رواية في الوطن العربي، ومن الدراسات التي قام بها "عمارة الفقراء او عمارة الاغنياء"، وهي دراسة حول عمارة "حسن فتحي"، ومن أعماله التي لا تزال تحت الطبع "هل نحن حقاً أمة من الرعاع".