عالم الأدب

نملة حاكم مردان تنوء بحملها

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بيروت من جورج جحا (رويترز): مجموعة الشاعر العراقي حاكم مردان صغيرة حجما لكنها ساحة تحتشد فيها اشكال ذات سمات خاصة من الشعر ..خواطر ورموز.. وطبيعة تصويرية بعيدة الاغوار. كتابة مردان الشعرية وخواطره وصوره طويلها وقصيرها تراوح في طبيعتها بين الساخر بمرارة وبين ما يمكن أن يطلق عليه تعبير المرارة التي تتخطى مألوفها لتصبح حافلة بالمفجج. وفي كثير مما حملته كان مسرحها عالما رومانسيا يسترجع طفولة حينا ويتقمص الطبيعة من خلال الورقة والشجرة او الزهرة التي تفتح في اطلالتها الاولى وفي سقوطها ابواب الفصول وتغلقها في دورات متتالية هي الحياة والطبيعة وقد تحولت احيانا الى حالات انسانية أو الى أقنعة او فلنقل رموزا نقرأ من خلالها هذه الحالات.
المجموعة حملت عنوانا موحيا قد يصلح لان يكون "عنوانا" تقرأ من خلاله الرسالة كلها كما يقال وهو "نملة تنوء بحملها .. غابة تميد" وجاءت في نحو خمسين صفحة متوسطة توزعت موادها على تسعة عناوين تباينت طولا واقساما. وقد صدرت عن "دار نلسن" في السويد ولبنان. وللشاعر قبل هذه المجموعة ثلاث مجموعات اخرى ومختارات صدرت في اللغة النرويجية. وحاكم مردان واحد من شعراء العراق وادبائه المشردين في العالم. في التعريف به وتحت عنوان "الشاعر" نقرأ كلمات يبدو بوضوح انها كلماته هو. يقول عن نفسه "حاكم مردان شاعر عراقي. غادر العراق عام 1980 ممتطيا صهوة قطار شارد. اقام في لبنان حتى اوائل التسعينات ثم هاجر الى النروج عام 1993. يقيم في لبنان منذ 2002 وعلى وشك الهجرة ثانية او ثالثة وعلى حافة الاشياء." على دفة الغلاف الثانية والى يمين صورة فوتوجرافية للشاعر واقفا نقرأ بعض ما اختير من المجموعة وما يصلح لان يكون نموذجا لشخصية كثير من نتاجه الشعري في المجموعة وروحيتها. يقول

"هذا الصباح
وانا افكر في مصير العالم
وما سيؤول اليه البشر
فاجأتني ازهار اللوز
كم ان امورا كهذه
مضيعة للوقت...
ما كانت بضع زهيرات بيضاء
لتخرجني عن طوري
انما وددت هذا الصباح
لو انحنيت
امام شجرة اللوز
ودعوتها تكمل عني
هذه القصيدة."

في العنوان الاول "نصيب الملك" نواجه ما يبدو تداخلا بين الواقع والحلم وقصص الطفولة او ما قد يكون تبادلا للمواقع والوقائع في هذا وذاك وتلك. يقول الشاعر

"كان من نصيبي
أن اجد الملك بانتظار حصته
رعية تساق الى حتوفها
ومهرج القصر بمرحه المعهود
يتمنى لهم رحلة طيبة
وهو ينطنط فوق عرش مخلع
لان الملك غادره
ليطالب بحصته."

ننتقل في القسم الثاني الى تداخل بين قصة "ليلى والذئب" او ذات القلنسوة الحمراء

"وعالم حالي يقول "اتذكرون..
الصبية التي كانت تتصدر الحكايا
او تدلي بشعرها الطويل من برج شاهق الى قدمي العاشق
او تاتي جدتها
الذئب
بسلة الفطائر
الصبية التي لابد صادفها احدكم في حلم ان لم يكن لديه جدة
أو رآها في بيت الجيران
أثناء مراهقة كيفما اتفق ...
هي الآن نفسها جدة بلا حفيدة ولا سلة ولا فطائر ولا ذئب."

في قصيدة "نملة تنوء بحملها .. غابة تميد" التي اعطت عنوانها للمجموعة نقرا

"هذا الشتاء
الشجرة العارية
علمتني رسم الظلال
بالابيض
أحار بالصفصافة
ذوائبها مدلاة في النهر
يأخذها في نزهة
أم تشده الى عناق....
عندما ابرقت السماء
ارتدت الغابة
اساطيرها والتقطت صورة...
النملة
التي تنوء بحملها
تظن الغابة تميد."

وتحت عنوان "لص الاعمار" شعر وصور ذات غرابة جميلة يومية و"ارفع" من اليومي ورموز واراء تجاور الفلسفة. يقول:

"ابي وامي
أحرار في الجناية
ابي مجرم طليق
وامي رهينة
وانا فدية...
لص أعمار
الليل
لا تدعه بلا ارق."

ينتقل الى مجال آخر فيقول رابطا بين قصص السحر وانجازات العلم وواقع الانسان المسافر تشردا كما حال الشاعر "مكنسة الساحرة/ بوينج 747/ يرجى من المسافر حاكم مردان/ التوجه... الخ."

ثم ينتقل الى صور وخطرات فكرية تاتي في "وحدات" تراوح بين سطرين وثلاثة. من ذلك قوله عن طريق يبدو انها لا تنتهي
"اريد حذاء بقياس الطريق" و"راهب الدير/ كان في الاصل لقيطا." او نجده يحور كلام ديكارت "انا افكر .. اذن فانا موجود" ليحوله الى عبثية.. اذا تذكرنا ان في العبث ترادفا مع اللعب. يقول مردان "انا العب/ اذن انا موجود."
ويرتد الى المعتقدات الدينية مبشرا بعالم دون خطيئة كقصة اكل حواء التفاحة فيقول "الجنة المقبلة/ بدون تفاح" ويفلسف أمورا أخرى كقوله "الانتحار/ محاولة النجاة من الموت." و"الموت مبكر/ يمنع الشيخوخة." و "المدرسة/ أول السجون." ونقرأ معه

"مرة
حلمت انني نائم احلم
ولكي اصحو
استيقظت مرتين."
و"الشجرة لا تنام
حتى لا يقع العش."

ويختم بقوله "القصيدة كذبة صحيحة 100 في المئة ."

وتحت عنوان "لليل عيون" نقرأ وحدات مماثلة منها

"الى الابد
لا تعني اكثر
قهوة الصباح
بقية الليل."

ويرسم عالما "واقعيا جدا" وضبابيا .. عالم وحدة وتشرد وحاجات وذكريات واحلام.. وذلك من خلال اغنية لفيروز. يقول

"انا وشادي
ركوة قهوة
علبة دخان
فاطمة
صندوق يدعى غرفة
عشرة الاف ليرة
يسعد هالصباح
كوكب الرحمة
ايتها الصحون الطائرة
احلام اليقظة."

وفي سخرية من احتقارنا للحمير ينقل حوار ساخرا يقلب فيه الاتهامات "الحمار.. انت امرأة/ الحمارة.. انت رجل/ كانا يتشاجران."
ويرتد الى حاجات الحياة اليومية ومتطلبات "البيت" فيوردها في رموز تتناول جوانبها المختلفة "الرفيع" والوضيع فهي الحياة اي هي كل ذلك كما يبدو. يقول "زيت قلي/ ورق تواليت/ بن/ ممسحة/ حبيبي.. لا تنس."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف