عالم الأدب

نجيب محفوظ كان يخشى الاعتقال

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سلوى اللوباني من القاهرة: هناك الكثير من المواقف والأقوال للاديب الراحل "نجيب محفوظ"... أقوال ومواقف لا حصر لها... فقد رحل عن عمر يناهز 95 عاماً... قضى منها 70 عاماً يصنع تاريخه الادبي... وفي مراجعة لمقابلاته الصحفية اخترنا بعض المقتطفات التي تعكس أفكاره وتوجهاته..والظروف التي كانت تحيط بكتاباته... إضافة الى بعض اهتماماته منها... أنه كان زملكاوياً وكان يتابع مباريات كرة كأس العالم الاخيرة... ويقول للحاج صبري: "نحن الان منتظرين عرض مباراة على ما أعتقد فرنسا وإيطاليا"، وكان يتابع المباراة أو يقولون له نتيجتها، كان يحب سماع اسطوانات سيد درويش، وكما كان عازفاً لآلة القانون في شبابه حيث كان تلميذاً بمعهد الموسيقى عام 1933 أثناء دراسته للفلسفة في كلية الآداب في جامعة فؤاد الأول، إضافة الى أنه كان من رواد حفلات أم كلثوم طوال دراسته في المرحلة الثانوية والجامعية.

محفوظ والاعتقال
في إحدى المقابلات الصحفية صرح محفوظ بأنه كان يكتب الرواية ثم يضع يده على قلبه خشية الاعتقال، فعندما صدرت رواية "ثرثرة فوق النيل" عام 1965 علم أن "عبد الحكيم عامر" قال عنه "لقد تجاوز الحد ويجب تأديبه"..وحين كان يستعد ثروت عكاشة للسفر الى أوروبا سأله عبد الناصر هل قرأت ثرثرة فوق النيل؟ فأجابه لا ليس بعد، فقال له اقرأها وقل لي رأيك، لذلك أخذها معه ثروت عكاشة، وقرأها وفهم سبب سؤال عبد الناصر وكان سؤالاً غاضباً وقد خشي ثروت أن يصيب محفوظ ضرر ولو بسيط كالاحالة على التقاعد أو نقله الى مكان آخر، لذلك قابل عبد الناصر حين عاد، وقال له يا سيادة الرئيس "أصارحك بأنه إذا لم يحصل الفن على هذا القدر من الحرية لن يكون فناً، قال له عبد الناصر بهدوء "وهو كذلك اعتبر الامر منتهياً".

ميرامار... الفليم
أما بالنسبة لرواية "ميرامار" فقد نشرت في جريدة الأهرام دون حذف كلمة واحدة منها، وبعد أن ظهرت في فيلم سينمائي وشاهدها عدداً من أعضاء الاتحاد الاشتراكي في عرض خاص، قالوا أن الفيلم يتضمن هجوماً صريحاً على النظام.. وطالبوا بمنع عرضه، مما أغضب منتج الفيلم "جمال الليثي" وراح يشكو في كل مكان حتى وصل صوته الى الرئيس عبد الناصر، وكلف عبد الناصر نائبه أنور السادات بمشاهدة الفيلم، وكتابة تقرير عنه ليتخذ قراراً عادلاً في القضية، ويقول محفوظ..."لما سمعت أن عبد الناصر اختار السادات للفصل في أزمة الفيلم قلت لنفسي عليه العوض الفيلم راح"، وفي اليوم التالي للعرض الخاص الذي شاهده أنور السادات فوجئ محفوظ بخبر منشور في الاهرام..فالسادات لم يوافق فقط على عرض الفيلم بل أنه أدلى بتصريح مثل دعاية صريحة له، فقد أكد السادات أن الفيلم برئ تماماً من تهمة العداء للنظام، ودعا الجمهور الى مشاهدة الفيلم، ويكمل محفوظ قائلاً..."ضربت كفا بكف ولم أفهم تفسيراً لهذا الموقف إلا بعد وفاة عبد الناصر، حيث اتضح لي أن السادات لم يفعل ذلك إلا من منطلق عدائه للاتحاد الاشتراكي ونكاية فيه"، والجدير بالذكر أنه تم عرض الفيلم وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً بفضل دعاية السادات له وحقق رقماً قياسياً في أسابيع العرض وقتذاك فقد استمر عرضه 19 اسبوعاً متصلة.

