عالم الأدب

شاعر المكسيك وابن المهاجر يترجمه مهجري

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بيروت من جورج جحا(رويترز): عندما نقرأ بالعربية شعرا كتب بلغة غيرها ونكاد لا نشعر بتلك الهوة التي غالبا ما نواجهها في الشعر المترجم.. تتبادر الى الذهن افكار ربما لخصها او لخص بعضها قول "بوليسي" انجليزي هو "تحتاج الى لص للقبض على لص." واذا اردنا "ترجمة" هذا القول عمليا بعيدا عما يبدو من "ابتذال" متوهم فيه وهو ربطه بمعناه الاول القريب.. نصل الى اننا بحاجة الى نفس وعقل يستطيعان فهم نفس وعقل اخرين ومعايشة تجاربهما كي يمكن نقل هذه التجارب او ما يقاربها بشكل تبقى فيه محافظة على روحها وعلى دم الحياة الذي فيها.
وكما يقال احيانا في النقد عن شراكة ضمنية بين شاعر وقارىء لنتاجه كي تصبح عملية التلقي ناجحة.. فاننا بكلام اخر بحاجة الى قدرة على شراكة تقوم الى حد ما بين من نترجم نتاجه ومن يقوم بترجمة هذا النتاج. ومن هنا نفهم القول الانجليزي في شكل اخر هو اننا نحتاج الى شاعر لنقل قصائد شاعر اخر او "للقبض" على قدر مهم من تجاربه وحالاته النفسية والفكرية.
عند قراءة سابينس دون ان نعرف من هو مترجمه.. نشعر بان من اعطى قصائده الاسبانية الاصل صياغة وروحا عربيتين هو شاعر ايضا. هذا ما فعله الشاعر اللبناني "المهجري الحديث" قيصر عفيف بعدد من قصائد خايمي سابينس ابن المهاجر اللبناني الذي يعتبر الان اهم شعراء المكسيك حيث يعيش عفيف. الصفحات المئة والثماني المتوسطة القطع التي صدرت بالعربية بعنوان "خايمي سابينس..قصائد مختارة" والتي "هيأ" نصها العربي قيصر عفيف اصدرتها "دار نلسن" في السويد في نطاق منشورات مجلة "الحركة الشعرية" في المكسيك التي يتولى عفيف رئاسة تحريرها.
في "تقديم" نقرأ عفيف الشاعر والناقد والصحافي الذي درج على ان يمضي قسما من ايام الصيف سنويا في لبنان متحدثا عن ان "تاريخ الهجرة اللبنانية الذي بدأ منذ منتصف القرن الثامن عشر لم يكتب ولم يوثق بعد. منذ البداية كانت الاضواء تسلط على المهاجرين الذين اصابوا نجاحا في اعمالهم وكان النجاح دائما يعني الثروة الطائلة... لكن لم يتناول احد حياة المهاجرين الفقراء الذين قضوا على الطرقات وفي الادغال ركضا وراء دينار الغربة الاسود. انقطعت اخبارهم واختفت اثارهم... كما لم يتناول احد الشرذمة التي وقعت فيها بعض العائلات فتفرق ابناؤها في الجهات كما حصل لعائلة صغبيني" وهي اصلا من منطقة سهل البقاع اللبناني.
فمن اصل ثلاثة اخوة من عائلة صغبيني استقر اثنان في كوبا اما خليل الشقيق الثالث فاستقر في المكسيك والتحق بالجيش الجمهوري تحت قيادة الرئيس فنستيانو كارانزا ووصل الى رتبة رائد وعرف باسم خوليو. لاحقا تزوج من ابنة حاكم ولاية تشيابس الجنوبية وانجب منها ثلاثة اولاد اخرهم خايمي الذي ولد سنة 1926 "والذي كان اصغرهم وبالتالي اكثرهم دلالا والذي اصبح اكثر شعراء المكسيك شهرة وشعبية في القرن العشرين."
يروي الشاعر عن طفولة رائعة في كنف والديه "ظل يتذكر ما كان يرويه والده من قصص حملها معه من لبنان ومنها قصص "عنتر" ومغامراته "وكثيرا ما كان الاب المهاجر يردد امام اولاده اغنيات شعبية لبنانية. وتقلب الفتى في مدارس ومعاهد وامضى سنوات في دراسة الطب لكنه ادرك انها ليست مهنته. ويصف تلك السنوات في المدينة بقوله "اظن ان سنوات الوحدة والالم هي التي صنعت َالشاعر في. تعلمت الوحدة والقلق والاضطراب في الحياة البشرية. قرات بجنون.. خصوصا الكتاب المقدس. كان هذا الكتاب عزائي لا بالمعنى الديني ولكن لاني رايت فيه اناسا اخرين يتالمون يعانون الوحدة والحب وتحطمهم الحياة كل يوم."
درس سابينس في كلية الاداب والفلسفة في الجامعة الوطنية في مكسيكو وتعاطى السياسة لفترة قصيرة فانتخب نائبا ومن ثم عضوا في الكونجرس عن مكسيكو ونال عددامن الجوائز الادبية.
يقول عفيف "تخدعك بساطة الشعر الذي تركه خايمي سابينس. تعبير واضح بسيط يستمد صوره من الحياة الريفية في المكسيك لكنه يحمل المعاني الوجودية العميقة للمعاناة البشرية. تقلباته بين الريف والمدينة اغنت تجربته وطبعت شعره بهذه الميزة الخاصة من البساطة الصعبة وربما لهذا السبب لم يقبله النقد الاكاديمي المكسيكي في بداية الامر. سالوه مرة عن النصائح التي يعطيها للشعراء الشباب فقال.. عليهم ان يعيشوا صخب الحياة اولا ثم يكتبون عنها وتساءل.. اذا لم نكتب عن الحياة فعن اي شيء اخر نكتب.. و الحياة هي كل الاشياء التي تحيط بنا..." وقد قال اكتافيو باث عنه انه "افضل شعراء الاسبانية المعاصرين."
غنى خايمي الموت "في كل مناسبة". في نهاية احدى قصائده قال "الموت لا يقتل/ الموت ليس الموت/ الموت ملجأ وملاذ/ رفيق مثل ام وحزين/ الحياة هي التي تقتلنا/ ترمينا. تسلّمنا.وتبعدنا."
في بعض نماذج من شعره نقرأ في قصيدة "القمر" قوله "ضع ورقة من القمر تحت المخدة/ ترى ما تحب ان تراه/ احمل معك دائما زجاجة من هواء القمر/ تساعدك حين تكاد تختنق/ اعط مفتاح القمر/ للمساجين والبائسين/ للمحكومين بالاعدام/ و المحكوم عليهم بالحياة/ فليس من منبه افضل من القمر/ يعطى تحت المراقبة/ في جرعات محددة."
في قصيدة "تماما كما السراطين" يصف خايمي سابينس غربة رهيبة فيقول "تماما كما تترك السراطين الجرحى/ مخالبها على الرمل/ هكذا اهجر رغباتي/ اعض ذراعي واقطعها/ اشذب ايامي/ واحطم نفسي/ اكاد ابكي.../ اين ضعت/ ومتى جئت لاسكن بيتي/ اشبه نفسي كثيرا/ حتى اولادي يظنون اني والدهم/ وزوجتي تردد الكلمات المألوفة.."
في قصيدة عنوانها "عن الالم" يقول سابينس "كتب في وصية الانسان الاولى/ لا تحتقره لانه يعلمك اشياء كثيرة/ استضفه في بيتك هذه الليلة/ ولابد ان يرحل عند بزوغ الفجر/ ولكن لا تنس ما قاله لك/ من هناك/ من تلك الظلال القاسية."
في قصيدة "المومسات" يقول "يا مخلصة العالم/ تعطين اللذة ولا تطلبين سوى حفنة من العملة البائسة/ لا تطلبين ان يحبك او يحترمك احد/ لا تقلدين الزوجات بالتباكي والملامة والغيرة/ صبورة انت... لا تعرفين الحقد."
في ختام قصيدة "شيء عن الرائد سابينس" اي والده يقول "ولت الريح/ وبقيت البئر في البيت مفتوحة/ وبقيت الجذور خرابا.. عبثا نبكي.../ فلن يسمعك احد/ ولن يتطلع صوبك احد/ ولن يعود احد. لا شيء/ لن يعود غبار الحياة الذهبي."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف