ليل الخطاطين في ترجمة عربية جميلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت من جورج جحا (رويترز): تكتب ياسمين غاتا في "ليل الخطاطين" قصة شغف جدتها العثمانية بالخط العربي وتكريسها حياتها له بينما كانت تركيا من خلال جمهورية كمال اتاتورك قد تخلت عنه. وهي في الوقت نفسه تسجل بحسرة وألم رومانسيين زوال ذلك المناخ الفني الذي مثله الخط العربي ومتفرعاته الفنية العديدة وتلتقي -دون قصد كما يبدو-
اجواء الرواية تحمل شبها بأعمال تناولت "حرفا" تحولت الى نوع من الفنون قبل ان تقضي عليها الحياة الحديثة ومن ذلك عمل الروائية اللبنانية هدى بركات "حارث المياه" وحديثها عن شغف بطلها بالاقمشة شغفا كانه تعبّد فني وقد ورث هذا الحب عن ابيه واجداده. يرافقنا في الروايتين شعور متشابه بالفقد والالم وبعمل الزمن في النفوس والحرف والمهن ومن خلال ذلك بحياة الناس وتوازنهم النفسي احيانا.
تبدأ الرواية بصيغة المتكلم والمتكلم هنا هو الجدة الراحلة. في البداية كما في النص في سائر الاماكن تلك النعومة التي تسيل فيها نسمة دائمة من الحزن حتى حيث يدور الكلام عن افراح.. بما يشهد دون شك للغة الكاتبة ولغة المترجم الكاتب الشاعر. ويبدو ان التاريخي الموثق يمتزج في الرواية مع الحالة الخيالية بما يجعل مادته حتى حيث تكون عامة مشتركة "شخصية" دائمة المرور في خط القلب.
تقول "انطفأت في 26 نيسان ابريل 1986 عن ثلاثة وثمانين عاما. كانت اسطنبول تحتفل بعيد الزنبق في امير جان. صبيحة اليوم نفسه ابلغ ابني نديم وفاتي الى الدوائر البلدية في بكلربكي القرية الساحلية المتربعة على الضفة الاسيوية للبوسفور. كان رحيلي بلا مشاكل كما كانت عليه حياتي. لم اخف الموت مرة فهو لا يقسو الا على من يخشونه. لا صراخ ولا دموع. جاء موتي لطيفا لطف القصب عندما تغط اليافه في المحبرة. وجاء اسرع من الحبر يشربه الورق. حرصت على ان لا اخلف ورائي اي فوضى. رتبت حياتي وادوات الخطّاطة التي كنتها."
في وصفها عملية الكتابة نجدها مستغرقة في حالات فنية وتنقل الينا تجاربها فنجد انفسنا في عالم "تشخيصي" تعرضه بهدوء ولطف مؤثرين وتتحدث عن عمل عادي فتحوله الى حالة جمالية حية. تقول مثلا "طلابي يرصدون حركاتي الدقيقة. صبغت الورقة. غطيتها بمحلول لاصق. بللتها بالشاي المغلي وطليتها بطبقة تحول دون تغلغل الحبر في اليافها... رسمت السطور بواسطة خيطان مشدودة على مسافات متساوية وسلمت يدي الى لغة النبي والى القلم الذي راح يرسم الذيول السوداء السميكة لحروف حديث شريف. رأيت الحبر يرقد ويستبق الاوامر... شرعت في التدوين فانكمش رأس القصب حزنا ليغرق المه في المحبرة. فجأة بدت له المهمة فوق طاقته. يقال ان بعض الاقلام تخدش طرفها.. تجدعه.. حتى يسيل الدم فتضع حدا لوظيفة الجلاد المناطة بها."
في القسم الاخير من الكتاب نقرأ ما يشبه نعيا مفصلا يتلوه جو قصصي شعري حزين. نقرأ بلسان الابنة اي ام الكاتبة عن والدتها الفنانة المعروفة "توفيت امي ودفنت في مقبرة ابواب السرداب العائلي. امليت على عامل الرخام الكتابة التى حفرها على الشاهد.. رشيدة كونت/ اسكدار 10 حزيران يونيو 1882 - بكلربكي 7 اذار مارس 1960 ."
تضيف "عند عودتنا الى البيت رأيتها في المنام طوال الليل وكانت تحدثني بوضوح وتشتكي من نحافة احرف قبرها. نصحتني بالباسها معاطف حارة تحسبا للشتاء القادم."
بعد احداث من الاسى المتتابع نصل الى "الخاتمة" حيث الكلام باسم الحفيدة اي الكاتبة وهي في جناح ريشليو في متحف اللوفر في 30 مارس اذار 2000 حيث تعرض اعمال فنية للجدة. تتحدث عن بعض هذه المعروضات. تختم بالقول انها "لم تحفظ من جدتها سوى علبة من العاج مزينة بزخارف نباتية مذهبة. كانت تقول لها انها كانت رسامة وريشها بزغبرين او على الاكثر بثلاثة من اجل تلوين ريش العصافير. لا تملك سوى صورة فوتوجرافية واحدة تظهر فيها المرأة العجوز جالسة على طاولة وتبتسم للعدسة... ليس لها من جدتها سوى علبة لكن زقزقة العصافير الواقفة على الاغصان الصغيرة توقظها ليلا. اغلاق الغطاء يكفي لاسكاتها."