يا حسن النواب!
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حسن الطفل، وحسن الشاعر. حسن السكران وحسن الناثر. لكنه دائماً أبداً: حسن المعذّب، العذب. حسن المفجوع والمهجوس بحلم القصيدة. حسن المتوتر كأنّ رياح الفن كلها تحت قدميه. يذهب إلى الكحول، ليهرب من جهامة العالم. ويذهب إلى الكتابة، ليصطاد شفافية العالم. وبين شقيْ هذه الرحى، يدفع من عمره ومن احتياطي صحته، ليظل موجوداً، وليظل مبدعاً. وهو في هذا الصنيع، يتميّز على الكثيرين من الأدباء، بتلك الميزة الجليلة: ميزة أن تكتب من لحمك الحي، من لحم ودم التجربة والمُعاش، لا من موات الذهن البارد، ولا من عتمة الروح السقيمة، التي لا تجد منجاةً، للتغطية على فقرها الإبداعي والإنساني، إلا باللجوء إلى حيل اللغة والملفوظات، والاحتشاد على الصياغة والتوشية والتنميق. إنّ حسن يكتب بعفوية مدروسة، تكاد تكون طبيعةً وفطرةً فيه. وهي ليست كذلك كما نعلم مِن بديهيات الفن. ولذلك يصلنا كقرّاء. فلا مسافات ولا أودية بين نص حسن الأصيل المتفرّد وقارئه أبداً. وإليكم هذا النص المتقشف كمثال: "أتعرفون.. لماذا تحبنا الحرب؟ إننا طعامها الوحيد." آه كم في هذا المقطع الشعري من عمق ومن مسكوت عنه ! إنه فقط رأس - سُدس جبل الجليد العائم الذي يُحيلنا بالضرورة إلى أسداسه الخمسة المغمورة تحت المياه ! حين استمعت إلى بعض شعره، أعجبني ببساطته العميقة وصفائه الباهر، لكنني تمنيّت لو يُركّز حسن على كتابة السرديّ والقصصيّ، ويُكمل كتابه الأول عن تجربة الحرب، بعيداً عن آفة التجنيس، فتلك هي منطقته، وفيها تكمن قوته ولمعانه الإبداعي والشعري. لكنني خجلت من الإسرار له بهذه الملاحظة في حينها. وهاأنذا أقولها هنا والآن. أما الأمر الآخر الذي أودّ قوله أيضاً، وهو يشكّل لي هاجساً كابوسياً، فهو شوقي لسماع أنّ حسن كفّ عن تجرّع الكحول بتلك الكميات الهائلة، أو على الأقل، خفّف منها. أشتهي أن أسمع ذلك لكي يطمئن قلبي. ولكي يطمئن أيضاً عقلي، على أنه لن يلقى مصير صديقي الآخر، الشاعر والناقد محسن اطيمش، هذا الوديع الذي فجعني شخصياً بموته المبكر، قبل أن أُسلّمه صورة فوتوغراف تجمعنا معاً مع أمل دنقل، في مسرح السلام بالقاهرة، قبيل موت أمل بشهور قليلة، وكان محسن طلبها مني آنذاك، فتأخرت عن إيصالها له في عاصمة الرشيد فقط ربع قرن ! أريد أن أطمئن على أنّ حسن سيواصل الكتابة والتألق، بما عرفناه عنه من إخلاص استحواذي للفن، فهذا الأخير الكبير، يحتاج إلى صحة، فضلاً عن براح الوقت. والكحول تقتل الصحة وتسرق الوقت.
.. ويا حسن النواب !
سلاماً لك يا صديقي، وسلام على العراق، ما بقيَ فينا من شجنه التاريخي، ومن روحه البغدادية، ومن جلجلة فنانيه المظلومين، ومن ربيع مستقبله القادم.
سلام لك وسلام عليك، في بيرث البعيدة، وأنت تقتل نفسك، من أجل أن تعطينا إبداعاً معمّداً بالخمر، وبالأرق، وبالحب الكبير لهذه البشرية الضالة، ولهذا العالم الظالم. العالم الذي نحبه رغم كل نواقصه، ونودّ لو كان أرفق بمواطنيه، كل مواطنيه، وأرأف وأرحم.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف