انثربولوجيا بصرية حول الطفولة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الله كرمون من باريس: أجدها رائعة صور الفنانة الفوتوغرافية المخضرمة بين فرنسا وأمريكا كيفين كليينغ المعلقة على إفريز حديقة اللوكسومبورغ العريقة بباريس. الجدار الحديدي الذي يرقب جادة السان ميشال وينظر في الجهة الأخرى إلى زقاق إدموند روستون صاحب سيرانو دي بيرجيراك وزقاق ماري ميديسيس التي أنشأت هذه الحديقة نفسها منذ القرن السابع عشرة. كيفين كليينغ تعتبر عضوا لدى "الجمعية الجغرافية الملكية" في لندن و في "جمعية النساء الجغرافيات" بالولايات المتحدة
الصور التي تحمل عنوان: "أطفال العالم" والمعروضة على سور حديقة اللوكسومبورغ جاءت من فكرة أن لابد لهذا العالم أن يعقد علاقات أجمل وأفضل مما هي عليه اليوم. الغد إذن هو ملك أطفال اليوم. تحقيق السلام والفهم العميق لمرور الإنسان على الأرض معلق اليوم على من سوف يحققه أو لن يحققه غدا. تلك هي نوعا الفكرة الرازحة تحت هبوب الفنانة إلى أصقاع الأرض كي تلتقط صور أطفالها.
الصور في نظري جميلة بغض النظر عن صيد ما في ماء عكر وإن كان ماء الطفولة الشفاف. قبل الصور كانت الرحلة في البدء. غير أن الطريق لم توصل إلى أقاصي الأرض، بل مضت أكثر إلى نواحي أسيا دون مناطق أخرى هي أيضا أجزاء مهمة من الأرض، لكننا لا يمكن أن نحل فلسفيا في مكانين في نفس الآن!
حاولت كيفين أن تتخذ لها وعيا انثربولوجيا بدائيا إذ سعت في أغلب الصور التي التقطتها أن تفضي، لربما أيضا بحدس ما، لأن تجعل تلك الطفولة، بكثير من تلاوينها واهتماماتها وأيضا بإكراهاتها، أن تعلق بآلة تصويرها وتمنح لنا صورا خالدة لواقع أطفال العالم.
الخريف نفسه فرش أوراقا نزعها غصبا من أشجار المكان على ممر اللوكسومبورغ الخارجي. كثير من المارة يقفون دون سبق موعد كي يرفعوا أعينهم إلى الصور المعلقة ويخففون بعد ذلك من وقع خطوهم كي يرون تلك الصور. أما الفوتوغرافية فتوقع في الأيام الأولى كتب صورها في المقهى المقابل.
الطفولة إذن هي الزمن الذي يدفع بنا إلى ما نكونه بالفعل بعد ذلك، دون أن أعني أبدا طروحات
لقد تمكنت الفنانة أن تقتحم هؤلاء الناس في تلك الأمكنة المختلفة من العالم كي تتعرف إلى لحظات حية من حياة أطفالها. كيف أن الأطفال لا توضع لهن في الصين تلك الحفّاظات. كيف أنها التقطت كذلك صورة رائعة لتوأمين في قماط مشترك كما يحدث لأطفال آخرين في العالم في ظروف مناخية غير شديدة مثل ما يعرفه الإسكيمو.
الطفل الذي أضاع والده في السوق واستسلم لدمعات ذات معنى صورة هامة، إذ ليس يسلم أحد منا أن يضيع يوما في مكان ما سواء في الصغر أو بعد ذلك ويبكي إذ يرسل دمعا أو فقط ضياعا من نوع ما وبكاء آخر.
أولائك الأطفال الذين نرى في الصورة يتسلقون دوحا عاليا ليس فقط لأنهم يلعبون، وتكون نشوتهم التامة أن يعلون الشجر، ولكن لأن من يعلو أكثر من الآخرين يؤكد سمو تفوقه وقدرته الكبيرة على التحدي.
صور أخرى تثير انخراط الأطفال في مناطق كثيرة من العالم في العمل منذ الصغر في الوقت الذي يتمتع فيه أقرانهم بنصيبهم من لعب واستفادة من فرصة عمرهم الغض في مداراة الحياة. تلك الفتاة التي تقود إلى البيت ذلك الحيوان الذي يكبرها قامة قبل مغيب الشمس. أو ذلك الطفل الأسيوي الذي يقضي قيلولة عميقة على حصير ورأسه قد أخطأت لدى النوم تلك الوسادة البسيطة واسترسل النوم هادئا بعد ذلك بدونها.
ثمة تفاصيل كثيرة نجدها في صور كيفين كتلك الفتاة التي تنظر في المرآة على صغر سنها وكأن أمر زينتها أساسي ولازم النهوض به منذ السنوات الأولى كي تستقيم أمور الأنوثة بعد ذلك على ما يرام.
دون أن أعلق على كل الصور، أجد أن براءة ذلك العمر الغض قد أثارتها صور كيفين، إذ أقحمت صورة لطفل باريسي في حديقة اللوكسومبورغ إضافة إلى صورة فتاة فرنسية أخرى في نفس المكان.
الفنانة تريد أن ترى أطفال العالم يلعبون مثلما يلعب أطفال باريس في فضاء حديقة اللوكسومبورغ، بمعنى أن تتحقق شروط أخرى أفضل لبلدان ليست تفتح فيها عيون الأطفال سوى على بؤس حاد وانسداد آفاق. العالم اليوم يصل، ويشهد أطفاله غدا حقيقة ذلك، كارثة ظلم متوحش بلا نظير!!