عالم الأدب

لوماغازين ليتيريرفي الأربعين!.

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


إعداد وترجمة عبد الله كرمون: تحتفل إدارة تحرير المجلة الفرنسية لوماغازين ليتيرير مع كتابها وقرائها ببلوغها سن الأربعين، ما يعني نفسا طويلا وزخما هائلا من الانشغال الفكري والأدبي. فأربعون عاما، كما نقرأ في الافتتاحية، ليست إذن بالقليل في عمر مجلة جادة، مثل لوماغازين ليتيرير التي يزداد قراؤها يوما عن يوم، ليس فقط في فرنسا والبلدان الفرونكفونية وإنما أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية.
في عدد هذا الشهر/الذكرى إذن يمكن أن نقرأ ما كتبه فيها كثير من الكتاب في السالف حول تجربتهم بخصوص كتاب من كتبهم، كنوع من العودة بالقارئ إلى الالتفات إلى مسار المجلة الغني. إذ نقرأ حوارا مع بورخيس يعود إلى بداية السبعينيات، كما نصادف غابرييل غارسيا مركيز يتحدث عن كل الحيثيات التي لازمت ولادة روايته "مائة عام من العزلة". إضافة إلى حوارات مع العديد من الكتاب والشعراء أمثال باتريك مونديانو، إيف بونفوا، أراغون، دوريس ليسسن، ياشار كمال، أمبيرتو إيكو، نيكولاس بوفيي، بريت إستون إيليس، لوكليزيو وغيرهم. سأحاول فيما يلي أن أضع نصب عيني القارئ ترجمة نموذجين من تصريحات كاتبين هما ميشال تورنيي و الإيطالي انطونيو تابوتشي.
كما أننا يمكن أن نتتبع نوعا من كرونولوجيا الحركة الأدبية منذ ما قبل صدور المجلة بأسابيع سنة 1966 برحيل اندريه بروتون، مرورا بإصدارت مهمة وبتواريخ رحيل كتاب وفنانين كبار، حتى اليوم، أنجزته ألييت أغميل (وإن سقت الموت نجيب محفوظ عاما قبل موته عن خطأ ربما!).
كما أن المجلة قد فتحت المجال لكتاب شبان أمثال جان باتيست جوندارم المشاكس وأوليفييه روّي كي يتحدثوا عن أفق ما بعد هذه الأربعين سنة، بمعنى أي مستقبل للكتابة وللفن؟ لكل منهم رأيه في مستقبل الكتابة وفهمه لها. يختم جان لويس هيه افتتاحيته بأن يعلن أنه بعد كل هذه السنوات هاهي المغامرة فقط تبدأ.

فوندرودي(جمعة) أو أطراف المحيط.
ميشال تورنيي:
لقد قضيت سنتين دراسيتين بمتحف الإنسان بباريس، حيث كنت ثمة بالفعل تلميذا لكلود ليفي شتراوس، وقد قضت الصدفة أن يظهر في الزمن نفسه كتاب "روبنسون كروزوّي" لدانيال دوفوّ في طبعة الجيب في الوقت الذي كان من الصعب فيه الحصول عليه. لقد قرأته، محتفظا في ذهني بكل ما تعلمته في متحف الإنسان حول الإثنوغرافيا، اللغة، مفهومي المتوحش والمتحضر. وقلت في نفسي: هو ذا الموضوع. يلزم أن أضع عن روبنسون كروزوّي كتابا جديدا، آخذا بعين الاعتبار كل ما راكمته الإثنوغرافيا. ثمة بالنسبة لي أمرين مزعجين في كتاب دانيال دوفوّ، الذي يعود إلى سنة 1719، ما لا يجب نسيانه بالخصوص. أولا أنه يُختزل شخص فوندرودي (جمعة) في هذه الرواية إلى عدم. فهو فقط مجرد قالب. فالحقيقة تصدر عن روبنسون لأنه رجل أبيض، إنجليزي ومسيحي. ما أهدف إليه أنا هو أن أضع رواية يلعب فيها فوندرودي (جمعة) دورا مهما، أو أكثر من ذلك، دورا أساسيا في آخر الأمر. لذلك فقد أطلقت على هذه الرواية "فوندرودي" (جمعة) وليس روبنسون. الأمر الثاني الذي بدا لي تعسا في رواية دانيال دوفوّ ألا وهو أن كل شيء فيها استعادي. فروبنسون الذي رُمي على جزيرته، لا يفكر إلا في شيء واحد، أي في إعادة بناء بريطانيا المفقودة بالأدوات المتاحة له، بالمعنى المزدوج للكلمة. لأنه يعيد في الواقع خلق مستعمرة انجليزية صغيرة بواسطة ما يجد ثمة من بقايا. لذا فروبنسون ليس يهتم إذن سوى بالماضي ويرغب أن يستعيد ما فقده.
أردت في روايتي هذه أن يلحظ روبنسون عبثية انشغاله وأن ينخر هذا الإحساس، بشكل أو بآخر، بناءه من الداخل. ثم ليظهر فوندرودي (جمعة) بعد ذلك كي يمحو كل شيء. يمكن إذن أن نخترع، بالقدر المتاح، لغة وإيروسية جديدتين. لهذا ففوندرودي، في روايتي هذه، يلعب دورا أساسيا: فهو يفتح آفاق مستقبلية، ويساعد روبنسون على أن يخلق الجديد وليس أن يركن إلى إعادة تركيب الماضي.
(إعداد أرلييت بولوميي/ عدد 226 يناير(كانون الثاني) 1986).


الرحلة في "ليليّة هندية"
أنطونيو تابوتشي.
تولد الكتب دوما من صدفة. لست كاتبا رحالة ولم أذهب إلى الهند كي أكتب "ليليّة هندية" (Nocturne indien). لقد كانت مهمتي في الأصل ثقافية، كان علي أن أضع جردا للنصوص الغربية المحفوظة بالمكتبة اليسوعية في غوا. مكثت طويلا ثمة وسافرت كثيرا على طول البلد. فكرت، فقط لدى عودتي إلى إيطاليا، في إمكانية كتابة نص يقتفي فيه شخص روائي مراحل رحلتي الهندية. لقد طابقت في الكتاب بين الواقع الجغرافي وبين الخيالي (في الكتاب خريطة لمساري). في آخر الأمر حسّن المستوى الروائي المستوى الواقعي إلى درجة أني لم أستطع بعد أن أعاود ثانية هذه الرحلة. فلم أرجع قط إلى الهند.
الصدفة عنصر أساسي في حياتنا. أن نتواجد مثلا في مكان ما مع شخص ما يكون دوما نتيجة سلسلة من الصدف التي حددت حيواتنا الخاصة واقتادتنا إلى المكان نفسه في نفس الآن. في الواقع لا نفكر في ذلك لأن هذه الحقيقة قد تصيبنا بالاضطراب. غير أني أفكر في ذلك كلما شرعت في الكتابة. تعاقبُ الصدف، هذا والذي يغير مجرى حياتنا، ويمكن أن يجعل أناسا يختفون أو يجعلنا نلتقي بهم، يعتبر بالنسبة لي مادة أدبية.
بين ثقافتين:
تكيفت بشكل متبادل مع اللغة البرتغالية. فأن نكتب نصا بلغة غير لغتنا لهو تجربة مهمة جدا. إنه مثل تعميد. إذ تنتابنا مشاعر جديدة، لأن كل لغة تحمل في ذاتها حمولة عاطفية مختلفة. فإذا كتبنا رواية بلغة أخرى، لم يعد بوسعنا أن نقول بأن تلك اللغة ليست لغتنا، إذ امتلكناها بذلك كلية. لدينا من تم لغتين. إن ذلك مصدر إغناء دائم، فكل من اللغتين والثقافتين لها حقيقتها الخاصة. ننظر إلى العالم بشكل مختلف ونكتشف مثلا أن الجغرافيا هي دائما تصور نسبي خاص. فمن إيطاليا تبدو لنا لشبونة وكأنها في أقاصي أوربا، ونعتبر المدينة إذن نقطة وصول. وما إن نصل إليها حتى نكتشف أن المدينة تحرض دوما على المغادرة.(...).
السفر:
من وجهة نظر وجودية، فحياتنا هي سفر، غالبا ما يقترن بسفر آخر في المكان. لقد ولدنا كي نسافر. فالتنقل، بالنسبة لي، أساسي، إنه البحث الأبدي عن أمكنة أخرى. أرغب دوما أن أصير في مكان مختلف عن الذي أكون فيه، وكلما لحقت بالمكان المرغوب فيه إلا وشدني حنين إلى المكان الذي قمت بمغادرته. السفر يمنح إمكانات كثيرة، وإن لا ندرك أبدا ماذا يتواجد على طرف الطريق. أحيانا ما يكون فقط ثمة شيئا ما لا يفتأ ينفلت منا.
(إعداد فابيو غامبارو. عدد 436 نونبر (تشرين الثاني) 2004).

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف