قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"آثار الحجارة" والخوف الشمولي
رغم إفتقار السينما الألمانية الحديثة للمخرجين المرموقين مقارنة بالسينما الأمريكية أو الإنجليزية أو الفرنسية غير أنها تمكنت أن تقدم بين وقت وآخر نماذج لا يمكن تغافلها في مجال التجديد والبحث عن أطر جديدة للتعبير الفني، قدمت العديد من الأعمال ذات المستوى العالمي سواء من ناحية التمثيل أو الإخراج أو الشكل، ومن أشهرهم راينر فيرنر فاسبندر (1945- 1982) وفولكر شلوندورف و فيرنر هيرزوج وغيرهم في ألمانيا الإتحادية. وقد أسست أعمال هؤلاء المخرجين لمرحلة تجريبية متميزة في تاريخ السينما الألمانية أسست على ما قدمه كبار المخرجين الألمان في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي من إنتاج يحمل طابع التعبيرية مثل روبرت فينه (1873- 1938) وفريدرش مورناو (1888- 1931) وفرتز لانغ (1890- 1976) التي تركت بصماتها على مجمل الإنتاج السينمائي في القرن العشرين ومازالت تشكل لحد يومنا هذا أهم أعمدة السينما المعاصرة. ولم تقتصر ظاهرة إستلهام هذا الماضي الغني على غرب ألمانيا، بل لعبت دورا كبيرا في بناء فن سينمائي جديد في شرق ألمانيا (المانيا الديمقراطية)، حيث أستفادت الأخيرة من وجود ستوديوهات Ufa الشهيرة في بابلسبيرع على مقربة من بوتسدام، حيث أسست فيها أول شركة سينمائية ألمانية بعد الحرب بموافقة من قوات الإحتلال السوفيتي وأنتجت اول فلم الماني يعالج أوضاع ما بعد الحرب ونتائجها تحت إسم "مازال القتلة بيننا" أخرجه فولفغانغ شتاودة (1906- 1984) الذي سرعان ما وجد نفسه مضطرا للهجرة الى الغرب رغم قناعاته اليسارية، بعد أن وضع أسس حركة سينمائية جديدة تركت آثارا واضحة على تاريخ السينما في "المانيا الديمقراطية" رغم هيمنة النهج الواقعي السوفيتي الذي تم ترسيخه فيما بعد من قبل المخرج المعروف كونراد وولف (1925- 1982) بعد عودته من المهجر. ورغم الصعوبات الإقتصادية والعملية وهيمنة الدولة على القطاع السينمائي أستطاعت مؤسسة "ديفا" السينمائية أن تخرج نخبة من المخرجين الموهوبين ذوي الحس النقدي العميق ومن بينهم إيغون غنتر (1929) و هاينر كارو (1929- 1997) ومجموعة لا تعد من المخرجين الذين لم تتاح لهم فرصة العمل بلا مضايقات في ألمانيا الشرقية وأخيرا وليس آخرا فرانك باير الذي مات يوم الأحد الماضي في المستشفى عن عمر يناهز 74 سنة بعد أن ترك مجموعة من الأفلام المهمة في تاريخ السينما الألمانية لم يقتصر تأثيرها على شرق ألمانيا، بل أكتسب بعضها شهرة عالمية ومنها "ياكوب الكذاب" الذي رشح في حينها للحصول على جائزة نوبل و"آثار الحجارة" الذي أختارته صحيفة " سود دويتشة تسايتونغ" ضمن أفضل مئة فلم و "عار بين الذئاب" عن رواية للكاتب الألماني برونو آبيتز الذي تدور أحداثه في معسكر إعتقال "بوخنفالد".
الأفلام
لقد قام فرانك باير بإخراج ما يزيد عن 16 فلما من مختلف الأجناس تتعرض لمواضيع مختلفة إضافة الى عدد من الأفلام الوثائقية والتلفزيونية. وكان منذ بداية حياته الفنية عرضة للتشكيك من قبل "قيادة الحزب والدولة" بالتماشي مع النظرية القائلة: "لكل سؤال لا يوجد هناك سوى جواب واحد "- أيريش هونيكر- ، بكل ما تجسده من تناقض مع جوهر العملية الإبداعية القائمة أصلا على إخضاع كافة مظاهر الحياة للجدل والتمحيص. ورغم قناعاته اليسارية والمعادية للفاشية إضافة الى كونه كان عضوا في الحزب الإشتراكي الموحد الحاكم حينه أصبح هذا الفنان المبدع في قائمة الملاحقة التي توجت أخيرا بطرده من الحزب ومنعه لسنوات عديدة من ممارسة عمله الفني. ومن الجدير بالذكر أن مظاهر الريبة والشك تجاه فرانك باير بدأت بعد عرض فلم "عار بين الذئاب" المبني على رواية أعتمدت أحداثا حقيقية جرت في معسكر الإعتقال النازي "بوخنفالد" ووثقها الكاتب الشيوعي السجين حينها برونو آبيتز: تدور أحداث الرواية حول مجموعة من السجناء السياسيين الخاضعين للعمل الإجباري خارج المعسكر يقومون بتسريب طفل يهودي فقد والديه الى المعسكر ويشرفون هناك على رعايته حتى تحرير السجن من قبل القوات السوفيتية في نهاية العام 1944. وللتخفيف من الطابع الإيديولوجي للرواية ركز باير على النزاعات التي جرت بين الأسرى حول ضرورات المقاومة والتي تدفعهم أخيرا إلى إهمال الطفل تهيؤا للتحرير، مما عرضه للنقد الشديد من قبل أجهزة الرقابة والحزب، لكونه لا يتماثل مع ضرورات "الإلتزام" بمبادئ ما يسمى ب "الواقعية الإشتراكية". أما فلم "آثار الحجارة" فقد منع حال عرضه في السينما في العام 1965، لكونه حسب ما أدعت وزارة الثقافة : "يسىء لتاريخ الحزب والطبقة العاملة." والفلم يعتمد على رواية للكاتب الألماني الشرقي إيريك نويتش، تعالج بشكل مكشوف مظاهر الرشوة والفساد في مجال الإعمار في ألمانيا الشرقية. وقد أعتمد الفلم أسلوبا حديثا في معالجة الموضوع يذكر بشكل ما بأفلام "الواقعية الجديدة الأيطالية". ومع منع الفلم فرضت مؤسسة الـ "ديفا" على المخرج قرارا يمنعه من دخول ستوديوهاتها بقي ساري المفعول حتى سنة 1974، حيث سمح له بإخراج فلم "ياكوب الكذاب" الذي يعيدنا مرة أخرى الى أجواء معسكرات الإعتقال، مركزا على شخصية سجين يهودي إسمه ياكوب، يشيع بين السجناء أخبار حول إقتراب الجيش السوفيتي من المعسكر مدعيا أنه يملك جهازا للإستقبال يبشر بهذه الأحداث، وذلك بهدف نشر الأمل وسط السجناء. وقد رشح الفلم للحصول على جائزة الأوسكار بعد سنة من ذلك. ولم تقتصر صعوبات فرانك باير على فترة وجوده في ألمانيا بل أستمرت في الغرب، حيث لم يتمكن من إنتاج المسلسل التلفزيوني المأخوذ عن رواية أوفه يونسون "مناسبات" بسبب إحتدام المشاكل مع الشركة المنتجة للفلم. رغم هذا فقد واصل فرانك باير عمله السينمائي والتلفزيوني لحد إصابته بالمرض في العام 1997.