محفوظ وسيد قطب
تأثر نجيب محفوظ بشخصية "سيد قطب" تأثراً واضحاً وصرح بأنه وضعها ضمن الشخصيات المحورية التي تدور حولها رواية "المرايا" مع إجراء بعض التعديلات البسيطة، وأوضح بأن الناقد المدقق يستطيع أن يدرك أن تلك الشخصية فيها ملامح كثيرة من سيد قطب، وفي واقعة أخرى يصرح محفوظ بقوله عندما سمع بخبر اشتراك سيد قطب في مؤامرة قلب نظام الحكم وصدور حكم الاعدام عليه.."لم أتوقع أبداً تنفيذ الحكم، وظننت أن مكانته ستشفع له، وإن لم يصدر عفو عنه، فعلى الاقل سيخفف الحكم الصادر ضده الى السجن المؤبد على الاكثر، ثم يخرج من السجن بعد بضع سنوات... ولكن خاب ظني ونفذ حكم الاعدام بسرعة غير معهودة"، تنفيذ حكم الاعدام بسيد قطب اصاب محفوظ بصدمة شديدة وهزة عنيفة، فبالرغم من الخلاف الفكري الذي بينه وبين سيد قطب الا إنه كان يعتبره حتى اليوم الاخير من عمره صديقاً وناقداً وأديباً كبيراً كان له الفضل السبق في الكتابة عنه ولفت الانظار اليه في وقت تجاهله فيه النقاد.

والثلاثية...
كتب محفوظ الثلاثية وهو في عز شبابه على حد تعبيره، كان يتمتع بالصبر والجلد، فهو يرى أن عملا كهذا كان يحتاج الى صبر كثير والى صحة جيدة، فتحدث عن أرشيف الثلاثية وكيف كان يخطط للرواية بحيث تخرج في بناء متماسك، وتخصيص ملف لكل شخصية حتى لا ينسى الملامح والصفات الخاصة بكل شخصية، وصرح بأن تفاصيل الرواية كانت تتراكم قبل البداية في كتابتها من جلسة، من حوار، من سهرة، ويؤكد بأن 90 % من شخصيات الثلاثية لها أصول من الواقع بعضها من عائلته أو من الجيران أو من الاقارب، والجدير بالذكر ان محفوظ كتب الثلاثية في 4 سنوات...في كل سنة من اكتوبر الى ابريل فقط بسبب مرض الحساسية الذي يصيب عينيه. والجدير بالذكر أن "جاكلين كيندي أوناسيس" أرسلت لمحفوظ رسالة تشيد بكتابته قائلة "عزيزي نجيب محفوظ يسرني أن أبعث إليك بتعليقين ممتازين حول المجلد الثاني من الطبعة الامريكية من روايتك "الثلاثية" لا أستطيع أن أصف لك الحماس الذي قوبلت به روايتك، لقد أحسسنا جميعاً كما لو كنا متعطشين الى أبعد حد لقراءة مثل هذا العمل...مع أخلص التهنئة وأطيب التمنيات".

والكتابة...
لم يحدث أنه أهمل قول ناقد.. ويوضح السبب الاساسي في عدم الرد.. "إنني أعتقد إن الرد على ناقد من إختصاص ناقد آخر وليس من إختصاص المؤلف الذي قال كل ما عنده في العمل المنقود، ولانني أعتقد أن نقد الدنيا والاخرة لا يستطيع أن يرفع عملاً أو يخفضه عما يستحق درجة"، والرواية الوحيدة التي لم ينشرها محفوظ هي رواية "ما وراء العشق"، وهي الرواية الوحيدة التي كتب أحداثها في الريف الذي لم يعتد الكتابة عنه في إبداعاته، ونذكر هنا بأن من كشف عن هذه الرواية هو الكاتب "حسين عيد" في كتابه "رؤية مجهولة وتجربة فريدة"، ويقول محفوظ أنه يقرأ العمل بعد أن يعيد كتابته.. وبعد التبييض ينتظر فترة، ثم يعيد قراءته، وفي جميع الحالات يشعر بعدم الرضا.. "أشعر بالفرق بين التصور المبدئي وبين ما أنتجته فعلا..بين الطموح وما تحقق، ولكنه عدم رضا لا يؤدي الى إلغاء ما كتبته"، ولكن المرة الوحيدة التي اضطر فيها الى الغاء عمل كتبه هي رواية "ما وراء العشق" ويعلل ذلك بشعوره بعدم الرضا بعد الانتهاء من كتابتها ..."من الصعب أن أقول ما الذي أثار ضيقي منها...كنت مطمئناً الى القسم الاول منها.. لكن القسم الثاني أشعرني بعدم ارتياح".

