عالم الأدب

الوثائق السرية لطه حسين: التغريب والدين والشيعة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

القاهرة (رويترز): تلقى الرسائل المجهولة التى تلقاها الدكتور طه حسين أو أرسلها الى اخرين أضواء ليس على صاحبها فقط بل على عصر من التنوير وجيل اختلفت فيه الاراء ولا تزال. ويحظى حسين الذي لقب بعميد الادب العربي الى الان بمكانة مرموقة في الفكر العربي باعتباره نموذجا للمفكر الموسوعي الذي يؤمن بأن له دورا أكبر من حدود الجامعة فهو الذي أطلق صيحة "التعليم كالماء والهواء" حين أصبح وزيرا للمعارف (التعليم) في مصر عام 1950. والرسائل التي تنشر لاول مرة ضمها مجلد ضخم يقع في 1081 صفحة كبيرة القطع بعنوان (طه حسين.. الوثائق السرية) وحققه الناقد المصري عبد الحميد ابراهيم وأصدرته دار الشروق بالقاهرة. وقال ابراهيم في تقديم الكتاب ان اللحظة التاريخية في مطلع القرن العشرين "انتقت شخصا واحدا له من الملكات والقدرات ما يستطيع به أن يفي بمقتضياتها" في اشارة الى عميد الادب العربي (1889 - 1973). لكنه أشار تحت عنوان (لحظة التغريب) الى أن كتاب (مستقبل الثقافة في مصر) الذي صدر للعميد عام 1938 كان "وثيقة اعلان انتصار النموذج الاوروبي. ان النموذج الاوروبي لم يعد قابلا للنقاش عند طه حسين كما أن الظواهر الاوروبية التي تغلبت على حياتنا المادية والمعنوية لم يعد يفهمها طه حسين مرتبطة بلحظتها التاريخية ولم يعد ينظر اليها بموضوعية من خلال تراث المنطقة."
وأضاف أن حسين لم يكن يهدف من وراء المقارنة بين النموذجين الغربي والشرقي الى الخلاص من الجهل في بيئته وانما "الى تفريغ النموذج الشرقي من ثقافته وثوابته واعداده لكي يتقبل الحياة الجديدة ويندمج في الثقافة الاوروبية... طه حسين وضع البذور الاولى لتفريغ الحضارة العربية من عنصر الدين" مشيرا الى أنه كان يستخدم أسلوبا مناورا لا يجاهر فيه بالفكرة بل "يدسها" عبر أسلوبه الجميل الذي يتسلل الى مشاعر القاريء.
وربما تكون الصفحات التسعون التي شغلتها مقدمة ابراهيم موضوعا لدراسة أو كتاب مستقل عن فكر العميد وليس مكانها المناسب كتابا عن رسائل أقرب الى مدخل انساني اليه.
ويضم الكتاب رسائل وقصائد مجهولة كتبها شعراء وأدباء بارزون في مدح العميد ومنهم العراقي محمد مهدي الجواهري واللبنانيان خليل مطران وجورج جرداق والمغربي علال الفاسي ومن المصريين عباس محمود العقاد وأحمد زكي واحسان عبد القدوس والشيخ محمد متولي الشعراوي.
وتكشف الرسائل عن جانب من شخصية كاتبيها اذ يكتب عبد القدوس رسالة للعميد الذي عاتبه على عدم ارسال كتبه اليه فيقول ان مشكلته "الحقيقية أني منذ عامين وقد فقدت الثقة في نفسي الى حد أني لم أعد مقتنعا بأن لي انتاجا أدبيا يستحق أن يقرأه أستاذي الكبير طه حسين. ووجدت نفسي صريع أزمة نفسية قاسية أبعدتني عن كل الناس وكل مراكز الحركة وكل من أحبهم واكتشفت في نفسي أني انسان ضعيف غاية الضعف." ويضيف عبد القدوس الذي اكتسب شهرة من جرأته في تناول القضايا الاجتماعية وبخاصة ما يمس تحرر المرأة أنه ظل يحمل ضعفه منذ الطفولة وكان يحاول اخفاءه "تحت ستار من العناد الكاذب والغرور المفتعل" وأنه كان لا يستطيع الهروب من ضعفه الا عندما يكتب.
كما تكشف الرسائل مستوى الرقي في التخاطب بين المثقفين حتى لو اختلفت مذاهبهم. اذ تبدأ رسائل العقاد بكثير من الاحترام "حضرة الاستاذ القدير الدكتور طه حسين" و"سيدي الدكتور الاجل" و"حضرة الاخ الاستاذ العالم الجليل" أما توفيق الحكيم فكانت رسائله تبدأ باقتضاب "صديقي العزيز" و"أخي الجليل".
أما سيد قطب الذي كان يلقب بتلميذ العقاد وكان أول من تحمس للروائي المصري نجيب محفوظ وكتب عن رواياته الاولى فيخاطب العميد قائلا "عزيزي طه" و"سيدي الدكتور".
وأعدم قطب عام 1966 بعد أن وجهت اليه تهمة التامر على نظام حكم الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر في قضية شهيرة شملت بعض رموز جماعة الاخوان المسلمين عام 1965.
ومن الشعر المكتوب في مدح العميد قصيدة كتبها الشيخ الشعراوي في يناير كانون الثاني عام 1955 حين كان عضو بعثة الازهر بالسعودية وفيها يقول "هو طه في خير كل قديم - وجديد على نبوغ سواء. هو شيخ قد جمع الله فيه - ما يريد الطموح من ارضاء." وكان حسين أول من حصل على درجة دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية عام 1914 قبل أن يذهب الى فرنسا وينال درجة الدكتوراه عام 1918 عن مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون من جامعة السوربون. ثم تولى تدريس التاريخ والادب بالجامعة المصرية منذ عام 1919 الى أن عين عميدا لكلية الاداب بجامعة فؤاد الاول (القاهرة) عام 1930. وتعرض العميد للمساءلة في العشرينيات بعد نشر كتابه (في الشعر الجاهلي) حيث وجهت اليه -بسبب جملة ناقش فيها الحقيقة التاريخية لبعض الانبياء- تهمة تمس عقيدته الدينية لكن النيابة حفظت التحقيق. ومن كتبه الاخرى (الايام) وهي سيرة ذاتية في ثلاثة أجزاء (وعلى هامش السيرة) و(المعذبون في الارض) و(الفتنة الكبرى) في جزءين هما (عثمان) و(علي وبنوه) و(قادة الفكر) و(من حديث الشعر والنثر) و(دعاء الكروان).
وتشير الرسائل إلى سعة صدر العميد وسماحته التي تجلت في اعتزاز الشيعة في العراق برأيه.
ففي عام 1956 تلقى رسالة من مدير مكتبة الإمام الحسن بالكاظمية يذكره فيها بأن المكتبة أهدت إليه نسخة من الكتاب الأول من منشوراتها وعنوانه (صلح الحسن عليه السلام) وأن المكتبة بصدد إعادة طبع الكتاب حيث "طلبنا إلى معاليكم التفضل بتسجيل رأيكم بالكتاب المشار إليه لينشر في صدر الطبعة الجديدة". لكن المحقق لم يشر إلى استجابة العميد أو اعتذاره عن عدم تلبية ذلك الطلب.
ويبدو أن الشيعة في العراق كانوا حريصين على رأي العميد ودعوته إلى كتابة مقدمة بعض كتبهم كما تثبت ذلك رسالة حسن كاظم علوش وهو معتمد الإمام الشيخ عبد الكريم الزنجاني عام 1956 إذ يخاطبه قائلا "حضرة صاحب المعالي الأستاذ الكبير والفيلسوف الشهير طه حسين الأفخم" ثم يذكره بأنهم أرسلوا إليه بالبريد نسخة من كتاب (دليل الحياة) وأن الطبعة الثانية تأخر صدورها بسبب انتظار رأيه ليكون مقدمة للكتاب "ونظرا لمؤازرتكم الأخوية الدينية مع سماحة الإمام الزنجاني طلبنا من معاليكم التفضل علينا بإرسال تقريضا (كذا) للكتاب سالف الذكر."
كما وجه محمد الصلوات مدير مكتبة الإمام كاشف الغطاء في رسالة إلى العميد التحية على كتابه (علي وبنوه) الذي "فاز فيه المسلمون بحياة الإمام وشخصيته الحقيقيتين".
لكنه رغم اعتباره العميد "نصيرا للأدب والتاريخ" أخذ عليه أنه مر على حادثة يوم الغدير كعابر سبيل في حين استفاض في الحديث عن يوم السقيفة "يوم انتزاع الخلافة من علي" حيث بويع أبو بكر خليفة للنبي محمد. ودعاه إلى الإسهام بقلمه في تصوير "حقيقة هذا اليوم" في احتفال بالمجمع النجفي بمناسبة تلك الذكرى. ولم يذكر محقق الرسائل ما إذا كان العميد قد أرسل رسالة قرئت في الاحتفال أم لا.
ويعتقد الشيعة أن الله أكمل الدين الإسلامي يوم الغدير الذي يعتبرونه عيدا حيث ينسب إلى النبي محمد حديث ألقاه على آلاف المسلمين بعد أداء الحج في عامه الأخير وأوصى فيه بالخلافة لعلي بن أبي طالب بعد أن أخذ بيده وقال "من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه و عاد من عاداه. وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف