رواية إختلاس... إكتشاف للذات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سلوى اللوباني من القاهرة: يقول ماركيز "الحياة ليست ما عاشها الواحد منا.. بل ما يتذكرها.. وكيف يتذكرها ليحكيها".. وكل منا يتذكر مراحل ومواقف من حياته أثرت بشخصيته وبفكره منذ الطفولة في محاولة منا للبحث عن ذاتنا.. ولإعادة اكتشافها.. وذلك ما قام به الكاتب الصحفي هاني نقشبندي في روايته الاولى "إختلاس" صادرة عن
جرأة وشفافية
لا شك بأن جرأة الكاتب تٌحسب له.. وكأنه أفرغ حملاً ثقيلاً على قارئه من خلال شفافيته وصراحته وجرأته موضحاً إرثه الثقافي الذي لعب دوراً في تشكيل شخصيته وفكره وآرائه في المرأة وعلاقته بها... تراه يتخبط كثيراً.. ويناقش نفسه كثيراً... ويكلمها ويحاسبها.. رواية تثير تساؤلات عديدة حول ما نشأنا عليه وحول واقعنا. كما يدفعك للبحث عن كثير من الاجابات... فكما ذكر في مقدمة الرواية "كثيراً ما كنت أشعر أن الحياة تكرر نفسها دون إرادة منا، أتخيل الله يهبنا الفرصة لاعادة إكتشاف أنفسنا والتخلص من الخطايا لنصبح أكثر نقاءً وقرباً منه. لكن ذلك لا يأتي دون الاعتراف بهذه الخطايا التي ستتكرر بدورها أن بقينا مختبئين وراء الممنوع بلا سبب والحرام في غير حرمة. ربما يشاركنا الاخرون في الخطايا نفسها. لكن دورنا ليس إصلاح ثقوب الكرة الارضية بل إصلاح ثقوبنا نحن وليصلح الاخرون ثقوبهم. هي محاولة للعلاج إذن، لكني لن أكون الطبيب هنا، بل لعلني المريض أكثر مني الطبيب. وكلي ثقة أن المريض هو أفضل طبيب لدائه".
ضحايا مجتمع
ويجدر الاشارة هنا الى النماذج التي قدمها الكاتب في روايته متمثلة ببطلة الرواية "سارة" وهي سيدة في الحادي والثلاثين من عمرها تكمن سعادتها بما تقدمه هي لنفسها.. وحيدة بالرغم من وجود الزوج الغائب الحاضر في كيانه ومشاعره، تنتمي الى عائلة سعودية محافظة تزوجت مبكراً ولها توأمان أتيا في وقت متأخر من زواجها.. يعيش كل منهما في عالم لا علاقة له بالاخر.. رجل يبدأ اهتمامه عندما تتحرك غرائزه... روتينها ثابت لا يتغير.. البيت الاولاد الخدم الاكل وقراءة المجلات والصحف ولقاء الصديقات وكتابة المذكرات، وهشام رئيس تحرير مجلة نسائية في لندن الآتي من مجتمع لا ينصف المرأة أبداً، عاجز عن مساعدة النساء.. وقيمة رسائل سارة بالنسبة لهشام أن صاحبتها على قدر من الجمال لا أكثر ولا أقل رسائل تتحدث عن العنف والخيانة والاهمال وقصص الحب الفاشلة.. علها تجد فيه المنقذ فكيف لا وهو نصير المرأة من خلال كتاباته!!! رئيس تحرير اعتبرته القارئات عراب الحب وحلال المشاكل ونصيرهن الاول إلا أنه هو نفسه لا يؤمن بهذه الافكار. هذه النماذج لا تنطبق فقط على المجتمع السعودي بل على معظم المجتمعات العربية.. طالما عانينا من ازدواج الشخصية.. ما نظهره يختلف عما نبطنه.. ما نصرح به بعيد تماماً عما نؤمن به.. إنه الخوف من المجتمع ومن العادات والموروثات.. فلو قارنا حال المرأة السعودية العربية وبين حال الرجل في ظل موروثات عفى عليها الزمن فلن يكون بأفضل.. وإنما هي الفرص التي تسنح له وتجعله قادراً على محاولة إثبات ذاته.. ولكن هل فعلاً تساعده مثل هذه الفرص!!! فكما يقول الكاتب هي نماذج نشأت في ظل مجتمع يقدس أستاذ الدين والعادات والتقاليد، مجتمع يهيأ الخطيئة للمرأة والرجل ومن ثم يحاسبهما. مجتمع ملئ بالمتناقضات.. يهيأ لهم الخطيئة من خلال كم من الممنوعات إضافة الى الافكار التي تصور المرأة على أنها ثلاثة أشياء فقط تحيض أو لا تحيض، تلد أو لا تلد، نخطئ ولا يحق لها الخطأ. مجتمع يرفض طلاق البنت بأي شكل كان... مجتمع يعتبر معظم الامور محرمة.. ويمنع باقي الامور، مجتمع يفرض رقابه على ما تقرأ وما لا تقرأ، مجتمع يعتبر الحب كافر، والغزل والشعر حرام، مجتمع يرزح تحت حكم المطاوعة الذين أضروا بسمعة المجتمع السعودي وأساؤا الى الاسلام أكثر مما دافعوا عنه على حد تعبيره، ويقول الكاتب معظمهم من حملة الشهادات الابتدائية وبعضهم قضى عقوبة السجن لاسباب بعضها أخلاقي قبل أن يحفظوا قدراً من القرآن الكريم كشرط لاطلاق سراحهم.. ولا يلبثون أن يصبوا سخطهم على المجتمع... هشام وسارة نموذجان لضحايا مجتمع محمل بإرث قديم.
تساؤلات
كما ذكرت سابقاً رواية تثير كثير من التساؤلات وتبحث عن كثير من الاجابات والحلول، فهل بالفعل أصبحت المرأة تتلذذ بدور الضحية بدل أن تثور على ظروفها وموروثات مجتمعها؟ ما الذي تبحث عنه المرأة في الرجل.. العلم والثقافة؟ الخبرة والتجربة؟ إشباعها عاطفياً؟ هل تحب المرأة الشكوى فقط؟ المرأة ضحية الرجل أم العكس.. أم الاثنان ضحية المجتمع؟ هل يحق للمرأة التعبير عن رغبتها العاطفية والجنسية؟ وما السبيل للمرأة لتؤمن بآدميتها؟ وطرح الكاتب سؤالاً لخص فيه رحلته في البحث عن الذات وهو... "ويبقى السؤال كيف لعام أو عشرة أعوام يعيشها الانسان في الغرب أن تغير إرثاً يسبح في دمائنا بكل أخطائه ووثنيته؟ برأيي الشخصي نجح الكاتب في رحلته وفي مصالحته مع نفسه.. ولكن هل سيستطيع الاستمرار في الانتصار على الموروث القديم.... أتمنى ذلك... عزيزي الرجل العقل البشري يجب أن يكون فندقاً لاستقبال الافكار الزائرة طوال اليوم وكل يوم... وعزيزتي المرأة ثوري من أجل كلمة بل من أجل نصف كلمة...