شلة الحرافيش:
من الفنانين الذي عرفهم محفوظ واقترب منهم هو الفنان الراحل "أحمد مظهر"، وهو من رواد شلة الحرافيش...كان من الضباط الاحرار الاوائل.. على الرغم من أنه حين قامت الثورة كان خارج مصر، ولكن كان له دور في التمهيد لقيام الثورة.. الفنان الراحل "أحمد مظهر" هو أحد مؤسسي شلة الحرافيش..وهو صاحب هذه التسمية، فقد قال لمحفوظ بأنه قرأ هذا اللفظ "الحرافيش" في كتاب تاريخ قديم يعتقد بأنه "تاريخ الجبرتي"، وأعجبه اللفظ فاطلقه على شلتهم، لانه معبر عنها... فالحرافيش تعني الصعاليك..ويقول محفوظ.. "كنا نحن أقرب الى هذا المعنى بالفعل... وأحمد مظهر بالاضافة الى ذلك كله هو من أكثر الفنانين الذين التقيت بهم ثقافة واحتراماً وحباً للحياة وللوطن".

ثورة 1952
أما عن رأيه وموقف من ثورة يوليو يقول ..."لم أتوقع ومعي كثيرون أن يقوم الجيش المصري بالثورة لاسباب كثيرة.. أولها أن تصوري عن ضباط الجيش آنذاك أنهم مجموعة شبان لا يهتمون بالسياسة... وان الكثيرين من الضباط كانوا موالين للملك، وثانيها أن أي حركة للجيش سوف تعيد السيناريو الذي حدث مع أحمد عرابي".. لذلك عندما قامت الثورة أصاب محفوظ رعب شديد على استقلال مصر وقال..أن كل ما بنياه سوف يهدم"، إضافة الى أن محفوظ كان يتصور بأن هناك قوة أجنبية ساعدت الجيش في القيام بالانقلاب، لانه لم يكن يتخيل أن جيشاً صغيراً يمكن أن يقف بوجه آلاف من الجنود الانجليز.

متفرقات
أصيب محفوظ في طفولته بمرض الصرع ولكنه كان خفيفاً ولم يترك أثراً وشفي منه، كما أصابه مرض السكر وهو في 49 من عمره عام 1960، وكان محفوظ يشعر بالخوف من هذا المرض لانه يضعف قوة الانسان الا انه لم يشعر بأي أثر على عمله وظل نشيطاً ولم تتأثر الكتابة به، والشئ الوحيد الذي تضرر وهو ضمور في شبكية العين وبالتالي ضعف بصره مما حرمه من قراءات هامة كان يتابعها، ويقول محفوظ بأن والده مات عام 1937 ولك يكن قد اطلع على أولى رواياته وهي "عبث الاقدار"، ولكنه كان قد قرأ له بعض قصصه الاولى المنشورة في الصحف وكان يشعر بسعادة غامرة عندما يقرأ اسم ابنه على هذه القصص، أما يوم وفاة "سعد زغلول" فيعتبره محفوظ أفجع يوم في حياته وكان يبلغ من العمر حينها 15 سنة، ويعتبر أن الموت نعمة للميت إذا حدثت الوفاة في لحظة كما جرى مع شقيقه الاوسط، فقد كان يتحدث معه حين أمال رأسه على كتفه ومات في أقل كثيراً من الثانية... بينما مات شقيقه الأكبر بعد أن تعذب كثيراً قبل الوفاة..يقول "الموت في لحظة نعمة للميت ونقمة للاحياء.. أما عذاب المرض فهو نقمة على الجميع".
salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف