عالم الأدب

عودة الأنصاري الى ابن خلدون

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بيروت من جورج جحا (رويترز): في الذكرى المئوية السادسة لوفاة ابن خلدون يرى الباحث البحريني محمد جابر الانصاري أن من الضروري العودة اليه في مجالات مختلفة من الحياة الفكرية العربية المعاصرة من اجل وضع هذه الحياة في الطريق الصحيح. ويرى الدكتور الانصاري في كتابه القيم الذي قد يثير مع ذلك اسئلة بشان بعض استنتاجاته.. اننا ما زلنا بحاحة الى ما اسماه ابن خلدون "ما ليس من علم الخطابة" وقد شرح الباحث ذلك بانه يعني فيما يعنيه التوصل الى نثر عربي حديث ملائم للعلم والفكر والتاريخ. وقد ورد ذلك في كتاب الانصاري الذي حمل عنوان "لقاء التاريخ بالعصر" والذي اتبع بوصف هو انه "دعوة لبذر الخلدونية بابعادها المعاصرة في وعي الشعب تاسيسا لثقافة العقل." صدر الكتاب عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" وجاء في 120 صفحة متوسطة القطع.
قال الانصاري في مقدمة الكتاب "الدراسات الاكاديمية العربية بشأن ابن خلدون ليست بالقليلة... وعلى الرغم من ذلك فان هذا المفكر في فلسفة التاريخ والاجتماع في الحضارة العربية الاسلامية لم يدخل الوعي الشعبي... بعد. ذلك لان الثقافة العربية السائدة ما زالت ثقافة شعر وبلاغة وخطابة. وسيبقى الشعر حاجة انسانية عاطفية وجمالية لا غنى عنها. وهذه ليست دعوة لطمسه. ولكن أن يكون الشعر وسيلتنا للتعامل مع العصر والعالم فهذه كارثة ... واذا كان "الشعر ديوان العرب" فان "النثر لغة العصر". وبعد أن يتكون لدى القارىء انطباع بفعل هذا الكلام أن المشكلة هي في الاعتماد على الشعر عوضا عن النثر في التعامل مع مشكلاتنا واوضاعنا المختلفة فسرعان ما نصل معه الى القول إن نثرنا نفسه في حاجة الى تطوير.
يضيف "وقد تنبه الفيلسوف الالماني فردريك هيجل الى هذه الحقيقة عندما أشار الى أهمية العقل والتفكير العقلاني العلمي في العصر الحديث صارت تتطلب نثرا يعبر عن فكر العصر وسبق ان دعا كاتب هذه السطور الى تاسيس نثر عربي جديد تقوم عليه الثقافة العربية المعاصرة وشعرها المعاصر..." وقد يبدو للقارىء أن الانصاري الباحث العربي البارز لم يحدد المشكلة بوضوح على رغم طول حديثه عنها. هل هي في سيطرة الشعر كصنف فني على الكتابة العربية وهل هذا القول صحيح تماما.. ام أن المقصود هو سيطرة عقلية "شعرية" او فكر "رومانسي" مكتوب "نثرا" على هذا النتاج.
ينتقل بنا الباحث الى موضوع آخر وان كان متصلا بطرحه الاول.. فيقول "وكم كان توفيق الحكيم مصيبا عندما تساءل.. "كيف تتعرف الى لغة دون معرفة نثرها واني لادهش كيف ان مؤلفين مثل ابن خلدون والطبري وابن رشد والغزالي ... لم يعرضوا علينا قط في دراستنا للادب العربي في المدارس..". وينتقل الباحث الى القول "مطلوب ان تتاسس الثقافة العربية الجديدة التي هي عماد النهضة العربية المنتظرة على نثر عقلي يفهم العصر ويدرك حركة العالم ويستطيع محاورته وهذه هي السبيل لانقاذ اللغة العربية التي ترتفع صرخات الخوف على مصيرها في الحياة العربية."
مرة أخرى يعيدنا الانصاري الى مسالة البيضة والدجاجة.. هل القضية هي قضية اللغة أم انها قضية العقل العربي في مرحلة من الانحطاط.. نجد انفسنا هنا نعود الى جبران خليل جبران في تساؤلاته عن اللغة والفكر في "مستقبل اللغة العربية" وتأكيده ان اللغة انما هي مظهر من مظاهر قوة الابتكار في الامة اكثر من كونها سببا له. ولانقاذ اللغة.. يدعونا الانصاري الى العودة الى أسلاف مميزين بالاضافة الى الاخذ من العصر الحديث انما بمقدار وبما يناسبنا فيقول "فلن ينقذ العربية الا عودتها الى تراثها النثري العقلي الذي يشير توفيق الحكيم الى نماذج منه بالاضافة الى استيعاب ما يماثل هذا النثر العقلي من النثر الفكري للعصر الحديث."
وهذه "الوصفة" التي يقدمها لا تقتصر على النثر فحسب بل تشمل الشعر ايضا. يقول الباحث وهو ينقلنا الى جهة أخرى من البحث "وعندما يستوعب شعراء العربية هذه المادة الاساسية سيقدمون شعرا في مستوى العصر يتجاوز الترجمات الركيكة لكتابات اجنبية يسمونها شعرا." ويقول عن ابن خلدون "لا يكفي أن نفاخر بالرجل ونقف عند حدود هذا التفاخر. علينا ان نستوعب ..عقلا ولغة.. ما جاء به من فكر وتحليل تاريخي مجتمعي لواقع ما زال يحيط بنا وعلينا ان نفهمه قبل ان نغيره... في الاتجاه الصحيح." وفي مجال آخر من الكتاب يقول ان الذكرى المئوية لرحيل ابن خلدون "مثلت مناسبة مهمة لاستذكار اثاره وماثره... ولكن الخلدونية وافكارها ما زالت حبيسة النخب وشهرتها ولم تدخل بعد في تاسيس الثقافة العربية المنشودة... ذلك ان ابن خلدون اكثر من ذكرى.. انه مستقبل ويجب ان يبقى معنا لعقود مقبلة لنبني من جديد على ابداعه في المشروع النهضوي العربي المنتظر."
وقال الانصاري "ليست صدفة ان ابن خلدون عندما شرح علمه الجديد في العمران البشري والاجتماع الانساني "الذي اعثر اليه البحث وادى اليه الغوص" حسب قوله حرص على التنبيه انه "ليس من علم الخطابة" لعلمه بغلبة هذا الجانب البلاغي في التكوين العربي من الجانب العقلي. هكذا فوعي التاريخ علميا مقدمة لفهم العالم المعاصر موضوعيا. ولا يمكن لاية سياسة او حركة او أمة ان تعيش اوهاما او رومانسيات منسوبة للتاريخ وتتمكن من تغييره لصالحها. فهما ..اعني التاريخ والعالم.. وجهان لحقيقة واحدة."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف